Monday, January 31, 2005

إغتيال (12)


الزمان: أواخر شهر فبراير – اليوم التالي
المكان: 112 طريق ملفورد - منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن

"ما هذا؟!!!!" يسأل آرشي عن كومة الملفات المتراكمة والتي ملأت غرفة الإجتماعات اليومية. يفتح بعض الملفات ويستطلع ما بداخلها ويقرأ سريعا لأخذ فكرة عن المحتوى.

"غريغ بحق السماء، ماذا سنفعل بتقرير صادرات المواد الغذائية والزراعية؟" يسأل آرشي.
"من الصعب معرفة ما كان يجول بخاطرك، ثم إنك لم تحدد ما أردته بالضبط ، فطلبنا كل شيء" يضحك غريغ.

"علينا أولاً فرزها، ولنعزل الصادرات العسكرية والصناعية والكيميائية على حدة، ولنعطها الأولوية في القراءة والبحث، ثم الصادرات الأخرى" يحدثهم آرشي.

"ما الذي نبحث عنه بالضبط يا آرشي؟" يسأل آندرو.
"إبحثا عن الصادرات والمواد ثنائية الإستخدام، وعلى الأخص التي يمكن إستخدامها في التصنيع الحربي أو لها إستخدامات عسكرية. أما في الصادرات الكيميائية، فالبحث يكون عن المواد الكيميائية التي قد تستخدم في إنتاج الغازات السامة المحرمة دولياً كغاز الخردل وما شابه ذلك" يرد آرشي.

يظهر الإستغراب على وجه آندرو ويسأل، "أَ وَ نبيع للعراق مواد كيميائية تستخدم في إنتاج الغازات السامة المحرمة دوليأً؟!!!!".

"هلّلا جاوبت على هذا السؤال يا غريغ" يرد آرشي وهو مشغول بتفحص الملفات ليختار المناسب لقراءته.

"آندي، كيف تظن أن العراقيين إستطاعوا إسترداد أراضيهم التي إحتلها الإيرانيون في العمليات العسكرية التي سموها الفجر، وبالأخص منطقة الفاو وجزيرة مجنون الإستراتيجية؟! لقد تحالف العالم كله ضدالإيرانيين. لقد زود السوفييت العراقيين بالعتاد المتطور، والأميريكيين بصور الأقمار الأصطناعية أولاً بأول التي توضح تحركات القوات الإيرانية، أما نحن والألمان الغربيين، فدورنا كان بتسهيل حصولهم وإنتاجهم أسلحة الدمار الشامل الكيميائية، غاز الخردل والأعصاب وهلم جرا. لولا تلك المساعدات لما إستطاع العراقييون زحزحة الإيرانيين شبر واحد عن مواقعهم. حقيقة آندي، أنت بحاجة لإعادة تأهيل وكورسات من جديد" يوضح غريغ بإبتسامة.

آندرو غير مصدق ما تسمع أذناه فيسكت.

تنقضى ساعات في قراءة الملفات دون إحراز أي تقدم أو إكتشاف أمر مُجدِي ومفيد للمشروع. لقد بدأ الجميع في فقد التركيز وكثرت الزفرات من الملل. ويستمر الوضع.

الضجر والتعب يصلان إلى أقصى حد لدى آندرو، يكوِّر ورقة من أوراق مسوداتة الغير راغب بها، ويرميها في سلة المهملات مُصدِراً صوت قذيفة صاروخية.

ينظر إليه آرشي بتركيز، يحرج آندرو من الأمر ويتأسف "آسف، لقد أدركني الملل".
"لا، لا، لا عليك يا آندي. يا عزيزي، لقد أوجدت لنا المخرج" يرد آرشي.

يسعد الكلام آندرو مع إحساسه بالضياع.

يطلب آرشي رقم الأرشيف "السيدة ميغنز، أدخلي إلى قاعدة معلومات وزارة التجارة، وإبحثي لي هناك عن أنابيب النفط العالية التحمل التي ستصدر للعراق، ........، لا أنا متأكد من ذلك لقد بعناهم هذه الأنابيب ولكن لا أعتقد بأنه قد تم تصديرها، واصلي البحث، نعم أريد رقم المعاملة لمطابقتها مع السجل في الملفات التي بين أيدينا، شكراً". يبدأ آرشي الدوران بالغرفة مفكراً.

يحاول آندرو الحديث، فيمنعه غريغ ويهمس في أذنه، "إنه في طور تجميع الأفكار وربطها ببعض وبلورتها، لندعه لشأنه بعض الوقت". غريغ مدرك تماماً لطبيعه آرشي.

يمضى الوقت بطيئا وآرشي مستمر بالتفكير. يقطع جرس الهاتف حبل أفكاره ويهرع لإلتقاط السماعه. "نعم، إنتظري لحظة من فضلك"، يؤشر أرشي لغريغ لتدوين ما سيمليه عليه، "نعم، بي كيه 1989-2 /آي آر / أوه بي 13 ، شكراً".

بسرعه يلتقط آرشي الملف ليبحث عن البيانات الخاصة بتصدير الأنابيب التحمل ويطلب من آندرو البحث في سجلات الإستخبارات عن الرقم نفسه. فمن العادة أن تراقب الإستخبارات البريطانية الصادرات ذات الإستخدام المزدوج.

"ها هو تقرير الإستخبارات" يناوله إياه آندرو.

يقرأ آرشي قليلاً ويصيح مغتبطاً "يوريكا، ....، غريغ، آندي، لقد وجدتها".



إنتهى الجزء الثاني عشر
ويتبع في الجزء القادم

Sunday, January 30, 2005

إغتيال (11)


الزمان: أواخر شهر فبراير – يوم بعد لقاء شيردان بلايث
المكان: 112 طريق ملفورد - منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن

لقد بدأ غوردن الإعتياد على لقاءات الساعة التاسعة صباحاً. بل بدأ يحب هذه اللقاءات بعد فترة طويلة من الحياة المكتبية المملة.

"حسناً يا غوردن ماذا لديك؟" يسأله آرشي.
"لقد إلتقى صديقنا بالملك، وكما توقعت، المعلومات المتطابقة من جهتنا والتي جمعها حسام تركت إنطباع مذهل على الملك، فبعد اللقاء معه، أمرالملك بعقد لقاء عالي المستوى مع بعض أعوانه ومستشاريه. إلى هذه اللحظة ومحتوي الإجتماع غير معروف ولكن سرعان ما سيأتينا الخبر. ولكني أراهن بحياتي بأن الأمر يخص مشروعنا".
"عظيم" يصرح آرشي ويهز البقية رؤوسهم بالإعجاب.

"لقد قام الملك بشيء لن تتخيلوه، فبعد يومين من إجتماعه ، صدرت أوامر ملكية يتغييرالقيادات العسكرية للوحدات الأردنية وأغلبها من فلسطينيي الأردن مع بعض التغييرات الأخرى للتموية، هذا عدا صدور الأوامر السرية بمراقبة الفلسطينيين النشطاء وبعض المتعاطفين مع الفلسطينيين أو العراقيين سواء".

"هذا مذهل. هل لمح الملك لصديقنا بما سيفعله؟" يسأله غريغ.
"عزيزي غريغ، الملك لا يصرح بما في خلده إلآّ لأخيه ولي العهد أو لحفنة من المستشارين الثقات" يجبه غوردن.

"هل هذا كل شيء؟" يسأل آرشي.
"كلا، هناك شيء ما حدث ولا أعرف الغرض من ورائه"، يصرح غوردن ويسكت برهه، "لقد قام الملك بزيارة العراق سراً".

"ماذا؟؟؟؟" يصرخ الجميع. " هل أنت متأكد؟" يسأله غريغ.
"كل التأكيد" يرد غوردن "وهذا ليس كل شيء، لقد قام بزيارة مصر واليمن بالسر أيضا"، الجميع مذهولون من الأخبار الغير متوقعة.

"ماذا يعني ذلك بحق السماء؟ هل تعتقد بأن الملك قد كشف لصدام حسين ما قد ورد إليه؟ وإنه قد ذهب إلى مصر واليمن يستجدي العون، آرشي ما رأيك، هل لديك فكرة؟" يسأل آندرو.

صمت لبرهه.

"لا ، لا أعتقد. قد أفهم ذهابه لمصر أما اليمن فلا أتخيل ذلك، فما المنفعه؟. من الأجدى له، إن أراد إفشال أي مخطط لصدام حسين، أن يتوجه نحو السعودية، أما اليمن فالأمر غير منطقي" يجيب آرشي.

آرشي يغرق في أفكاره ويحدث نفسه، يذهب إلى مصر واليمن وسراً، لماذا؟ آه بحق السماء، بماذا يفكر هذا الثعلب الداهية. هل أخطأنا في خطتنا؟ هل أخطأنا بالإستعانه به؟ هل الأمر مرتبط بخطتنا؟ يا إلهي كم أكره نفسي عندما أكون عاجزاً.

"لا عليكم" يحاول آرشي تلطيف الجو بعد صدمة الأخبار ليزيل التوتر، "كل شيء سيتضح خلال الأيام القادمة أنا متأكد من ذلك"، يلتفت إلى غوردن، " غوردن، يرجى متابعة تحركات الملك، وحاول الضغط على جميع أصدقائنا لمعرفة أسباب جولات الملك المكوكية السرية، ولنستعن ببعض عملائنا في مصر واليمن لمعرفة المزيد إن أمكن". ويكمل في إتجاه آغر ليشتت ما بذهنه والتركيز على موضوع آخر.

"غريغ، هل وصلت تقارير وزارة التجارة المصحوبة بتعليقات الإستخبارات عن الصادرات إلى العراق؟".

"ستكون هنا يوم غداً بالكامل" يجيبه غريغ.

"جميل، آن الأوان على ما أظن للضغط على العراقيين".


إنتهى الجزء الحادي عشر
ويتبع في الجزء القادم

إغتيال (10)


الزمان: أواخر شهر فبراير
المكان: نادي خاص – وسط لندن

"الأسواق النفطية في فوضى عارمة يا سادة"، يحدثهم شيرادن بلايث، أحد خبراء النفط وأسواق النفط العالمية. "دول الأوبك جميعها تتجاوز حصصها الإنتاجية، والتجاوز ليس مرهون بدولة أو أخرى. المنظمة غير قادرة على إلزام أعضائها بالإلتزام بحصصهم المقدرة. الأسعار في هبوط مستمر، وهذا الصيف سيشهد أدنى الأسعار بشكل غير مسبوق، ..، هذا الشتاء لم يكن قارصاً كما تمنته دول الأوبك" يبتسم.

"بلايث"، يحدثه غريغ، "هل نستطيع أن نركز على دول الشرق الأوسط ، وبالأخص العراق وإيران وباقي دول الخليج العربية، ما وضعهم بالتحديد؟".

"كما ذكرت" يكمل، "الجميع متأثر بهبوط الأسعار ولكن أشدهم تأثراً هو العراق"، يشد ذكر العراق إنتباههم أكثر، "وكيف ذلك؟" يسأله غريغ.

يسرد بلايث الوقائع "لقد خرج العراق للتو من حرب أنهكته عسكرياً وسياسياً والأهم إقتصادياً، وتراجع الأسعار معناه إزدياد التعاسة العراقية. ولا تنسوا مطالبات الدول المُدينة لديونها. يا سادة إن على العراق ديون تبلغ أكثر من مئه مليار دولار وهو بحاجة للنقد والسيولة. الدينار العراقي لا يساوي حتى ثمن الورق الذي يطبع عليه. لقد توقف العراق عن إصدار عملتهم المطبوعة في سويسرا المعروفة بين العراقيين بالدينار السويسري وبدأوا بطباعة دينارهم بأنفسهم الأمر الذي أدي إلى إنحدار قيمته إلى الدرك الأسفل. ناهيك عن إزدياد معدلات التضخم والبطالة".

"ألا ينطبق الحال نفسه على الإيرانيين؟" يسأله آندرو.
"الوضع مع الإيرانيين مشابه إلى حد ما ولكن أقل سوءاً. ديون الإيرانيين أقل وذلك لتأخرهم في شراء الأسلحة حتى وقت متأخر من الحرب. فلقد ترك الشاه السابق ترسانة لا بأس بها من الأسلحة للملالي. علاوة على قلة عدد الدول المُدينة بالنسبة للإيرانيين منها للعراقيين.
ولا تنس بأن الإنتاج النفطي الإيراني لم يتأثر كثيراً سوى الأيام الأولى من الحرب بعد إحتلال العراقيون لمدينة عبادان. فحول الإيرانيون إنتاجهم لجزيرة خرج على الخليج التي لطالما كانت هدفاً للصواريخ والمقاتلات العراقية دون جدوى. أما العراقييون فلم تتأثر حقولهم ومراكز الإنتاج الشمالية وهي مركز عملياتهم النفطية أي نعم، ولكن لطالما كانت حصة العراق من الإنتاج والتصدير ناقصة بسبب الأتراك والأردنيين الذين يأخذون حصتهم النفطية من العراقيين مقدماً وذلك لمرور أنابيب التصدير عبر أراضيهم إلى موانئ التصدير. إنها الضريبة القاسية زمن الحرب. والعراقييون الآن يحاولون التعويض عما فاتهم خلال سني الحرب من إرتفاع في أسعار النفط ، ولكن بلا فائدة".

"ولكنك ذكرت بأن دول الأوبك بلا إستثناء تتجاوز حصصها الإنتاجية، فما الذي يدفع دول الخليج العربية بالذات لتجاوز حصصها؟" يسأل آندرو.

"نعم هذا صحيح"، يشرح بلايث، "إسمع، الظروف الأقتصادية العالمية جعلت الكثير من إقتصاديات الدول محطمة. والدول النفطية تأثرت كثيراً نظراً لإعتمادها على النفط فقط كمصدر دخل للدولة. ودول الخليج العربية غير مستثنية من ذلك بل على العكس لديها دوافع أخرى.

فالإمارات العربية المتحدة وبالأخص إمارة دبي، تسعى جاهدة لإنشاء بنية تحتية قوية وتطوير مرافقها بسرعة لإنها ترغب بأن تكون مركز إستقطاب عالمي وخصوصا لرؤوس الأموال الهاربة من هونغ كونغ. يا سادة، في العام 1997، ستعود المستعمرة إلى أحضان التنين الصيني، ودبي تحاول الإستحواذ على أكبر قدر من هذع الأموال لذا فالوقت ضيق. لدي العديد من الأصدقاء يعملون مع حكومة دبي لهذا الغرض بالذات.
أما إمارة ابو ظبي الأغنى بالنفط، فقد عانت وما زالت تعاني من فضائح بنك الإعتماد وإفلاسها بسبب السرقات وتبييض الأموال وتحفظ الإدارة الأميريكية على أموالها، لقد إستثمرت الإمارة كل أموالها تقريباً بالبنك الذي كانت تملكه، فهي تحاول التعويض.

أما قطر فإنتاجها صغير مقارنة مع باقي الدول المنتجة ولا تعاني مشاكل جمة، مع العلم بأنها تملك أكبر إحتياطي للغاز في العالم وعاجلاً أم آجلاً سيزداد الطلب العالمي على الغاز. وبإعتقادي، فإن التسعينيات سيشهد بزوغ نجم قطر. أنا لا أدري عنكم يا سادة، ولكني قد إستثمرت بعض أموالي في الشركات المتخصصة بتطوير حقول الغاز. فسرعان ما سيتم إستدعاءهم من قِبَل القطريين.

والسعودييون إقتصادهم متماسك بشكل عام، إلاّ أن مشاريع التطوير الإقتصادية تستحوذ على قدر كبير من الميزانية العامة وتحتاج لمزيد من الدعم الحكومي بالبداية وهذا ما يحصل الآن. فالحكومة تساهم وبشكل فعّال في إنشاء صناعة إستهلاكية متكاملة مثل إنتاج المواد الغذائية والدوائية، كل ما يتعلق بالمستهلك في الحقيقة. هذا أولاّ، أما ثانياً، فالسعودية كما تعلمون هي الدولة الإسلامية الأولى في العالم لإستضافتها أقدس حرمين لدى المسلمين في مدينتي مكة والمدينة. والحكومة السعودية قد قامت بمشاريع ضخمة جداً لتطوير الحرمين المقدسين عدا البنية التحتية للمدينتين.
أما على الصعيد السياسي فأنتم أعلم مني يا سادة بالمساعدات المالية الضخمة التي تقدمها السعودية لتمويل المجاهدين الأفغان ضد القوات السوفيتية هناك وضد قوات الساندنيستا في حكومة نيكاراجوا الشيوعية، وذلك بدعم متمردي الكونترا. أما أهم سبب برأيي، لتجاوز حصتها، فهو مشروع اليمامة العسكري. فكما تعلمون يا سادة، فإن السعودييون في طور تطوير قواتهم المسلحة في إطار مشروع اليمامة العسكري أو كما هو معروف بمشروع القرن حيث ستصرف مليارات الدولارات بسببه.

أما الكويتيون فلعلهم يواجهون أسوأ إقتصاد بين جيرانهم باستثناء العراق طبعاً. فهم ما زالوا متأثرين بانهيار سوق الأوراق المالية عندهم، وكأنهم لم يسمعوا قط بالثلاثاء الأسود قبل ستين عاماً، وإنهيار بورصة نيويورك وتلتها بورصات العالم ثم حدوث الكساد العظيم. يا لهم من أغبياء.
ولا تنسوا بأنهم وطوال فترة حرب العراق وإيران كانوا يزودون العراقيين بالأموال على شكل منح وهم على علم بأنهم لن يستردوها. فقد فرضت كأتاوة عليهم في حقيقة الأمر من قِبَل العراقيين بحجة الدفاع عنهم من غزو إيراني محتمل لأراضيهم.
ولقد إستفادت دول الجوار من الحرب كلهم حتى الإماراتيين بتجارة الترانزيت مع الإيرانيين، إلاّ أن الكويتيين فقد كانوا أكبر الخاسرين، حيث فتحوا موانئهم للبضائع الذاهبة للعراق مع إعطائها الأولوية في التنزيل والتحميل على حساب بضائعهم دون أن يأخذوا أي رسوم، هل تتصورون هذا؟" يسكت بلايث.

"ما هو سعر البرميل الآن وما السعر المتوقع لهذا الصيف؟" يسأل آرشي.
"حالياً هو متذبذب ما بين الـ 23 دولاراً والـ 20 دولار، أنا ويؤيدني الكثير، فأتوقع إنحدار سعر البرميل الواحد إلى الـ 18 دولار هذا الصيف وربما أقل" يجيب سلايث.

ينتهي اللقاء ما بين شيردان سلايث والآخرين ويرحل. ولكن وقبل أن يبدأ أحدهم بالحديث، يقفز آرشي من مقعده ويقول "دعونا نرحل من هنا ونعود لمقرنا، لدي ما أخبركم به، ما قاله سلايث سيعمل لصالحنا بشكل جميل".


إنتهى الجزء العاشر
ويتبع في الجزء القادم

إغتيال (9)


الزمان:ظهيرة يوم الأثنين – ساعة بعد لقاء الأثنين
المكان: 112 طريق ملفورد - منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن

"لا أعلم يا غوردن، التقارير والحبكة تبدو هشه بعض الشيء ولا أظن صديقنا قد إقتنع بما حدثته" يحدث غريغ غوردن بعد الإنتهاء من سماع التسجيل الكامل لما دار في اللقاء بينه وبين حسام البطايخه.

"لا عليك بل سيصدقها ولو رغما عنه" يشرح غوردن، "أنظر، أنت قد لا تعرف طبيعة حسام، فأنا بالنسبة له صديق أكثر من من رجل إستخبارات معه، وأعرفه أكثر مما يعرف نفسه. أنا أعرف زوجته جيل شخصياً حتى قبل أن يتزوجها. الرجل لا حدود لطموحه وهذه فرصة لن يضيعها لأنها صعبة التعويض وخصوصاً وأنها قد قدمت له على طبق من ذهب. شخصياً، أنا أعتقد بأن طموحه الزائد سيكون بالنهاية سبباً لإنهياره وسقوطه ولكن هذا أمر آخر. الأكيد هو أن هذه فرصة ذهبية لتحسين صورته أكثر أمام الملك ولن يدعها تفلت من يده". "ثم لا تنس"، يكمل غوردن، "لقد نصبت له شركاً لتأكيد ما قلته، إنه كمثل دس السم في العسل".
"ماذا تعني؟" يسأله آندرو.

"لقد طلبت منه الحصول على معلومات من مصادره في العراق. هذه المصادر نعرفها بل ونتحكم بها. سأرسل إلى هذه المصادر بالتعليمات لتزويده بما نريد نحن أن يعلمه. هذا أولاً، والشيء الآخر هو طلبي منه توجيه العراقيين نحو الكويت، وهذا ما نريده أليس كذلك؟".

"ماذا عن الملك؟" يسأله غريغ.
"هذا الجزء الأسهل"، يجيب عوردن، ويحدق به غريغ وآندرو في نفس الوقت باستغراب، يتفهم غوردن ذلك فيكمل ليوضح الأمر.

"آخر التقارير الإستخبارية من الأردن تشير بأن الملك ومنذ إتفاق وقف إطلاق النار بين العراق وإيران، وتوجههم نحو إتفاقية دائمة للسلام، وهو متخوف من العراق وجيشه. لذا فهو مهيأ نفسياً لقبول أي فكرة تدور في فُلك ما ذكرناه لحسام. وهذا أيضاً تحليل خبرائنا في الإم آي 6 وليس رأيي الشخصي".

قليل من الصمت يقطعه آرشي.

"آندرو، هلاّ أخذت نسخه من تقارير غوردن التى ناولها لصديقه وتعمل على إعداد نسخه منقحه لتوصلها الخارجيه للملك حسين بواسطة سفيرنا في عمّان. على فكرة إكتشف لنا من يكون، وليؤكد السفير على خطورة الوضع وليكن هذا الأمر بالتنسيق مع غوردن، أعني موعد التسليم، فلا نريد أن تتضارب المواعيد ونسبق صديقنا الأردني كثيراً"، يبتسمون.

"إنه جيري موريس"، يجيب آندرو.
"ماذا" آرشي غير مستوعب ما قاله آندرو.
"قلت، جيري موريس" يوضح آندرو، "سفيرنا في الأردن إسمه جيري موريس".
"آه، أنا آسف، ..، سريع جداً يا آندي"، يومئ آرشي لآندرو بإعجاب ويقول، " تستحق عشرة على عشرة يا عزيزي"، يضحكون.


إنتهى الجزء التاسع
ويتبع في الجزء القادم

Saturday, January 29, 2005

إغتيال (8)


الزمان: الإثنين التالي من لقاء الثلاثاء
المكان:مقابل قصر باكنغهام - لندن

برودة شديدة والمكان يعج بالناس ولكن أقل من الصيف، حتى هذا الطقس لم يمنع الزوار من التواجد أمام بوابة قصر باكنغهام.
بيغ بن يضرب دقه واحدة. أصوات الموسيقى العسكرية تصدح عن بعد وتزداد إقتراباً، وها هم الحرس بزيهم الرمادي الشتوي يخرجون من معسكرات ويلنغتون محل إقامتهم بالدقيقة. ينظر غوردن إلى ساعته، الحادية والنصف وبضع دقائق صباحاً.
يتدافع الزوار وتكثر فلاشات الكاميرات، ينسحب غوردن إلى الخلف قليلاً لتفادي الزحام، ويصدم أحدهم.

"لقد بدأت تفقد قدراتك السحرية عزيزي غوردن" يصافحه الرجل بحرارة مبتسماً، "بدأت تكبر بالسن"، يضحك الرجل، "يا إلهي غوردن، ما بين كل الأماكن في لندن، أكان علينا اللقاء هنا؟".
"هيا بنا بعيدا عن الزحام" يحدثه غوردن ويمشي مبتعداً بصحبة الرجل.

"كيف حال جيل؟" يسأله غوردن.
"بخير، ترسل تحياتها، إنها تزور أهلها"، يجيب بشيء من الضيق ، عربي حتى النخاع.
ينظر غوردن إلية بشيء من الشزر. "لا تخف يا عزيزي غوردن ، هي لا تعلم عن الأمر شيئا، ما زالت تظن بأننا أصدقاء فقط".

يتبادل الرجلان أحاديث ودية في مواضيع مختلفة لبعض الوقت.

" غوردن" يسأله حسام البطايخه، "ما الأمر المهم الذي جعلني آتي على وجه السرعة؟".
"شيء أثار الإضطراب عندنا" يرد غوردن، "يناوله غوردن بعض الأوراق "إقرأ".

يقرأ حسام الأوراق ويبدأ التوتر والجدية بالظهور على محياه كلما إزداد بالقراءة.

يلتفت حسام إلى غوردن ويقول "ما مصداقية هذه المعلومات يا غوردن، إنها صعبة التصديق. العراقيون يدركون أننا ند لهم، والجيش الأردني في أعلى مستويات تماسكه. أما فكرة تعاون فلسطينيي الأردن مع العراقيين فهو سخيف، فالفلسطينيين تحت سيطرتنا".

"حسام، هذا أنا، غوردن من تحدثه وليس أحد المغفلين" يزجره غوردن. "إنها لنكته سمجة عن ندية الجيش الأردني للجيش العراقي، أما عن تماسك الجيش الأردني فلن أقبلها خصوصاً منك. ألم يقم منذر رشدان بمحاولة إنقلاب عندما كان عميلاً لإحدى الدول العربية القريبة، ثم عينتموه رئيساً لإستخباراتكم. فمن ساعده؟ ألم يكونوا ضباطاً في الجيش الأردني. وماذا قلت عن الفلسطينيين، إنهم تحت سيطرتكم، لقد كانوا تحت سيطرتكم في ذاك الأيلول الذي تدعونه بالأسود، فما الذي جرى؟ لولا تدخلنا ومساندتنا لكم، لأصبح الأردن دولة فلسطينية".

يطبق الصمت، بينما الإزعاج ما زال مستمراً بالقرب من القصر. يدق بيغ بن معلنا الساعة الثانية عشر ظهراً.
"حسام، لقد قرأتَ التقارير، وأنا لا أستطيع أن أؤكد مدى مصداقيتها، ولكن جميع مصادري تؤكد على تحرك عراقي ضدكم. الأمر لم يتبلور بعد، ولكن عليكم الإستعداد له ودحضه".

"ولكن لم الأردن؟،...، غوردن الحكاية بكل بساطة لا تصدق، الأمر برمته غير مفهوم، نحن على وفاق مع العراقيين" يرد حسام.
غوردن يقر بداخله بأن عملية إقناع حسام لن تكون سهلة.

"أنا أؤيدك يا حسام، ولكن منذ متى والعراقيون يقومون بحركات مفهومة؟" يسايرة غوردن لكسب الثقة، "لنكن واقعيين، كلنا نعرف بأن العراقيين مدركين لدور جلالة الملك حسين في التحريض على الحرب ضد إيران وإستمرارها طوال الفترة الماضية. هم يعرفون خوف الأردن من الجيش العراقي. والعراقيون لم ينسوا بأن الطيران الإسرائيلي عبر المجال الجوي الأردني لضرب مفاعلهم النووي دون أن تتصدى القوة الجوية الأردنية لهم ولو رمزياً. ثم إنكم قد إستغلتم حرب العراق لصالحكم ولم تساندوه خصوصاً في مسألة النفط الذي يعبر أراضيكم".

يتوقف غوردن قليلاً ثم يكمل، "لقد حاول العراقييون فرض أنفسهم بالمنطقة كقوة كبرى بدلاً من إيران وفشلوا، سيحاولون الآن مع دول أخرى لفرض الهيمنة الأقليمية على الأقل. إن صدام حسين يحاول أن يكون جمال عبدالناصر الثاني، باللين أو الإكراه، الأمر سيان لديه. وصدام حسين دكتاتور في نهاية الأمر، لابد له أن يلهي شعبه وبالأخص جيشه الجريح بكرامته جراء فشله بغامرة إيران وإلا إرتد عليه، وهو يعلم ذلك جيداً".

يكمل غوردن، "إن صدام يذكرني بحكاية علي بابا ومغارة الذهب، إلاّ أنه قد نسي كلمة السر إفتح يا سمسم. هذه المرة ثق تماماً بأنه سيختار المغارة الصحيحة والتي يملك كلمة سرها".
يسكت غوردن ليعطي ما قاله للتو وقتاً ليستوعبه حسام.

"ولكن لم الأردن؟ لم لا يتجه نحو السعوديين، لا بل من الأفضل الإتجاة نحو الكويت. لطالما كانت المشاكل الحدودية معضلة لهم، والعراق لم يتقبل يوماً إستقلال الكويت"، يبين حسام.

آووه، عظيم يا صديقي، يحدث غوردن نفسه، ها قد وصلنا.

" لو تحركت آلية عسكرية واحدة بإتجاه السعودية، فإن العراق سيعود إلى العصر الحجري بواسطة الأميريكيين. العراقييون قد يكونون أي شيء إلاّ أغبياء. فأما الكويت فحقيقة لا أعلم وهذا الأمر يحيرني في الواقع. فالكويت صغيرة وضعيفة وأي تهديد صغير سيرعبها وكما قلت لطالما كانت هناك مشاكل حدودية بينهم". يصرح غوردن. هيّا يا حسام إستمر في هذا الإتجاه، يحدث غوردن نفسه.

لا يبدوا حسام قد إستوعب هذه النقطة بعد. علي أن أزيد من التوجية، يقول غوردن لنفسه.

"حسام يجب أن تقرر ما ستفعله"، يستمر غوردن "لا أريد أن أذكرك مستقبلاً بأنني قد حذرتك ولم تسمعني".
لا يستجيب حسام، كأنه قد تاه.

"إسمع، دعني أساعدك" يشرح غوردن، "إتصل فور وصولك بعملائك في العراق وإحصل على معلومات تساعدك بأسرع وقت ممكن، فالوقت ليس لصالحكم"، غوردن يدرك بأن المخابرات البريطانية تسيطر على معظم هؤلاء العملاء، لذا فبإمكانه مد حسام بما يرغب هو، "عندئذ قابل الملك واعرض عليه تقاريرك وسنقوم بنفس الوقت بإمداد الملك عبر الخارجية بتقاريرنا التي قرأتها للتو لتتطابق جميع التقارير".
"حسام"، يكمل غوردن،"يجب عليك إقناع الملك بتوجيه العراقيين نحو إتجاه آخر. هذه هي مهمتك القادمة".
"وأي إتجاه هذا؟" يسأل حسام.
"دعوا صدام حسين يدير وجهه نحو الجنوب، فالغنائم أكبر وأفضل. هل تعرف ما أعني؟".


إنتهى الجزء الثامن
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, January 26, 2005

إغتيال (7)


الزمان: الثلاثاء
المكان: 112 طريق ملفورد - منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن

قبيل إجتماعهم بغوردن أتكنسون يتناقش الجميع للإتفاق على كيفية التعامل معه وتوضيح رغبتهم دون الكشف عن التفاصيل الدقيقة في الوقت الراهن.

في تمام الساعة العاشرة يصل غوردن. "آه غوردن، دقيق في مواعيدك كالعاده" يرحب به غريغ. يحي غوردن آرشي بحرارة، "عزيزي آرشي مضى وقت طويل أليس كذلك؟" ، "مرحباً غوردن كيف حالك؟" يسأله آرشي مبتسما. "بخير، أيها الثعلب العجوز، أراهم قد أعادوك مرة أخرى، لابد من وجود أمر مهم في الشرق الأوسط". يبتسم الجميع. يعرفه غريغ على آندرو ويجلس الجميع.

" غوردن، دعنا ندخل في الموضوع مباشرة" يحدثه آرشي. "هل لديكم إرتباط قوي مع المخابرات الأردنية؟".
"نعم لدينا" يجيب غوردن بكل صراحة بعد ثواني من التردد للتأكد من الجدية.
"هل هم أهل ثقة؟ هل تثق بهم؟" يكمل آرشي.
"لم يحدث أي شيء من جانبهم ليهز ثقتي أوتعاملي معهم، ولكني لن أخفي عليك، الثقة ليست مطلقة، هذه طبيعتي وأنت تعلم ذلك يا آرشي".
يتقبل آرشي إجابتة فهو يعلم أنه لابديل لديه فلابد من تورط الأردنيين بالأمر إنهم مفتاح العملية برمتها. "حسناً، ما مدى صلتهم بالقصر الملكي الأردني؟ هل يستطيع عميلك توصيل أفكار معينة للملك".
التردد ظاهر على غوردن وقبل أن يجيب يكمل آرشي " أنا أتفهم ترددك يا غوردن، ولكن لقد تم إطلاع الإم آي 6 على مشروعنا ووعدونا بالدعم الكامل، ثم أننا قد أقسمنا على المحافظه على السرية ووقعنا الوثائق الخاصة بذلك".
"نعم أنا آسف، أظنها من عادة العمل كما تعرف لحماية عملاءنا وأصدقاءنا، نعم صديقنا على صلة قوية بالقصر بل هو من المقربين للملك، ولكن أعطوني بعض التفاصيل ".
"خبرنا عن صديقك أولاً يا غوردن" يطلب منه آرشي.

يسرد غوردن بعض التفاصيل "العقيد سامح البطايخه، مسئول المكتب العربي في الإستخبارات الأردنية، أصولة سورية، له علاقة نسب مع بعض المتنفذين الأردنيين المقربين من البلاط. زوجته إنجليزية الأصل، جيل البطايخة، إنها من منطقة مونموث. ذكي، طموح،إنتهازي، مغرور، قاسي، مفبرك مؤامرات من الدرجة الأولى، لدية جيش من المخبرين في العديد من الدول العربية بالأخص دول الخليج الفارسي، أتباعة ومؤيديه كثر في الإستخبارات الأردنية، له صلات وثيقة مع القصر كما ذكرت، ونحن نؤمن بأنه في طريقة الى قمة الهرم الإستخباراتي في الأردن".

"هل هو مع الأميريكيين أو، ...، الإسرائيليين أيضا؟". يسأله آرشي.
"ليست بقوة علاقتنا معه، فالأميريكيون لا يستسيغونة، الأميريكيون لن يتعلموا أبداً ما شأن هذا بذاك. أما بخصوص الإسرائيليين، نعم ولكن على مستوي محدود، وهو لا يعلم بأننا قد إكتشفنا ذلك". يحس غوردن بخيبة أملهم، فيكمل، "يا سادة، هذا أفضل ما لدينا حسب مواصفاتكم".
"أظن بأنه ليس لدينا خيار آخر، ولكن يجب أن يكون تحت المراقبة منذ لحظة إتصالنا به، غوردن، يجب على الأميريكيين والإسرائيليين البقاء بعيداً مؤقتاً إلى أن يأتي دورهم" يحدثه آرشي.

"سأعمل ما بوسعي" يجيبه غوردن.

"حسنأ رتب لقاء معه في أقرب وقت ممكن، فالوقت يعمل ضدنا " يقول آرشي ويبدأ بعرض التفاصيل" نريد أن يكون لدى الملك حسين إعتقاد راسخ بأن العراقيين يفكرون جدياً بالقيام بعمل عسكري ضد الأردن لدعم حركات تمرد فلسطينية داخلية مدعومة من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطسنية. قل له بأننا حصلنا على معلومات إستخباراتية موثقة .أخبره بأن العمل العسكري قد يكون توغل عسكري عراقي في الأراضي الأردني. أخبره بأن الجيش الأردني ليس ندا للجيش العراقي. وهذا الشيء سيطيح بحكمة وحكم أسرته. أكد له خطورة الأمر وإستعن بكل ما تراه مناسباً لإقناعه، وعليه بإبلاغ الملك قبل فوات الأوان. من المهم بل من الضروري إقناع الملك.
قل له على الملك العمل بسرعة لدرء الخطر عنه وعليه، وهذه هي النقطة المهمة، توجيه العراقيين إلى إتجاه آخر، غير الأردن، أنت تعلم ما أعنيه". يسكت آرشي منتظراً ردة فعل غوردن.

"سأحتاج لبعض المال للمصروفات، البعض الآخر هدية لصديقنا" غوردن مبتسماً.
"لا عليك" يحدث غريغ غوردن "لقد تم إعتماد المصروفات للمشروع، سيكون المبلغ المطلوب لديك بنهاية هذا اليوم، المهم أن نحصل على مرادنا".
"إذا دعوني ألاّ أضيع الوقت، فلأبدأ فوراً"، يودعهم غوردن لإجراء الترتيبات الآزمه للقائه مع العقيد سامح البطايخه.

"هل تعتقدان بأن غوردن سيتمكن من إقناع عميله بما نريد؟" يسأل آندرو.
" غوردن من أصحاب المواهب والإمكانيات الهائلة يا عزيزي آندرو، نعم سينجح، كلي ثقة بنجاحه" يجيب غريغ.

إنتهى الجزء السابع
ويتبع في الجزء القادم

Tuesday, January 25, 2005

إغتيال (6)


الزمان: الأثنين التالي
المكان: 112 طريق ملفورد - منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن

"غريغ" يحدثة آرشي، " قبل أن نبدأ سوف نحتاج للإتصال بالأردنيين".
"يمكننا تدبير ذلك عبر الخارجية، فعلاقتنا معهم طيبة" يتحدث آندرو.
"كلا، نهائيا، إذا دخلت الخارجية الأردنية على الخط معنا، فثق بأن العملية ستفضح بل هي منتهية قبل أن تبدأ، نحتاج إتصال إستخباراتي أولاً لتمهيد الطريق، نحتاج إلى تعاون أحد الإستخباراتيين الأردنييين ممن يمتلكون الحظوة عند الملك حسين، فهو سيكون أحد اللاعبين الرئيسيين في مشروعنا" يشرح آرشي.

"دعني أقوم ببعض الإتصالات لتنسيق الموافقات من الرئاسة والإستخبارات، أعتقد أن الرجل المناسب لنا من الإم آي 6 سيكون غوردن أتكنسون"، يحدثهم غريغ، "أنت تعرف غوردن أليس كذلك يا آرشي" يهز آرشي رأسه موافقا غريغ، يخرج غريغ للإتصال.

وفي الأثناء يرفع آرشي سماعة الهاتف ويضغط رقم السيدة ميغنز " السيدة ميغنز،...، أوه أنا آسف الآنسة فوستر لقد حسبتك السيدة ميغنز، آه إنكم جميعا تستحقون إجازة"،يمرح معها، "أرجو توفير المعلومات التالية، الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي لفسطينيي الأردن، الوضع الإقتصادي للعراق للسنوات الخمس الأخيرة، الصادرات البريطانية للعراق، المشتريات العراقية الحالية مصحوبة بتقارير الإستخبارات البريطانية عنها،التقارير السنوية لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول – ألأوبك، آخر تقريرين فقط ، أحدث التقارير العسكرية لوضعية الجيش العراقي والأردني والكويتي، هذا فقط ، سأخبرك إن إحتجت المزيد .. شكراً ".

بعد فترة يعود غريغ ويبدأ آرشي الحديث " المهمة الأساسية التي إجتمعنا من أجلها هي عودة بريطانيا اإلى منطقة الخليج عبر الكويت وذلك بإثارة قلاقل للكويتيين بطريقة ما تجعلهم يلجأون لنا طلباً للمساعدة، وخطتي تعتمد على تاريخ الكويت مع جيرانها بالأخص العراق. بُعَيدَ إستقلال الكويت من التاج البريطاني، قام ديكتاتور العراق آنذاك بتجديد المطالب العراقية القديمة بالكويت وضرورة إنضمامها لها. والعراقيون لطالما إدعوا بأن الكويت كانت جزء من قضاء البصرة العثماني وبالتالى إتباع الكويت للعراق. وهذه المطالب قديمة قِدم قيام العراق كدولة حديثة. وقد قمنا في وقتها بإرسل قوات حماية للكويت حسب إتفاقية التعاون العسكري التي كانت جزء من إتفاق الإستقلال. الفكرة تكمن في إعادة خلق الأحداث بطريقة مشابهه تقريباً، العراق يهدد الكويت، يطلب الكويتيون مساعدتنا أو نعرضها عليهم .. لا فرق، الكويتيون ممتنون لنا لمساعدتهم، تعاون شامل على أصعدة كثيرة، الكل سعيد ، ما عدا العراقيين طبعاً".

ينتظر آرشي كي يستوعبوا الفكرة.
"الفكرة لا بأس بها ، لها إمكانيات" ينظر إليه غريغ.
"الفكرة لا بأس بها ، لها إمكانيات !!!!! " يردد آرشي باستغراب "إنها عبقرية يا عزيزي غريغ، لطالما كان الفزع والخوف من محفزات كثير من الأحداث، ودعني أقول لك، جيران العراق كانوا وأصبحوا الآن أكثر فزعاً بعد إتفاقية وقف إطلاق النار مع إيران".

"أنا آسف ،..، ما دور الأردنيين في هذا المشروع؟". يسأل آندرو.
"دور مهم جداً، هذا المشروع يتضمن عدة جهات دولية منها ، الأردنيين، الفلسطينيين، دول الخليج العربية، الأسرائيليين، وبعض المنظمات الدولية، وبالطبع الكويت والعراق، ونحنبطبيعة الحال نحرك الدمى يا عزيزي". يرد آرشي.

"آه غريغ كدت أنسى ، نريد تأمين خبير نفطي لديه معرفة شاملة بعمليات النفط العالمية وأسواقها وكذلك بعمليات الأوبك" يزيد آرشي.

"دعوني أكمل إتصالاتي مع داوننغ ستريت" يخرج غريغ من الغرفة.

" آرشي" يحدثه آندرو "يبدو لي أن الأمر معقد أكثر مما تصورت" ينظر إلى آرشي بشي من الرهبة التي لا يستطيع إخفائها.
"لم يقل أحداً بأن الأمر سيكون نزهه". يرد آرشي.
"أعلم ذلك ولكن يا إلهي، عناصر دولية عدة ومعهم الأسرائيليين، ...، آرشي هل بإمكاننا النجاح؟".
"لا بد من عمل المستحيل لحمل العراقيين على إنجاز المهمة، ولكن وبشكل عام المسألة برمتها تعتمد على الوقت المتوفر لنا وعدم حدوث مفاجآت عظيمة، ما عدا ذلك فمع التخطيط السليم فبإمكاننا النجاح أنا واثق من ذلك" يطمئنه آرشي.
يتنهد آندرو "كلي أمل أن أحتفظ بوظيفتي بعد إنتهاء هذا الأمر".
"آندي إذا نجحنا ففكر بأثاث مكتبك الجديد لأنك ستترقى، أما إذا كنت تؤمن بفشلة، فيجدر بك أن تبدأ بطباعة سيرتك الذاتية من الآن" يضحك آرشي ويضحك آندرو ضحكة مقتبضة.

يطول غياب غريغ بعض الشيء.
"يا سادة" يعود غريغ، "نحن على ما يرام لدينا الموافقة على الخطوط الأساسية للمشروع كما وضعتها يا آرشي ، ونحن على موعد مع غوردن غداً الساعة العاشرة صباحاً".



إنتهى الجزء السادس
ويتبع في الجزء القادم

Monday, January 24, 2005

إغتيال (5)


الزمان: الأثنين التالي
المكان: 112 طريق ملفورد - منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن

"لا أريد أن أذكركم يا سادة، ولكن علينا أن نأت بسيناريو وبسرعة. الرئاسة تلح في طلبها" يحدثهم غريغ.

"حسنا لدينا سابقة مع شيعة البحرين ويمكن إستخدام سيناريو مشابه، لقد تم تحريضهم ثم تم سحقهم، والآن ندير أمن البحرين كله بواسطة أحد رجالنا" يصرح آندرو.
يهز آرشي رأسه معترضاً "الوضع ليس متشابهاً".
يعترض آندرو "لم لا" ويحاول تفسير رأيه، "نحن نعلم بأن الشيعة في الكويت أثاروا بعض المشاكل للحكومة الكويتية، لم لا نعيد الكره مرة أخرى مع القليل من القوة الزائدة، فالمشكلة بإمكانها أن تصبح قلاقل وذعر".
"هل تعتقد بأن الوضع في الكويت، أقصد الشيعة يناسبنا ، بغض النظر عن إمكانية التوفيق أم لا؟ المهم المحصلة النهائية" يحدثهما غريغ.

"في المرة الأولى، لم يستعن الكويتيون بنا، فما الذي سيجعلهم يطلبون المساعدة منا هذه المرة، لا إستمعا إلي" يشرح آرشي أسباب إعتراضه، "الوضع مغاير تماماً بين البحرين والكويت، فالأولى صغيرة وذو موارد مالية وإقتصادية محدودة بعكس باقي دول الخليج الأخرى. الوضع الإقتصادي يؤثر جداً في إستجابة وتفاعل الجماهير مع القضايا. الشيعة في البحرين يعيشون بالقرب من خط الفقر وبعضهم أسفله. ومطالب شيعة البحرين وإحتجاجاتهم أغلبها إقتصادية. ويجب أن نضع بالإعتبار الأصول العرقية لشيعة البحرين، الغالبية ذو أصول فارسية ويرتبطون على الأقل نفسيا مع إيران، الآّ تذكرون مطالب شاه إيران السابق والمتكررة بالبحرين وإدعائه بتبعيتها لإيران. لقد نبذتهم الحكومات المتعاقبة عنها بسبب ذلك. فالأقلية السنية هي المسيطرة على البلاد وبمقدرات الدولة، وهذا ما يجعل شيعة البحرين وعلى الدوام قنبلة موقوتة يسهل تفجيرها".
يسهب آرشي مكملاً، "أما الكويت فالوضع مغاير تماماً، لديك أقلية شيعية حالتها المالية ميسورة، بل هناك العديد من الأسر الشيعية ثرية، كما أن وضعهم الأجتماعي والسياسي مستقرين فهم مشاركون بالعملية النيابية ولهم ممثليهم، على الرغم من تعطل البرلمان الكويتي في الوقت الراهن، وكذلك فإن الحكومة يدخلها وزير من أتباع الطائفة. وهناك نقطة مهمة ألا وهي التنوع العرقي والجغرافي لشيعة الكويت. فغالبيتهم من الفرس ولكن هناك شيعة ذو أصول عربية في الكويت من منطقة الأحساء ، السعودية الآن، والعراق. أضافة إلى أن شيعة الكويت يتبعون مرجعيات فقهية متنوعة. الغالبية تتبع آية الله الخوئي الموجود بالعراق، وبعضهم من أتباع آية الله الشيرازي الذي إنطلق من الكويت في السبعينيات، والعرب الإحسائيين يتبعو الميرزا الإحقاقي وقلة من الجميع تحولوا نحو آية الله الخميني بعد الثورة في إيران وهؤلاء أو قلة منهم من قام بإثارة القلاقل في الكويت.
النسيج الشيعي في الكويت يصعب التعامل معه ولن تفلح أي محاوله معهم بإعتقادي، فهم ليسوا متحدين وغير متفقين على هدف معين بالأساس والسلطة لطالما كانت ودودة معهم، علاوة كما ذكرت قبل قليل الأغلبية من متبعي مرجعية آية الله الخوئي وهو من أشد مؤيدي سياسة المهادنة ما بين الشيعة أتباعه وحكوماتهم".
يصمت الجميع في محاولة إستيعاب ما قيل.

"ماذا عن الفلسطينيين" يسأل آندرو، "هل بإمكاننا إثارتهم؟".
"بحق السماء آندرو" غريغ بعصبية، "دع الفلسطينيين وشأنهم فالرئاسة ضد هذا الإتجاه، حتى وإن كان لدينا إتجاه مقبول، و ......".

"الدعم المالي" يقاطعه آرشي، "الفلسطينيون يعتمدون على دول الخليج مالياً، والكويت من أهم المساهمين. لن يغير الفلسطينيون موقفهم ما لم يكن هناك دعم مالي بديل وسخي. هم قد يثيرون بعض المشاكل بين الحين والآخر رغبة في زيادة الدعم ليس إلاّ".

"لقد كنت أفكر بصوت مرتفع ليس إلاّ، خصوصاً وأنه قد يتوفر لنا طرق إتصال مؤثرة في منظمة التحرير الفلسطينية عبر الإسرائيليين". يسكت آندرو. الصمت يطبق عليهم، والوجوم بادي على وجهي غريغ وآندرو.

وبعد برهه، يحدثم آرشي، "قد يكون هذا مفيداً في وقت لاحق، أعني الإسرائيليين والفلسطينيين"، ويبتسم.
ينظر غريغ إلى آرشي متعجباً ويقول، "يا إلهي، أنا أعرف هذا التعبير الذي على وجهك، آرشي".
"ما الأمر؟" يسأل آندرو، يتابع غريغ "أنت تعرف شيئاً ولم تبح به لنا، ...، لقد خطرت لك الفكرة أليس كذلك؟".

تبدو إبتسامة آرشي أكبر الآن من ذي قبل، ويقول "غريغ وآندرو، إقتربا مني أكثر".



إنتهى الجزء الخامس
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, January 19, 2005

إغتيال (4


الزمان: اليوم التالي للمكالمة الهاتفية بين آرشي وغريغ.
المكان: منطقة بيزواتر إحدى ضواحي لندن – الساعة التاسعة صباحاً تقريباً.

طرق خفيف على الباب، يفتح غريغ الباب ويستقبل آرشي بإبتسامة.
يبتسم آرشي بالمقابل ويقول له مباشرة "حسناً يا غريغ ماذا لديك؟".
غريغ وبكل حماس "دعني أعرفك على باقي أعضاء الفريق أولاً" يطلب منهم غريغ التجمع للقاء آرشي.

" آرشي" يحدثه غريغ "أنت تعرف السيدة ميغنز، ودورها المعتاد في الأرشيف" يحييها آرشي ويضمها. السيدة ميغنز لها تاريخ طويل مع آرشي. "لقد مضى وقت طويل يا سيدة ميغنز".
"نعم وقت طويل" تجيبه "كيف هي أحوالك آرشي؟" . "بخير".
يكمل غريغ "هذة الآنسة جانيت فوستر مساعدتها" ، "كيفن بيترسون وغاري سيمز هما الشت غنز" ، " أهذا تأثير الأميريكيون عليك يا غريغ؟" يسأله آرشي. الشت غن ترجع لأيام رعاة البقر والغرب الأميريكي عندما يرافق أحد الرجال عربة المسافرين والبريد للحماية حاملاً سلاح الشت غن.
"إنهما هنا للحماية، أنت تعلم، بروتوكول" يكمل غريغ، "روبرت تويغ وبراين رايت هما بومتي الليل" يعني غريغ بذلك أنهما المراقبان الليليان ومأموري الإتصال الليلي . في حالة وجود طارئ يقومان بالإتصال بأعضاء المشروع.
"ولدينا السكرتارية هناك" تلوح إمرأتان من جانب باب غرفة السكرتارية، "مارغريت ستو وأنجيلا وايت". "في حالة حاجتنا لأعضاء جدد في أي موقع، سنستدعي من نراه مناسبا للإنضمام إلينا".

"هلاّ بدأنا" يشير غريغ إلى إحدى الغرف ويصطحب آرشي وآندرو معه، بينما يتجه الباقي إلى مراكزهم لمتابعة العمل.

الغرفة عباره عن غرفة إجتماعات كبيرة تم تغطية جميع النوافذ التي بها حرصا على السرية، تحتوي علي أجهزة تبدو حديثة ومتنوعة من آلات مكتبية وإتصالات معقدة وفاكسات وتلكس وأخرى مرتنطة بوكالات الأنباء وأجهزة مكتبية أخرى. يطيل آرشي النظر إليها.

"كالأيام الخوالي، ها آرشي" يداعبه غريغ. ويجلسون.

" آرشي" يحدثة غريغ، "أنت أعلم منا جميعاً بوضعنا في المنطة العربية. بعد حرب يوم كيبور" ، يستخدم غريغ المسمي الإسرائيلي لحرب 1973 بين إسرائيل من جهه ومصر وسوريا وباقي الدول العربية من جهه أخرى، "ضعف وضعنا بقوة وقل دورنا وإرتفع الدور الأميريكي بالمقابل" يهز آرشي رأسه موافقاً. "لدينا دول الخليج الفارسي العربية الاّ أن علاقتنا معهم من الهشاشة بحيث أن أياً من جنون اللامعقول ، وهو طبيعي في الشرق الأوسط، يمكن أن يدمره. الأميريكيون بدخولهم مياه الخليج أثناء حرب العراق وإيران، سيكون لهم اليد الطولى في هذه الدول عاجلاً أو آجلاً، شئنا أم أبينا، هذا ما لم نعمل سريعاً لوقفهم" يكمل، " آرشي ... نريد العودة وبقوة، والكويت هي البوابة الأنسب لذلك، على الأقل هم أعطونا العذرطبقاً لموقفهم الأخير". "نريد إتفاقيات أمنية وسياسية وإقتصادية معهم قبل أن يدركهم الأميريكيون فتضيع الفرصة وإلى الأبد".
"ألإمبريالية من جديد؟" يسأل آرشي ممازحاً.

"لا يا آرشي" يجيب آندرو، "لا ،ودع عنك ما قلته في لقائنا السابق، فقد كنت حانقاً لا أكثر، الآّ أن الحقيقة أننا لا نريد ترك الأمور للأميريكيين، في دول الخليج عموماً والكويت خصوصا، الكويتيون الأنسب لنا بحكم العلاقات التاريخية بيننا وبينهم". " نريد أن نلقي الذعر في قلوبهم قليلاً ليس الآّ، الأمر الذي سيدعوهم للإتصال بنا وطلب المساعدة" يكمل، "وحتى إن لم يدعونا فإننا سوف نفرض أنفسنا عليهم ونعرض خدماتنا". يضحك.
"ما الذي يدعوك للإعتقاد بأنهم سيلجئون لنا وليس للأميريكيين؟" يسأله آرشي.
"هذا ما إجتمعنا لأجله، أليس كذلك؟" يرد آندرو.

"حسناً يا سادة ، هلاّ بدأنا العمل". يحدثهم غريغ. "هذه المعلومات المبدئية التي بحوزتنا، إليكما بلائحة المعلومات، بإمكاننا يا آرشي توفير المزيد حسب إحتياجنا ... لهذا إستعنا بالسيدة ميغنز". يوزع غريغ عليهما اللائحة.

يبدأ الجميع بالقراءة وتدوين الملاحظات، وبعد مضي بعض الوقت، يرفع آرشي رأسه من الملفات ويسأل عن الرقم الداخلي للسيدة ميغنز ثم يحدثهم "لديكم الكثير من النواقص"، يرفع آرشي سماعة الهاتف ويضغط الأرقام، "السيدة ميغنز،...، أرجو تجميع عل المعلومات عن الآتي"، غريغ وآندرو ينظران لبعضهما البعض، ويكمل آرشي "علاقة الكويت بجيرانها، أعني كلهم، السعودية والعراق وإيران، المعارضة الكويتية الداخلية والأولوية للمعارضة البرلمانية وما يسمى بتجمعات الأثنين [دواوين] مع الإهتمام برموز المعارضة، الإعتداء على موكب أمير الكويت، الشيعة في الكويت، التفجيرات في منتصف الثمانينات وإرتباط لشيعة بها، العلاقات الكويتية الفلسطينية، المجموعات الفلسطينية الراديكالية، بأسرع ما يمكن إذا سمحت". يتبادل غريغ وآندرو النظرات.

" آرشي الفلسطينيون منطقة خطرة جداً ولن تستسيغ الرئاسة تورطهم بالأمر" ينظر إليه غريغ.
"عزيزي غريغ، في ظل عدم وجود إتجاه محدد للأحداث، علينا سبر أغوار كل الأحتمالات التي نستطيع التفكير بها، ...، دعونا نجمع المعلومات أولاً ثم نتناقش وننظر ونرى ما سنخرج به ونوافق عليه في النهاية".
"حسناً هذا عدل، ولكن سأقولها بكل صراحه، سيكوم من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إقناع الرئاسة بتورط الفلسطينيين". يجيبه غريغ.
"لم يكن الأمر بتلك الصعوبة في الأردن" يذكره آرشي بأحداث أيلول الأسود في الأردن بين الحكومة الأردنية ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية. يبتسم غريغ ويدع الأمر يمضي.

تمضي الساعات وبدا لإرهاق ظاهراً، أكواب الشاي والقهوة لم تعد تملأ من تكرار شربها.
........
وتمضي الأيام بطيئة ولا يختلف الروتين، شاي وقهوة، غداء وعشاء، قراة، الكثير من القراءة، تبادل أفكار عديمة الجدوى، لا تقدم في المشروع.
........

يتمشى آرشي في حديقة الهايد بارك. يفكر، آه يا للروعة، يا له من ظهر يوم جميل. أنه أحد الأيام النادرة في هذا الوقت من السنة ومن المصادفة أن يكون هذا اليوم يوم أحد. يجلس آرشي بالقرب من بحيرة السيربنتين، ويطعم الطيور بعضاً من الخبز الجاف، ويتذكر طيور البجع في حديقة الساينت جيمس.

يمضي اليوم بطيئاً ويكمل آرشي تريضه ويقترب من ركن المتحدثين. يعلو النقاش والصراخ، يا لها من حرية زائفة، يبتسم، كل المواضيع مهمة وكلها تافهة، يا للتعاسة.

"الرئاسة البريطانية .... تريد بيع بريطانيا للأغنياء، سيصل بنا الأمر إلى حروب داخلية، ..."، يصيح أحد المتحدثين ببعض المستمعين، ويتشاجرون معه.
في موضع آخر، "...، إتقوا الرب، المسيح منقذنا، لقد جلب لنا السعادة، وها نحن نتركها، ..."، آه معتوه آخر.
"...، ما يحصل في العراق من فظائع لا تمكن وصفها، ..." يتشاجر معه بعض المستمعين، لا بد أنهم عرب. ينتظر قليلاً، يطيل الإنتظار، يفكر وفجأة يمشي بعيداً وهو يصفر أغنية ميموري والإبتسامة لا تفارق وجهه.


إنتهى الجزء الرابع
ويتبع في الجزء القادم

إلى أبي وأمي مع التحية

يدخل المنزل فيلاقي نفسة وجهاً لوجهه مع أمة، تبدو مستاءة وصامتة. يبتسم ويقول "علام القمر زعلان؟".
"ليش أزعل؟" تستفسر "ثم إنت من تكون علشان أزعل عشانك".
"أووف،أف أف أف أف أف، إشدعوه، إشصاير يمه؟""إلحين كل هالوقت ولا تسأل تقول أمي تحاتيني،أو أمي مشتاقه تشوفني، يمه آنه مابي منك شي، تكفي طلتك علي، حتى هاذي تبي تحرمني منها"
تنهمر دموعها وتبكي بصوت خفيف.
ينصدم من الموقف ويقترب منها ويضمها ويقبل رأسها.
"يمه آنه موجود بس الدنيا مشاغل، وإنتي عارفه طبيعة شغلي، ما أفضى الاّ بطلعة الروح، الله يحفظك".
يدخل الأب. ويستفسر ليعرف القصة.
"الله يهداك، الولد مشغول، لو إنه ناسينا كان ما زارنا إلحين".
"هذا إنت طول عمرك جاسي، وما تهتم". ترد عليه.
"آنه ما أهتم؟" متعجباً، "مثل ما ولدك فهو ولدي".
"إي، إنت اللي حملت وولدت وتعبت".
"قبل ما تحملينة حملتة قبلك، وقبل ما تولدينه نزلته قبلك" ينظر الأب ال الإبن مبتسماً.
"صح، بس إنت حملته خفيف، وآنه حملته ثقيل، وتقول نزلته قبلي، خوش، نزلته بشهوه ووناسه، وآنه نزلته بآلام وتعب".
صمت ولا حتى همسه.
............
يجلس الإبن القرفصاء ويتذكر، يتفكر في نفسه، الله يرحمهم، كم أنا مشتاق لهما.

Tuesday, January 18, 2005

إغتيال (3)

إغتيال (3)

الزمان: شهرمن اللقاء الأول
المكان: منزل آرشي

الهاتف يرن ، يرفع آرشي السماعة.
" نعم؟" يسأل آرشي.
" آرشي ... أنا غريغ" غريغ باريت على الطرف الآخر ويبدو متحمساً.
" آه غريغ، لم أتوقع منك مكالمة بهذه السرعة بعد لقائنا الأول... هل من مشكلة؟" يسأله آرشي.
"لا لا، كل شيء على ما يرام، في الواقع لقد بدأنا وبكامل الدعم، آرشي نريدك معنا والرئاسة مصرة على إنضمامك، هل لديك مانع من الإنضمام ضمن المشروع؟" ينتظر غريغ الرد.

سكون لبرهه، يعرف آرشي المعني الحقيقي للمشاريع – عمليات سرية يتعاون فيها الخارجية البريطانية والإستخبارات الإم آي 6 وأحيانا الفرع الداخلي الإم آي 5 ، وقد يكون هناك حاجة في بعض الأحيان للقوات الخاصة السرية. هذه العمليات تكون مزيج من التلاعب بمقدرات وإستقرار الدول وقد تصاحبها عمليات تجسس أو عسكرية.

" آرشي ... هل أنت على الخط؟" يسأله غريغ.
" نعم أنا معك" يجيبه آرشي ولكن ذكريات غير مريحة تُسترجَع.
" إسمع أرشي، أنا أعرف أن الماضي مؤلم بعض الشيء ولكن يجب الاّ ندعه يجذبنا للخلف".
يتذكر آرشي كيف أن بعضا من هذه المشاريع أخفقت وفشلت فشلاً ذريعاً، وفي بعض الأحيان دُفِع ثمن باهظ.
"هذه المره سيكون الأمر مختلفاً و ........"يحاول غريغ إقناعه.

"ما العنوان؟" يسال آرشي.
"بيزواتر، 112 طريق ملفورد،... آرشي شكراً وصدقني لن تندم".
يغلق آرشي السماعة ويفكر ويحدث نفسه "بل سأندم، سأندم".



إنتهى الجزء الثالث
ويتبع في الجزء القادم

تعريب

العزيزة نانو مرت علينا اليوم وذكرت كلمة مدونة – وأعتقد إنها المرادف لكلمة بلوغ.
بس ما أدري ليش تذكرت سالفة الدكتور العراقي في أحد المؤتمرات الطبية عندما بدأ النقاش حول تعريب الطب ومصطلحاته.
هذا الدكتور إعترض على المحاولة في الأساس وأعطي مثال ضحكني ولكن واقعي، فقال
إحنا بالعراق نسمي الحذاء قندرة والخليجيين يسمونه جوتي وبالمصري جزمة والمغاربة كتنلة، هسه القندرة ما متفقين عليها تريدون تتفقون على الطب.

Monday, January 17, 2005

إغتيال (2)

الزمان: شهر ديسمبر – عام 1989
المكان: نادي خاص – وسط لندن

يسلم آرشي معطفه ومظلته المبلله الى الخادم " إنني على موعد مع السيد باريت" محادثاً الخادم.
"نعم إنهم بإنتظارك في الغرفة الهندية .. من على اليمين سيدي"
كان تمثال الفيل الصغير معلقاً بمقبض الباب دلالة بعدم الرغبة بالإزعاج أو دخول غير المدعوين.

يطرق آرشي الباب ويدخل مباشرة دون إنتظار الرد.
يستقبله غريغوري باريت بالإبتسامة ويصافحة ويقول "آه آرشي جميل منك أن تقبل دعوتي لفنجان الشاي ... أنت تعرف آندرو تيبنغ من وزارة الخارجية" يقدمه للمدعو الآخر.
يصافحه آرشي مبتسماً "بالإسم والسمعة فقط".
يضحكون.

بعد خدمة الشاي وخروج الخادم، يعدل غريغ من جلسته ويتوجه نحو آرشي بالقول " آرشي لدينا وضع ونريد مداخلاتك وآرائك".
"طبعاً أي شئ" يرد آرشي.
"إنهم الكويتيون، كيف أقولها، لقد أصبحوا يشكلون بعض المتاعب لنا".
يبتسم آرشي ويفكر في نفسه ... آه فالموضوع يخصهم، لقد كنت محقاً إذاً.

"ما الأمر ؟ ما شأنهم؟" يجيبه آرشي.
"لا يمكن أن ندعهم يستمرون بما يفعلونه... يبدوا لنا في رئاسة الوزراء بأن الأمر أصبح أبعد من كون العملية إستثمار. لقد حدثناهم بالأمر ولكن يبدوا أنهم لا يريدون التعاون وتفهم الموضوع من وجهة نظرنا".

يسترجع آرشي الأحداث الأخيرة في مخيلته من قيام مكتب الإستثمار الكويتي قبل أشهر بشراء حصص كبيرة من الأسهم لشركات بريطانية حكومية.
"وأنتم تعتقدون أن الكويتيون متعمدين؟" يسأله آرشي.

"وهل عندك أي شك؟" يقفز آندرو تيبنغ للمناقشة بشئ من التوتر. " لقد كنت مندهشاً بل مستغرباً لرد الحكومة الكويتية لطلبنا من خفض نسبة إمتلاكهم للأسهم في الشركات".
"وكيف إستغرابك؟"يسأله آرشي.

"لقد ألقت الخارجية الكويتية المسألة الكرة بملعب مكتب الإستثمار بلندن، والمكتب أرجع الأمر لوزارة المالية لديهم وكأنهم متفقون على تمييع الموضوع لرغبتهم في أن ننسى الأمر برمتة أو كأنهم متعمدين إزعاجنا، ناسين أن الأمر مسألة عبارة عن حياة وموت وبقاء سياسي لرئاسة الوزراء".

"لعلهم لا يعرفون ما يتوجب عليهم فعله بالضبط، هل جربتم خَيار أنهم لم يتوقعوا أن يضعوا أنفسم في هذا المأزق؟" آرشي مدافعاً.
"بحق السماء آرشي، .... مَنْ الكويتيون؟ إنني متأكد من أنهم متعمدين، لكنهم لن يتمتعوا طويلاً".
"حسناً ما الأمر... إنكم لا تقولون كل الحكاية... هيا يا غريغ هات ما عندك".

يوجه غريغ نفسه نحو آرشي ويقول " آرشي وجودك معنا اليوم ومداخلاتك لها أهية كبرى خصوصاً وأنك كنت أحد أعمدة الخارجية للشرق الأوسط وعلى الأخص دول الخليج العربية ومنها الكويت" أسترسل غريغ وأكمل" رئاسة الوزراء لديها خطة بعرض جميع حصص الدولة للجمهور للإكتتاب العام، رويداً رويدا، من ضمنها الخطوط الجوية البريطانية والبرتش بتروليوم. وكما تعلم تملك حكومة الكويت حصة الأسد بعد الحكومة في هاتين الشركتين. في حال تحويل ملكيتهما للملكية الخاصة، ستكوم الحكومة الكويتية صاحبة اليد العليا فيهما وهذا ما لا تريده رئاسة الوزراء ولا أحد من البريطانيين. أوضحنا الأمر للكويتيين ولكن الواقع كما شرحه آندي لك".
" رئاسة الوزراء مستاءة جدا من الأمر وخصوصا من الرد الكويتي الغير مفهوم لنا.....ولكن لا عليك سيأتيهم ما يستحقون". أكمل آندرو.
"وكيف ذلك؟" يسأله آرشي.

" رئاسة الوزراء تعمل على وضع قانون للحد من إمتلاك الحكومات الأجنبية من نسبة عالية من الحصص في الشركات البريطانية، وبالتالي سيضطر الكويتيون لبيع الفائض لديهم وبخسارة" يشرح غريغ بإبتسامة "سؤالي لك آرشي، هل تعتقد أن الكويتيين بإمكانهم صد المشروع وعرقلته بمجلس العموم؟ نحن نعلم أن المحافضون لهم الأغلبية البرلمانية ولكن لا نريد أن ندع الصدفة أن تلعب دوراً أو تظهر لنا المفاجآت".

يأخذ آرشي نفساً طويلاً ويطلق زفيراً حاداً "إسمع، الكويتيون لطالما كانوا تجاراً بارعين، يصطادون الفرص بل ويبحثون عنها، ولكن عجزهم يظهر في معرفتهم للأوضاع بالشكل الكامل، ما أعنيه هو أنهم يأتون إلينا ويستثمرون أموالاً طائلة دون حماية سياسية لأموالهم. ,هذا ما أطلق عليه قصر النظر الغبي". يتوقف قليلاً ثم يكمل " لا لن يستطيع الكويتيون إعتراض القانون الجديد، ليس لديهم لوبي قوي يحمي مصالحهم".

يتنفس غريغ وآندرو الصعداء.

"وهذا هو طريق سقوطهم" يصرح آندرو.
"ماذا تعني؟" يلتفت إليه آرشي قائلاً.

"آه آرشي كان ينبغي عليك المكوث فترة أطول في الخارجية" ويكمل غريغ "الكويتيون جلبوه لأنفسهم".
"حقيقة ... ماذا يجري معكم؟" يقول آرشي.

"عزيزي آرشي، الكويتيون لن يتوقعوا ما يتم التحضير لهم، لقد قلنا لك، رئاسة الوزراء غاضبة جداً ومستاءة من الرد الكويتي لدرجة الغليان، وما القانون إلاّ البداية" يبتسم غريغ.

ويستمر النقاش حتى وقت متأخر من الليل. يخرج آرشي من اللقاء ومن النادي. المطر مازال مستمراً. يتمشى آرشي متجهاً نحو منزله ومحدثاً نفسه "يا إلهي ليكن الله في عونهم".


إنتهى الجزء الثاني
ويتبع في الجزء القادم

Sunday, January 16, 2005

مدح

مدح ولكن إقرؤا الأبيات من اليسار لليمين


طلبوا الذي نالوا فما حُرمــــوا **** رُفعتْ فما حُطتْ لهـــم رُتبُ

وهَبوا ومـا تمّتْ لــهم خُلــــــقُ **** سلموا فما أودى بهـــم عطَبُ

جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا **** حُمدتْ لهم شيمُ فــمـــا كَسَبوا

Saturday, January 15, 2005

إغتيال (1)


الزمان: الوقت الحالي
المكان: قاعة إنتظار الدرجة الأولى – محطة الخطوط الجوية البريطانية – نيويورك

المذيع الداخلي ينادي عن قيام الرحلة إلى لندن ويطلب من الركاب التوجة لبوابة الدخول
...............إقلاع الطائرة
خالد ، يشعر بنشوة اللحظة، لحظة الإقتراب من الكويت على الرغم من طول المسافة.
ستكون الرحلة طويلة .... يحدثة الراكب الذي بجانبة.
نعم ، لكنني معتاد عليها، هذا بالإضافة إلى أني سألحق برحلة أخرى إلى الكويت
ها أنت من الكويت ... يسأله
نعم
لقد مضى وقت طويل منذ آخر زيارة لي
آه فأنت تعرف البلاد إذا، يسأله خالد
أأعرفها؟ يا سيدي قد تستغرب إن قلت لك إنني أعرفها أكثر منك. طبيعة عملي حتمت علي معرفتها ومعرفة بقية جيرانها بمن ضمنها العراق.
إذن أنت عارف ببواطن الأمور، قل لي بربك هل صدام حسين موجود في العراق أم في مكان آخر غير معلن عنه.
يبتسم الراكب الإنجليزي بإبتسامة مثيرة، كمن يقول لصديقه الجديد آه كم أنت برئ وكم نيتك سليمة. ولكن لم الإستغراب فانتم لطالما كنتم على هذا الحال فما الذي تغير؟
لقد إلتقيت بصدام في عدة مناسبات رسمية ... يرد على خالد... وشتان مابين حاله آنذك وحاليا ولكن الشئ الذي لم يتغير هو غروره وصلفه... يضحك ... لقد إعتمدنا على هذا الغرور وهذه الصلافة
ينظر خالد إلى الإنجليزي مستغربا: ماذا تعني؟
يلتفت الإنجليزي إلى خالد ويباده النظرات للحظات عدة، وأخيرا يقول له: هل تريد أن تعرف؟ حقيقة هل تريد أن تعرف؟ يهز خالد رأسة بالموافقة ويفكر ... ما المعلومات التي بحوزة هذا الإنسان التي جعلتة يقول هذا الكلام؟
سكووووووووووووون

أسمع يا سيدي، الحكاية بدأت هكذا.

إنتهى الجزء الأول
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, January 12, 2005

هاتف

هاتف نقال يرن
المحادثة:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
"وعليكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
"يبغونك مرة ثانية ... " سكون
"أنت متوكد"
"من ولد العم ..."
"خير إن شالله..." هدوء
ينقطع الإتصال
أيام تمر
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" يلتفت إلى اليسار "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
ينطلق
بعد ساعات
طلقات نار
سيارة شفر بيضاء
سكووووووووووووووون
بيان من الداخلية
"... إستشهاد الملازم أول حمد الأيوبي، الرقيب أول أيمن الرشود .........
مقتل المطلوب فواز طليق العتيبي..."

تمهيد

ما سأكتبة خلال الأيام القادمة هو ضرب من الخيال . أخذت وقائع وشخصيات حقيقية ومزجتها بأفكار جامحة بعد إضافة قليل أو كثير من اللا معقول . لا أعلم ،قد أكون على خطأ أو صواب ، ولكن الأحداث حتما محتملة .