Saturday, January 29, 2005

إغتيال (8)


الزمان: الإثنين التالي من لقاء الثلاثاء
المكان:مقابل قصر باكنغهام - لندن

برودة شديدة والمكان يعج بالناس ولكن أقل من الصيف، حتى هذا الطقس لم يمنع الزوار من التواجد أمام بوابة قصر باكنغهام.
بيغ بن يضرب دقه واحدة. أصوات الموسيقى العسكرية تصدح عن بعد وتزداد إقتراباً، وها هم الحرس بزيهم الرمادي الشتوي يخرجون من معسكرات ويلنغتون محل إقامتهم بالدقيقة. ينظر غوردن إلى ساعته، الحادية والنصف وبضع دقائق صباحاً.
يتدافع الزوار وتكثر فلاشات الكاميرات، ينسحب غوردن إلى الخلف قليلاً لتفادي الزحام، ويصدم أحدهم.

"لقد بدأت تفقد قدراتك السحرية عزيزي غوردن" يصافحه الرجل بحرارة مبتسماً، "بدأت تكبر بالسن"، يضحك الرجل، "يا إلهي غوردن، ما بين كل الأماكن في لندن، أكان علينا اللقاء هنا؟".
"هيا بنا بعيدا عن الزحام" يحدثه غوردن ويمشي مبتعداً بصحبة الرجل.

"كيف حال جيل؟" يسأله غوردن.
"بخير، ترسل تحياتها، إنها تزور أهلها"، يجيب بشيء من الضيق ، عربي حتى النخاع.
ينظر غوردن إلية بشيء من الشزر. "لا تخف يا عزيزي غوردن ، هي لا تعلم عن الأمر شيئا، ما زالت تظن بأننا أصدقاء فقط".

يتبادل الرجلان أحاديث ودية في مواضيع مختلفة لبعض الوقت.

" غوردن" يسأله حسام البطايخه، "ما الأمر المهم الذي جعلني آتي على وجه السرعة؟".
"شيء أثار الإضطراب عندنا" يرد غوردن، "يناوله غوردن بعض الأوراق "إقرأ".

يقرأ حسام الأوراق ويبدأ التوتر والجدية بالظهور على محياه كلما إزداد بالقراءة.

يلتفت حسام إلى غوردن ويقول "ما مصداقية هذه المعلومات يا غوردن، إنها صعبة التصديق. العراقيون يدركون أننا ند لهم، والجيش الأردني في أعلى مستويات تماسكه. أما فكرة تعاون فلسطينيي الأردن مع العراقيين فهو سخيف، فالفلسطينيين تحت سيطرتنا".

"حسام، هذا أنا، غوردن من تحدثه وليس أحد المغفلين" يزجره غوردن. "إنها لنكته سمجة عن ندية الجيش الأردني للجيش العراقي، أما عن تماسك الجيش الأردني فلن أقبلها خصوصاً منك. ألم يقم منذر رشدان بمحاولة إنقلاب عندما كان عميلاً لإحدى الدول العربية القريبة، ثم عينتموه رئيساً لإستخباراتكم. فمن ساعده؟ ألم يكونوا ضباطاً في الجيش الأردني. وماذا قلت عن الفلسطينيين، إنهم تحت سيطرتكم، لقد كانوا تحت سيطرتكم في ذاك الأيلول الذي تدعونه بالأسود، فما الذي جرى؟ لولا تدخلنا ومساندتنا لكم، لأصبح الأردن دولة فلسطينية".

يطبق الصمت، بينما الإزعاج ما زال مستمراً بالقرب من القصر. يدق بيغ بن معلنا الساعة الثانية عشر ظهراً.
"حسام، لقد قرأتَ التقارير، وأنا لا أستطيع أن أؤكد مدى مصداقيتها، ولكن جميع مصادري تؤكد على تحرك عراقي ضدكم. الأمر لم يتبلور بعد، ولكن عليكم الإستعداد له ودحضه".

"ولكن لم الأردن؟،...، غوردن الحكاية بكل بساطة لا تصدق، الأمر برمته غير مفهوم، نحن على وفاق مع العراقيين" يرد حسام.
غوردن يقر بداخله بأن عملية إقناع حسام لن تكون سهلة.

"أنا أؤيدك يا حسام، ولكن منذ متى والعراقيون يقومون بحركات مفهومة؟" يسايرة غوردن لكسب الثقة، "لنكن واقعيين، كلنا نعرف بأن العراقيين مدركين لدور جلالة الملك حسين في التحريض على الحرب ضد إيران وإستمرارها طوال الفترة الماضية. هم يعرفون خوف الأردن من الجيش العراقي. والعراقيون لم ينسوا بأن الطيران الإسرائيلي عبر المجال الجوي الأردني لضرب مفاعلهم النووي دون أن تتصدى القوة الجوية الأردنية لهم ولو رمزياً. ثم إنكم قد إستغلتم حرب العراق لصالحكم ولم تساندوه خصوصاً في مسألة النفط الذي يعبر أراضيكم".

يتوقف غوردن قليلاً ثم يكمل، "لقد حاول العراقييون فرض أنفسهم بالمنطقة كقوة كبرى بدلاً من إيران وفشلوا، سيحاولون الآن مع دول أخرى لفرض الهيمنة الأقليمية على الأقل. إن صدام حسين يحاول أن يكون جمال عبدالناصر الثاني، باللين أو الإكراه، الأمر سيان لديه. وصدام حسين دكتاتور في نهاية الأمر، لابد له أن يلهي شعبه وبالأخص جيشه الجريح بكرامته جراء فشله بغامرة إيران وإلا إرتد عليه، وهو يعلم ذلك جيداً".

يكمل غوردن، "إن صدام يذكرني بحكاية علي بابا ومغارة الذهب، إلاّ أنه قد نسي كلمة السر إفتح يا سمسم. هذه المرة ثق تماماً بأنه سيختار المغارة الصحيحة والتي يملك كلمة سرها".
يسكت غوردن ليعطي ما قاله للتو وقتاً ليستوعبه حسام.

"ولكن لم الأردن؟ لم لا يتجه نحو السعوديين، لا بل من الأفضل الإتجاة نحو الكويت. لطالما كانت المشاكل الحدودية معضلة لهم، والعراق لم يتقبل يوماً إستقلال الكويت"، يبين حسام.

آووه، عظيم يا صديقي، يحدث غوردن نفسه، ها قد وصلنا.

" لو تحركت آلية عسكرية واحدة بإتجاه السعودية، فإن العراق سيعود إلى العصر الحجري بواسطة الأميريكيين. العراقييون قد يكونون أي شيء إلاّ أغبياء. فأما الكويت فحقيقة لا أعلم وهذا الأمر يحيرني في الواقع. فالكويت صغيرة وضعيفة وأي تهديد صغير سيرعبها وكما قلت لطالما كانت هناك مشاكل حدودية بينهم". يصرح غوردن. هيّا يا حسام إستمر في هذا الإتجاه، يحدث غوردن نفسه.

لا يبدوا حسام قد إستوعب هذه النقطة بعد. علي أن أزيد من التوجية، يقول غوردن لنفسه.

"حسام يجب أن تقرر ما ستفعله"، يستمر غوردن "لا أريد أن أذكرك مستقبلاً بأنني قد حذرتك ولم تسمعني".
لا يستجيب حسام، كأنه قد تاه.

"إسمع، دعني أساعدك" يشرح غوردن، "إتصل فور وصولك بعملائك في العراق وإحصل على معلومات تساعدك بأسرع وقت ممكن، فالوقت ليس لصالحكم"، غوردن يدرك بأن المخابرات البريطانية تسيطر على معظم هؤلاء العملاء، لذا فبإمكانه مد حسام بما يرغب هو، "عندئذ قابل الملك واعرض عليه تقاريرك وسنقوم بنفس الوقت بإمداد الملك عبر الخارجية بتقاريرنا التي قرأتها للتو لتتطابق جميع التقارير".
"حسام"، يكمل غوردن،"يجب عليك إقناع الملك بتوجيه العراقيين نحو إتجاه آخر. هذه هي مهمتك القادمة".
"وأي إتجاه هذا؟" يسأل حسام.
"دعوا صدام حسين يدير وجهه نحو الجنوب، فالغنائم أكبر وأفضل. هل تعرف ما أعني؟".


إنتهى الجزء الثامن
ويتبع في الجزء القادم

3 Comments:

Blogger nanonano said...

tooooo much social commetments i'll b reading it later tonight

6:33 PM  
Blogger nanonano said...

أتصدق قاعده أقرا جزء اليوم و حسيت بحزن كل ذكريات الغزو بدت ترجع

10:53 AM  
Blogger esetch said...

Nano
جعل الله أيامك كلها سعادة، بس لازم نتذكر ونعيد تذكير أنفسنا حتى لا ننسى ولا ينسى الجيل إللي ورانا إللي صار

وكلي أمل إنك قاعده تستمتعين بالأحداث
تحياتي

11:04 AM  

Post a Comment

<< Home