Sunday, January 30, 2005

إغتيال (10)


الزمان: أواخر شهر فبراير
المكان: نادي خاص – وسط لندن

"الأسواق النفطية في فوضى عارمة يا سادة"، يحدثهم شيرادن بلايث، أحد خبراء النفط وأسواق النفط العالمية. "دول الأوبك جميعها تتجاوز حصصها الإنتاجية، والتجاوز ليس مرهون بدولة أو أخرى. المنظمة غير قادرة على إلزام أعضائها بالإلتزام بحصصهم المقدرة. الأسعار في هبوط مستمر، وهذا الصيف سيشهد أدنى الأسعار بشكل غير مسبوق، ..، هذا الشتاء لم يكن قارصاً كما تمنته دول الأوبك" يبتسم.

"بلايث"، يحدثه غريغ، "هل نستطيع أن نركز على دول الشرق الأوسط ، وبالأخص العراق وإيران وباقي دول الخليج العربية، ما وضعهم بالتحديد؟".

"كما ذكرت" يكمل، "الجميع متأثر بهبوط الأسعار ولكن أشدهم تأثراً هو العراق"، يشد ذكر العراق إنتباههم أكثر، "وكيف ذلك؟" يسأله غريغ.

يسرد بلايث الوقائع "لقد خرج العراق للتو من حرب أنهكته عسكرياً وسياسياً والأهم إقتصادياً، وتراجع الأسعار معناه إزدياد التعاسة العراقية. ولا تنسوا مطالبات الدول المُدينة لديونها. يا سادة إن على العراق ديون تبلغ أكثر من مئه مليار دولار وهو بحاجة للنقد والسيولة. الدينار العراقي لا يساوي حتى ثمن الورق الذي يطبع عليه. لقد توقف العراق عن إصدار عملتهم المطبوعة في سويسرا المعروفة بين العراقيين بالدينار السويسري وبدأوا بطباعة دينارهم بأنفسهم الأمر الذي أدي إلى إنحدار قيمته إلى الدرك الأسفل. ناهيك عن إزدياد معدلات التضخم والبطالة".

"ألا ينطبق الحال نفسه على الإيرانيين؟" يسأله آندرو.
"الوضع مع الإيرانيين مشابه إلى حد ما ولكن أقل سوءاً. ديون الإيرانيين أقل وذلك لتأخرهم في شراء الأسلحة حتى وقت متأخر من الحرب. فلقد ترك الشاه السابق ترسانة لا بأس بها من الأسلحة للملالي. علاوة على قلة عدد الدول المُدينة بالنسبة للإيرانيين منها للعراقيين.
ولا تنس بأن الإنتاج النفطي الإيراني لم يتأثر كثيراً سوى الأيام الأولى من الحرب بعد إحتلال العراقيون لمدينة عبادان. فحول الإيرانيون إنتاجهم لجزيرة خرج على الخليج التي لطالما كانت هدفاً للصواريخ والمقاتلات العراقية دون جدوى. أما العراقييون فلم تتأثر حقولهم ومراكز الإنتاج الشمالية وهي مركز عملياتهم النفطية أي نعم، ولكن لطالما كانت حصة العراق من الإنتاج والتصدير ناقصة بسبب الأتراك والأردنيين الذين يأخذون حصتهم النفطية من العراقيين مقدماً وذلك لمرور أنابيب التصدير عبر أراضيهم إلى موانئ التصدير. إنها الضريبة القاسية زمن الحرب. والعراقييون الآن يحاولون التعويض عما فاتهم خلال سني الحرب من إرتفاع في أسعار النفط ، ولكن بلا فائدة".

"ولكنك ذكرت بأن دول الأوبك بلا إستثناء تتجاوز حصصها الإنتاجية، فما الذي يدفع دول الخليج العربية بالذات لتجاوز حصصها؟" يسأل آندرو.

"نعم هذا صحيح"، يشرح بلايث، "إسمع، الظروف الأقتصادية العالمية جعلت الكثير من إقتصاديات الدول محطمة. والدول النفطية تأثرت كثيراً نظراً لإعتمادها على النفط فقط كمصدر دخل للدولة. ودول الخليج العربية غير مستثنية من ذلك بل على العكس لديها دوافع أخرى.

فالإمارات العربية المتحدة وبالأخص إمارة دبي، تسعى جاهدة لإنشاء بنية تحتية قوية وتطوير مرافقها بسرعة لإنها ترغب بأن تكون مركز إستقطاب عالمي وخصوصا لرؤوس الأموال الهاربة من هونغ كونغ. يا سادة، في العام 1997، ستعود المستعمرة إلى أحضان التنين الصيني، ودبي تحاول الإستحواذ على أكبر قدر من هذع الأموال لذا فالوقت ضيق. لدي العديد من الأصدقاء يعملون مع حكومة دبي لهذا الغرض بالذات.
أما إمارة ابو ظبي الأغنى بالنفط، فقد عانت وما زالت تعاني من فضائح بنك الإعتماد وإفلاسها بسبب السرقات وتبييض الأموال وتحفظ الإدارة الأميريكية على أموالها، لقد إستثمرت الإمارة كل أموالها تقريباً بالبنك الذي كانت تملكه، فهي تحاول التعويض.

أما قطر فإنتاجها صغير مقارنة مع باقي الدول المنتجة ولا تعاني مشاكل جمة، مع العلم بأنها تملك أكبر إحتياطي للغاز في العالم وعاجلاً أم آجلاً سيزداد الطلب العالمي على الغاز. وبإعتقادي، فإن التسعينيات سيشهد بزوغ نجم قطر. أنا لا أدري عنكم يا سادة، ولكني قد إستثمرت بعض أموالي في الشركات المتخصصة بتطوير حقول الغاز. فسرعان ما سيتم إستدعاءهم من قِبَل القطريين.

والسعودييون إقتصادهم متماسك بشكل عام، إلاّ أن مشاريع التطوير الإقتصادية تستحوذ على قدر كبير من الميزانية العامة وتحتاج لمزيد من الدعم الحكومي بالبداية وهذا ما يحصل الآن. فالحكومة تساهم وبشكل فعّال في إنشاء صناعة إستهلاكية متكاملة مثل إنتاج المواد الغذائية والدوائية، كل ما يتعلق بالمستهلك في الحقيقة. هذا أولاّ، أما ثانياً، فالسعودية كما تعلمون هي الدولة الإسلامية الأولى في العالم لإستضافتها أقدس حرمين لدى المسلمين في مدينتي مكة والمدينة. والحكومة السعودية قد قامت بمشاريع ضخمة جداً لتطوير الحرمين المقدسين عدا البنية التحتية للمدينتين.
أما على الصعيد السياسي فأنتم أعلم مني يا سادة بالمساعدات المالية الضخمة التي تقدمها السعودية لتمويل المجاهدين الأفغان ضد القوات السوفيتية هناك وضد قوات الساندنيستا في حكومة نيكاراجوا الشيوعية، وذلك بدعم متمردي الكونترا. أما أهم سبب برأيي، لتجاوز حصتها، فهو مشروع اليمامة العسكري. فكما تعلمون يا سادة، فإن السعودييون في طور تطوير قواتهم المسلحة في إطار مشروع اليمامة العسكري أو كما هو معروف بمشروع القرن حيث ستصرف مليارات الدولارات بسببه.

أما الكويتيون فلعلهم يواجهون أسوأ إقتصاد بين جيرانهم باستثناء العراق طبعاً. فهم ما زالوا متأثرين بانهيار سوق الأوراق المالية عندهم، وكأنهم لم يسمعوا قط بالثلاثاء الأسود قبل ستين عاماً، وإنهيار بورصة نيويورك وتلتها بورصات العالم ثم حدوث الكساد العظيم. يا لهم من أغبياء.
ولا تنسوا بأنهم وطوال فترة حرب العراق وإيران كانوا يزودون العراقيين بالأموال على شكل منح وهم على علم بأنهم لن يستردوها. فقد فرضت كأتاوة عليهم في حقيقة الأمر من قِبَل العراقيين بحجة الدفاع عنهم من غزو إيراني محتمل لأراضيهم.
ولقد إستفادت دول الجوار من الحرب كلهم حتى الإماراتيين بتجارة الترانزيت مع الإيرانيين، إلاّ أن الكويتيين فقد كانوا أكبر الخاسرين، حيث فتحوا موانئهم للبضائع الذاهبة للعراق مع إعطائها الأولوية في التنزيل والتحميل على حساب بضائعهم دون أن يأخذوا أي رسوم، هل تتصورون هذا؟" يسكت بلايث.

"ما هو سعر البرميل الآن وما السعر المتوقع لهذا الصيف؟" يسأل آرشي.
"حالياً هو متذبذب ما بين الـ 23 دولاراً والـ 20 دولار، أنا ويؤيدني الكثير، فأتوقع إنحدار سعر البرميل الواحد إلى الـ 18 دولار هذا الصيف وربما أقل" يجيب سلايث.

ينتهي اللقاء ما بين شيردان سلايث والآخرين ويرحل. ولكن وقبل أن يبدأ أحدهم بالحديث، يقفز آرشي من مقعده ويقول "دعونا نرحل من هنا ونعود لمقرنا، لدي ما أخبركم به، ما قاله سلايث سيعمل لصالحنا بشكل جميل".


إنتهى الجزء العاشر
ويتبع في الجزء القادم

1 Comments:

Blogger Zaydoun said...

خلف الله علينا.... صج أغبياء

3:03 PM  

Post a Comment

<< Home