Wednesday, April 26, 2006

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثاني والأربعون




هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية

"غابي؟" يتردد الصوت

"نعم يا إلكي" ترد مديرة المختبر غابي هولتهاوزن علي سكرتيرتها عبر الإنتركوم

"إتصل هنري ستيفنسن الآن من مقر الوكالة بالمدينة، وأبلغني أنه سيكون هنا وقت الغداء

"شكراً لك يا إلكي" تغلق الإنتركوم وتتسائل مع نفسه اإن كان هذا الأمريكي يظن أنني قد نسيت مثلاً أن مهمته ستبدأ اليوم

+++++

"أتسمعني يا سامي؟" يسأله عبر الإنتركم

"نعم، وبوضوح تام" يرد سامي على بول

لقد كان دوره الآن داخل وحدة الكاشف. أمامه على الحائط بعض المشابك وعلاقات الملابس بالإضافة لطاولة صغيرة وضع عليها الكيس البلاستيكي الذي دخل به. كانت هناك مرآه ذات وجهين معلقة على الحائط، ومكان مناسب للأدوات الشخصية كأدوات التجميل للنساء. جلس على الكرسي الصغير وبدأ بخلع حذائه ثم وقف ليكمل خلع ثيابه

"بعد الإنتهاء من خلع وتعليق ثيابك إفتح الكيس لأخذ لوازم الإستحمام فقط وضع النعل المخصصة حيث يمكنك وضعها حال الإنتهاء من الإستحمام، تذكر بأن النعل للإستخدام بعد الإستحمام فقط" يأتيه صوت بول عبر المذياع، ويخيل له أن إندرا تحاول كتم ضحكتها

يخرج من الكيس صابونة ومنشفة، ثم يدخل لوحدة الدش على اليسار. يقوم بتعليق المنشفة خارج الباب قبل أن يفتح صنبور الدش ليتدفق سيل الماء بقوة على جسمه. عليه أن يغسل جسمه جيداً بإستخدام قالب الصابون، والذي ذكره بصابون السانلايت القوي الذي يستخدمه العمال بالورش

بعد الإنتهاء من الإستحمام يقوم بتجفيف بدنه جيداً بالمنشفة ثم يخرج من الدش ويضع قدميه بالنعل التي وضعها بالخارج و دون أن تلامس قدماه الأرض. يقف تحت جهاز التجفيف ليقوم الهواء الدافيء بتجفيف شعره، ثم يقوم بالتخلص من المنشفة في المكان المخصص. يرتدي الروب الذي كان بالكيس قبل أن يحدث بول بأنه جاهز للدخول لغرفة الكشف والموجود بابها على يمين الغرفة

"حسناً يا سامي، تذكر بأن تأخذ معك الأغطية الموجودة بالكيس، وعند الدخول لغرفة الكاشف تذكر بأن تترك النعل بالخارج. سأفتح لك الباب الآن" يستمع لتكة خافتة، ويرى أن الباب المعدني قد فتح. بعناية، يزيل النعل عن قدمه اليمنى قبل الدخول ثم اليسري. ما أن يدخل حتى يغلق الباب ورائه

الغرفة كانت شديدة الدفء، فالهواء لها يدخل عبر فتحات تهوية صغيرة تمر بمرشحات لحفظ الغرفة نظيفة. الغرفة بالكاد تسع الصندوق المعدني أمامه. إلا أن قدماه العاريتان كانتا تشعران بالبرودة من أرضية الغرفة

"عليك الآن يا سامي أن تفتح باب الكاشف على يمينك" تأتيه التعليمات

يفتح الباب ليرى سرير الكشف، تعلوه وحدتي الجيرمانيوم للقياس الإشعاعي معلقتان بذراع آلي

"عليك الآن وضع غطاء السرير وتثبيته بالمشابك المخصصة" يقوم سامي بذلك ويضع الغطاء الإضافي عند حافة السرير

"بعد أن تنتهي، يمكنك تعليق الروب على المشبك المخصص لذلك قبل أن تتمدد على سرير الفحص" يكمل الصوت

يخلع سامي الروب ويعلقه، ثم يتمدد بعناية على السرير الذي كان لا يزال دافئاً بفعل إستخدام إندرا للجهاز. يجذب بعدها باب الكاشف فيغلقه، ليصبح بعدها حبيساً بقفص معدني. مصدر الضوء كان لمبة صغيرة خفية، كما كان يستمع لهدير هادئ من مراوح التهوية

"تستطيع إستخدام الغطاء الإضافي للتغطية إن أحببت. سأقوم الآن بفتح قفل الذراع الآلية ووضعها على وضع كشف الصدر. أرجو منك تعديل وضعية الجهاز بإستخدام المقبض المخصص لذلك" يجر سامي المقبض لتحريك وحدتي القياس بحيث أصبحتا فوق صدره، ثم قربهما للحد الذي تسمح به الدالة المعلقة بوسط المجسين

"أحسنت يا سامي، الآن سنبدأ بأخذ قياسات الصدر لمدة نصف ساعة، ما رأيك ببعض الموسيقى؟" يقول له بول

"ولكن إحذر من أن تخلد للنوم" تضيف إندرا ضاحكة ويسمع ضحكة بول أيضاً

"مضحك جداً" يرد عليهما بتهكم

بعد إنقضاء الوقت يذكره بول بأن عليه الآن أخذ قياس كلي، وهو ما سيستغرق ٢٠ دقيقة أخري. تتحرك وحدتي القياس نحو قدميه، ثم تتقدمان ببطء للأعلى بإتجاه رأسه

في النهاية يستمع لصافرة حادة تعلن أن عملية القياس قد إنتهت. تتحرك الذراع الآلية لتستقر بالمقياسين أسفل قدميه
"حسناً يا سامي، لقد إنتهينا. يمكنك الآن فتح باب الكاشف والنزول من السرير، وسأفتح لك الباب ليتسنى لك الخروج لغرفة تبديل الملابس. أرجو منك اخذ جميع الأغطية والروب والتخلص منها في المكان المخصص لذلك" يطلب منه بول

+++++

"إن كنت قد حليت اللغز يا سامي، ما رأيك أن تسجله على اللوحة قبل الذهاب للغداء؟

"حسنا يا إندرا، ....، لا أصدق أن نصف اليوم قد إنقضى ونحن نقوم بعملية الفحص... " يحدثها سامي

ما أن يدخلا الغرفة حتى يفاجآ بالزملاء و هم يحيطون بهنري ستيفنسن وهو يقف أمام اللوحة. يلاحظهم كيم، فيقترب من سامي" لقد سبقك مرة أخري، لقد وصل للتو وشاهد أحجية اليوم"يحدثه

كان هنري يشرح الحل "هذه أحجية سهلة جداً، ولا يتطلب حلها إلا بعض المعرفة بالنظام الثنائي للأرقام، أي النظام الحسابي الذي يتكون من الصفر و الواحد فقط، وهو النظام الذي تترتب علية العمليات الحسابية في الأجهزة الحاسبة الإلكتروني

في النظام الثنائي، يكون تسلسل الأرقام كالتالي:

1 : 1
2 : 10
3 : 11
4 : 100
5 : 101
6 : 110
7 : 111
8 : 1000
وهلم جراً ...

ونتوصل للمقارنة بين النظامين العشري والثنائي إن تذكرنا بأن العدد بالنظام العشري يساوي مجاميع مضروب محتوى كل خانة في العدد 2 مرفوع لأس يساوي رقم تلك الخانة

فمثلا الخمسة تساوي واحد مضروب في 2 للأس صفر (والناتج هو1) وذلك للخانة الأولى من اليمين أو بالأحرى الخانة صفر

ثم صفراً مضروب بالعدد 2 مرفوع للأس واحد - أي الخانة رقم واحد (والناتج هو 0)

ثم واحد مضروب بالعدد 2 مرفوع للأس 2 - أي الخانة رقم أثنين (والناتج هو 4)

فيكون المجموع الكلي هو 1 زائد صفر زائد 4 ويساوي 5

وبذلك نستطيع أن نحل اللغز بأن نقول، في اليوم الأول يسلم بوصة من القضيب، والثاني بوصتين ويسترد الأولى، والثالث يسلم الأولى …دون أي يسترد شيئاً وفي اليوم الرابع يسلم القطعة ذات الأربعة ويسترد الجميع .... وهكذا إلخ

ولكن لنري لعدد أيام شهر مايو كما تنص الأحجية، 31 يوماً. بإستخدام النظام الثنائي يمكننا معرفة ما سيسلمه المنقب لصاحب السكن مباشرة ودون الرجوع لليوم السابق

إذا حولنا ترتيب ذلك اليوم من الشهر إلى نظيره الثنائي، وإن تذكرنا بأن الخانة الأولى بالرقم الثنائي تساوي بوصة من القضيب، 2 للأس صفر. والخانة الثانية تساوي بوصتين أي 2 للأس واحد. والثالثة 4 بوصات، 2 للأس 2 . والرابعة 8 بوصات، 2 للأس 3. والخانة الخامسة هي آخر خانة نحتاج إليها لحل هذا اللغز - وتساوي 16 بوصة، أي 2 للأس أربعة

والآن لنفترض أن المنقب يريد معرفة ما يجب إيداعه لدى صاحب السكن باليوم الثالث والعشرون من الشهر، فكل ما علينا هو تحويل ٢٣ من النظام العشري إلى النظام الثنائي، الناتج سيكون

10111

وهذا يعني، قطعة البوصة الواحدة + قطعة البوصتين + قطعة الأربعة بوصات + قطعة الستة عشر بوصة، بدون حاجة لقطعة الثمان بوصات. أما في اليوم التالي (الرابع والعشرون من الشهر)، بعد أن نقوم بالتحويل يكون الرقم الثنائي هو

11000

أي أن المطلوب هو قطعتي الثمان بوصات + الستة عشر بوصة. فالمنقب سيسلم قطعة الثماني بوصات ويسترد قطع البوصة الواحدة + البوصتين + الأربعة بوصات


الحل بديهي، أليس كذلك. يختتم هنري حديثه بزهو

يهز الحاضرين رؤوسهم بالإيجاب، فلقد إستحسنوا حل هنري السلس للأحجية

يلتفت سامي لإندرا، "حسناً يا إندرا، أتودين الذهاب للكافتيريا" تجيبه بالإيجاب. يترك الإثنان المختبر سوياً

تلاحظ عليه بعض علامات الضيق، "لا عليك يا سامي، لقد سبقك بدقائق فقط، كما ان يومك مليء بالمشاغل وليس كمثل يومه" تقول له بلهجة مفرحة تحاول التخفيف عنه

يبتسم لها سامي، ويسير بجنبها بصمت. لقد كانت إبتسامة مصطنعة

"اللعنة!" يفكر في نفسه





إنتهى الجزء الثاني والأربعون
ويتبع في الجزء القادم

Monday, April 24, 2006

بيان وتوضيح







بيان وتوضيح من قبيلة الإتشات




تفاعلاً مع البيان الخطابي من النائب الفلاني والذي نشر بالجرائد والذي يوصي ويحث الحكومة أن لا تنسى من حارب في معركة الدتسن والتيوته الحمرا ومع الخيل يا شقرا، فإننا نود أن نوضح الآتي

إننا أتينا لهذه الأرض الطيبة تهريب ولم يكن لدينا رابط قديم، فلسنا مسجلين بتعداد ألف وتسعمية وإحطبة ولله الحمد. وعليه، ثلاثت أرباع القبيلة متجنسين حديثاً لمواقفنا البطولية والأعمال الجليل، ...، يبه مزوجين بناتنا للشيو ... زين

يوم الغزو من فير الله على الحدود، حفاظاً على شرف القبيلة، وللتأكد يرجى مراجعة تسجيلات الـسي أن أن ، عندما كان شباب القبيلة يتصلون من هواتف إنطلق 2 من الحدود للإطمئنان على زوجاتهم وبناتهم إللي بالديرة

وللتأكد من مواقفنا البطولية أيام إحتلال خوالنا لديارنا، ما عليك إلا التأكد من إننا كنا نأخذ الإعاشة من كل السفارات في الخليج، يعني كل فرد كان ياخذ خمس رواتب لين طاحوا علينا

علماً بأننا كنا نهدي السيارات والسيوف الذهبية والدروع الفضية للقائد سيف العرب سابقاً ، الطاغية حالياً

هذه هي مواقف قبيلة الإتشات يا نائب يا محترم

ضحينا من أجل الوطن بالغالي والنفيس ونحن الدرع المتين. نعم وأنت كنت تتحدث عنا لأن إحنا إللي على راسنا البطحة

هذه هي الحقائق وعاش الولاء

عنهم ... إستش


ملاحظة: مع الإعتذار للجميع

Sunday, April 23, 2006

تغير لمن يحب التغيير - قصة قصيرة – إصطدام


هذه الرواية خيالية بنيت على بعض الأحداث والوقائع الحقيقية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية وأي تطابق بينها وبين الواقع هو من محض الصدفة

يجلس على حافة السرير محدقاً بسرحان بالغرفة الخاصة. لم يتعود بعد على المكان الجديد الذي هو فيه. لقد إنتقلت الإدارة العامة للأدلة الجنائية والطب الشرعي بكاملها منذ أشهر قليلة، إلى مركزها الجديد بالفروانية بالقرب من المطار الدولي

يتذكر الأيام الأولى عندما يصحو مذعوراً من غفوته على صوت إقتراب الطائرات من المطار وإقلاعها من المدرج. ما زال لم يتعود على الأصوات. من الجهبذ الذي إختار هذا المكان للإدارة؟ يسأل نفسه

يتذكر الموقع القديم للإدارة في منطقة الشرق. تلك الفيلا الهرمة والتي تكاد تسقط من شدة إهتراؤها، على رؤوس العاملين. وإن يكن، فذاك الموقع كان في قلب المدينة. ربما هذا هو السبب. الموقع الحالي ينتصف الكويت

الطرق على الباب يصحيه من السرحان. "حسناً، أنا قادم" يجيب. "سيدي الوضع لا يحتمل التأخير، الإتصالات لا تكاد تتوقف، حتى أن السيد الوكيل قد خابرنا للتو" يأتيه الصوت من خلف الباب

+++++

يبدأ في مراجعة البلاغ الأولي حول الحادث بينما تنطلق بهم سيارة الإدارة مسرعة نحو موقع الحادث. لا يعير إهتماماً للأحاديث الدائرة حولة بين الملازم والطبيب الشرعي المناوبان معه في النوبة المسائية

ينظر لساعته التي تشير إلى السابعة والربع تقريباً. والتقرير الأولي يشير إلى أن الحادث قد بلغ عنه الساعة السابعة إلا عشر دقائق تقريباً

تندفع السيارة متعرجة بين حارات الطريق، حاولة لتجاوز إزدحام الصباح. يتمنى وجود كوب من الشاي الساخن بيده في هذه اللحظة. لم يتركوا له المجال لشرب الشاي حتى. بالطبع فالحادث في منطقة سكنية راقية يسكنها كبار موظفي الدولة فلا عجب أن يخابرهم وكيل الوزارة لحثهم على العمل بسرعة، لعله قد إستقبل مكالمات الأشخاص المهمين في نفس لحظة وقوع الحادث. يفكر لنفسه. يا ترى هل كل الإهتمام كان سيحدث لو كان الحادث في إحدى المناطق المنسية، مناطق البؤس؟ لا أظن. يسأل نفسه متهكماً

يشغل السائق نفير السيارة المميز في محاولة للولوج بين الجماهير المتجمهرة في موقع الحادث. بينما يحاول رجال الدوريات والنجدة جاهدين بإفساح الطريق لهم

+++++

"حسناً يبدو هذا الموضوع حساس بعض الشيء نظراً للمنطقة وساكنيها. لذا أرجو منكم العمل السريع والدقيق، وليكن إتصالكم بي فقط ولا أحد غيري. مفهوم" يحدثهم بينما يهز الجميع رأسه بالموافقة

"حضرة الملازم قم بالفور بتصوير كل شيء، وخصوصاً آثار الأقدام حول الجثة، وأرجو أن يكون أحدهم قد أخذ أقوال المبلغ عن الحادث وتأكد من أخذ طبعة حذائه أيضاً، ولا ينسى أحدكم بأخذ قياسات والأبعاد من الجثة نحو المواقع الأخرى" يحدث النقيب الملازم صالح

يتقدم نحو الضابط الذي يبدو هو المسؤول، فيحـييه النقيب بالتحية العسكرية ويرد الضابط المقدم التحية له

"النقيب فهد الحامد من الأدلة الجنائية سيدي" يعرف نفسه للمقدم، "حضرة النقيب كنت أتحدث للتو مع سيدي معالي وزير الداخلية. لستَ بحاجة لإبلاغك بأهمية الموضوع. وخصوصاً وقوعها بهذه المنطقة وليزداد الطين بلة وقوعها بالقرب من المسجد والطريق المؤدي للمدرسة. ستتلقى كل الدعم المطلوب مني ومن رجالي. فلننه الموضوع بسرعة، الملازم خالد محمود سيكون ضابط الإتصال بيننا سله عما تحتاج وسيوفره لك" يحدثه المقدم مشيراً للملازم أول الذي يحييه بالتحية العسكرية

"شكراً سيدي. هل لا طلبت من رجالك بإبعاد الجمهور عن محيط الحادث. نستطيع العمل بشكل أفضل دون إزعاجهم لنا"، "لك هذا، ...، أيها الملازم تولى الأمر". يأمر المقدم ويتجه مبتعداً بينما يأمر الملازم خالد الرجال بإبعاد الجمهور، يتجه النقيب نحو الجثة لمعاينتها

+++++

"إيه يا دكتور ماذا لديك لي؟" يسأل النقيب فهد الدكتور حمدي شلبي، الطبيب الشرعي المناوب

يتذكر النقيب عملية تجنيد مجموعة من الأطباء الشرعيين الجدد للإدارة قبيل إنتقالهم للمقر الجديد. والدكتور حمدي هو أحد هؤلاد الجدد ومن الذين لصقوا بذهنه بإسلوب حديثه والعلكة التي لا تفارق فمه

"تهشم كبير في القفص الصدري. إستنـزاف للدماء من الحواس، الأنف والفم والعيون. لا توجد جروح واضحة الآن ربما بعد التشريح" بينما يشرح الطبيب الوضع يتقدم الملازم صالح نحوهم

"يوجد آثار للإطارات على حواف الرصيف وبعضها يبدو جديداً" يحدثهم الملازم

+++++

يعاين النقيب الرصيف الممتد بمحاذاة المسجد. "يوجد الكثير من آثار الإطارات على الرصيف". "نعم سيدي، ولكن هذه الآثار هي الوحيدة الجديدة تقريباً والتي تتجه مباشرة نحو الجثة" يرد الملازم صالح

"ملاحظة مهمة أيها الملازم. نعم ملاحظة مهمة. ... ، هل لا قست لي إرتفاع الرصيف لو سمحت. دكتور، هل سجلت مواقع تناثر الدماء مع الملازم في وقت لاحق" يحدث الطبيب

"أنا لم أر أي دماء متناثرة كثيرة. بعضها على السور وحافته. ولكني سأعيد البحث مرة أخرى" يجيبه الدكتور حمدي

"حسناً حسناً". "أيها النقيب" يلتفت النقيب نحو الصوت فإذا به يرى الملازم خالد وبصحبته رجل دين معمم

"سيدي النقيب، هذا هو الشيخ عبدالرؤوف السيد شحاته، إمام المسجد وهو الذي بلغ عن الحادث" يحدثه الملازم

يمد النقيب يده مصافحاً "أهلا سيدنا الشيخ". "شيء مرعب والله يا بني. لقد أدى المسكين معنا صلاة الفجر ظننته متواجداً في الحديقة لري المزروعات. نقوم بين الفينة والأخرى بزراعة بعض الخضروات لزوم الإستهلاك الشخصي لي ولأسرتي، ولم أتوقع ما رأيته" يحدثه الشيخ عبدالرؤوف

+++++

"هل يعيش بالمسجد؟" يسأله النقيب. "نعم فهو يقيم بغرفة الحارس بالمسجد، بينما أقيم أنا وأسرتي بالملحق الملازم للمسجد" يرد الشيخ. "هل لا قدتني لرؤية غرفته من فضلك. هل لديك مفتاحها؟" يسأله النقيب

"بالطبع فأنا المؤتمن على المسجد ولدي جميع المفاتيح" يتجه النقيب بصحبة الملازم يرافقهما الشيخ عبدالرؤوف نحو المسجد

"المسجد قديم بعض الشيء" يحدث النقيب الشيخ عبدالرؤوف. "بل قل قديم كثيراً يا بني. إنني دوماً على إتصال بالوزارة لتصليح ما يخرب وهي مأساة بحد ذاتها. قد قام العديد من مرتادي المسجد بالتبرع شخصياً لتصليح ما يخرب أو تزويده بإحتياجاته من برادات للماء أو أجهزة تكييف، ولكن لا يمكن إصلاح ما أفسده الدهر. لقد تحدثت مع السيد المختار وشرحت له المعاناة. فوعدني خيراً بأن يتحدث مع المحسنين من أبناء المنطقة لجمع التبرعات لبناء المسجد وتعميره من جديد" يحدثهم الشيخ

+++++

يقوم الشيخ بأغلاق باب المغاسل وحمامات المسجد، ويتجه نحو الجهة الأخرى لإغلاق إحدى الأبواب الحديدية. "رحمه الله لقد كان مهملاً بعض الشيء إلا أنه كان فتىً طيباً، أيـييييييه، إذكروا محاسن موتاكم، ... من هنا يا سادة" يردد الشيخ ويشير نحو إحدى الأبواب

الغرفة صغيرة نسبياً إلا أن كل شيء بها مرتب. يتعجب النقيب من مقولة الشيخ عبدالرؤوف من أن المجني عليه كان مهملاً! يبدأ النقيب بالبحث بالغرفة عن كل شيء وعن لا شيء، فهو لا يعرف بالضبط عما يبحث. لعل عندما يجده سيعرف بالحال

يدخل الملازم صالح الغرفة، "هل أرفع البصمات؟" يحدث النقيب الذي يرمقه بنظرة وكأنها تقول وهل أنت في شك من ذلك. يبتسم الملازم كمن عرف الإجابة ويبدأ عمله


يفتح بعض الأدراج ويستمر العمل بالغرفة بعض الوقت يشاهد النقيب كمية من الأوراق المرصوصة بعناية وبجانبها حزمة من الرسائل

"أوتعلم سيدي الشيخ متى كانت آخر رسالة وصلت إليه؟" يسأل النقيب

"لقد بعثت به بالأمس قبيل صلاة العشاء لمكتب البريد وجلب ما يصلني من الرسائل من الأهل. هو يستخدم صندوق بريدي لرسائله. ولكني حقيقة لا أعلم شيئاً عن رسائله" يرد الشيخ

يقوم النقيب بأخذ بعض محتويات الغرفة وبتدوين كل موجودات الغرفة وما أخذه معه بدقة بينما يرفع الملازم صالح البصمات


"حسناً سيدي الشيخ هل لا أقفلت الغرفة وسنقوم بختمها بالشمع الأحمر. ستكون أنت مسؤولاً عن الغرفة ومحتوياتها من الآن وصاعداً" يحدثه النقيب بعد الإنتهاء من عملهم بالغرفة

"كما تشاء يا بني" يرد الشيخ

يقوم النقيب بمعاينة المسجد من الداخل لعله يرى ما يساعده في الكشف عن غموض الحادث، إلا أن المكان إعتيادي فيتجه خارجاً لمعاينة المسجد من الخارج

+++++

يسمر النقيب ناظريه نحو مبنى المسجد محدقاً في القبة والمنارة. "ما الأمر؟" يسأله الملازم خالد. "لا شيء. المنارة قريبة من الشارع. فلو سقطت، حتماً ستتناثر على الشارع". " وما الذي سيسقطها؟ ما لم يقم أحد بهدمها" يرد الملازم. "نعم أنت محق. ما لم يتعمد أحدهم بذلك" يرد النقيب ويسكت لبرهة

"هل أنت على علم بالعمارة الإسلامية أيها الملازم؟" يسأل النقيب الملازم خالد. "لا. لا أستطيع إدعاء ذلك. وهل أنت؟" يسأله الملازم. "هذا المسجد بني حسب التصميم العثماني" يرد. "وكيف عرفت؟" يسأله الملازم. "القبة مربكة بعض الشيء ولكن أنظر للمنارة. مدببة، تصميم معماري عثماني أو تركي بالمصطلح الحديث" يحدثه النقيب فهد. "غريب لم أعلم هذا. ... هذا المسجد هو نسخة من عدة مساجد متشابهة في مناطق مختلفة من الكويت" يرد الملازم، "نعم، يبدو لي بأن وزارة الأوقاف لم ترد أن تصرف الأموال على تصاميم متعددة. فقبلت تصميم واحد وكررته في عدة مناطق" يتجه النقيب نحو الرصيف مرة أخرى لمعاينته بينما ما زالت عيونه تكتشف محيط المسجد يتبعه الملازم والشيخ ويركز ناظريه نحو الطبيب المتقدم نحوهم من ناحية الجمهور

+++++

"ما زلنا نعاني يا بني من قلة المواقف للسيارات. فيضطر المصلون ركوب الرصيف. أما الطامة الكبرى فهو قيام بعض أولياء الأمور أو بعض السواق لركوب الرصيف من أمام المسجد عوضاً عن قطع الطريق الطويل وبرعونة في بعض الأحيان للوصول للمدرسة القريبة. ولم يعد الأمر يقتصر عليهم وحدهم بل أصبح هذا الطريق المحاذي للمسجد أهم طريق مختصر للجهة الأخرى من الشارع الآخر" يسرد الشيخ

"هل إنتهيت من المعاينة يا دكتور حمدي؟" يسأله النقيب. "نهم وقد أتى الأسعاف وقاموا بتحميل الجثة نحو الإدارة" يرد الطبيب

تشتد حرارة الشمس ويبدأ الإرهاق بالظهور على الجميع وخصوصاً بأنهم من مناوبي الليلة السابقة. "حسناً لنختم الأمر هنا" يطلب منهم النقيب ويصافح الشيخ عبدالرؤوف على تعاونه وينقل تحيات فريقه للملازم خالد على مساعدته هو ورجاله

+++++

وفي صباح اليوم التالي

بلغ التوتر أقصاة في مكتب العقيد سالم ذياب، مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية والطب الشرعي، ولقد بلغ به الحنق درجة يكاد وجهه ينفجر من شدة الإحمرار

"لم يتوقف هاتفي عن الرن. الكل يطلب مني قراءة ما كتبه إحدى الصحف حول الحادث. أرأيتم ، ... حادث دهس مروع في المنطقة الفلانية، هل الأطفال آمنون بعد اليوم" يحدثهم العقيد سالم

"سأقوم بالتحقيق بالأمر وصاحب اللسان الطويل لن ينجيه أحد من يدي" يكمل العقيد سالم

"سيدي، ربما يكون أحد أفراد النجدة" يرد الملازم صالح في محاولة تهدئة الوضع بينما يرمقه النقيب بنظرة عتاب

"إصمت أنت!" يرد العقيد بغضب. "التفاصيل بالتقرير مطلع عليها شخص متخصص بالأدلة الجنائية" ويكمل

يسود الهدوء بعض الشيء في المكتب وتسكن النفوس. "حسناً إنطلقوا لمراكزكم، وأريد إنهاء القضية بأسرع ما يمكن" يحدثهم العقيد ويهمون بالخروج من المكتب

+++++

"المرة القادة وبينما رئيسك حانق على أمر ما، إقفل فمك ولا تتفوه ببنت شفه. أعلمت!!!" يحدث النقيب فهد الملازم صالح ممسكاً وضاغطاً ذراعه بشدة

"نعم سيدي. لقد تعلمت الدرس جيداً" يجيب الملازم صالح

يتجه الجميع نحو مكاتبهم، "حضرة الدكتور هل لي بكلمة معك" يطلب النقيب ويدخل مكتبه منتظراً دخول الطبيب ويغلق الباب خلفهما

"سيدي الدكتور" يحدث النقيب الطبيب حمدي وهو يتجه نحو مقعده، "المرة القادمة لن أحميك. بل ستكون على أول طائرة متجهة للقاهرة بعد إنهاء خدماتك" يحدثه النقيب

"يا حضرة النقيب، ماذا تعني، ... أنا ... " يحاول الطبيب الدفاع عن نفسه

"يا دكتور حمدي. لقد رأيتك تتحدث مع أحدهم وأنا أعرف هذا الشخص. فهو مراسل الحوادث للجريدة التي نشرت الخبر. نحن هنا نعمل كفريق. وما سكوتي تواً إلا لأريك معنى حماية أحد أعضاء الفريق. ولكن على أعضاء الفريق حماية الآخرين من الأعضاء والتنسيق معهم، وليس تسجيل النقاط على حساب بعضهم البعض" يتوقف النقيب لبرهة، "أولاً لست معني يا دكتور بالجانب الجنائي لتعطي رأيك فيه فأنت متخصص بالطب الجنائي فقط، وثانياً وهو الأهم، الكويت دولة صغيرة وهذه النوعية من الأحاديث والتصريحات تثير الهلع والخوف. نحن لسنا 20 مليون مواطن بحيث لا يثير خبر كهذا الإهتمام، سيدي الدكتور أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت" يشرح النقيب

"نعم. شكراً سيدي النقيب، وإني لأعتذر عما بدر مني ولن يصدر ثانية ثق تماماً. وشكراً لدعمك لي ولكن مسألة التحقيق" يجيب الطبيب متوتراً

"لا تهتم بأمر التحقيق، فالعقيد عادة ما يطلق التصريحات أثناء غضبه ينساها اليوم التالي" يشكره الطبيب الذي بان عليه الإرتياح بعض الشيء ويترك المكتب

+++++

"حسناً يا أبو الطاهر إذهب الآن. ...، إنتظر" يخرج النقيب ديناراً من حافظته ويناوله لعامل التنظيف في القسم الذي يرفض بادئ الأمر إلا أن النقيب يصر على إعطائه إياه ويأخذ منه الرسالة

الصور المتناثرة عل مكتب النقيب فهد أصبحت مشوشة في عينيه فلم تعد له القدرة على التحديق بها. هناك أمر محير في هذه القضية

يبدأ النقيب بقراءة تلخيص بتحريات المباحث حول المجني عليه التي إنتهت إلي أنه شخص مسالم لا عداوات له أو خلافات. بل الكل يفتقده لدماثة أخلاقه وحسن معاملته للاخرين

التقرير المبدئي للملازم صالح والمرفق معه لا يعطي تفاسير واضحة أيضاً. لا دليل مادي على حصول شجار. تقرير الدكتور حمدي غريب بعض الشيء. ويقرأ النقيب مع نفسه

تكسر شامل تقريباً في العظام. تمزق في الرئتين جراء تكسر عظام القفص الصدري. تمزق في الكبد والطحال. كسور في الكتف والذراع الأيمن.
نزيف داخلي متعدد أدى إلى الوفاة. تهشم الركبة نتيجة إصطدامها بالأرض

يستغرب النقيب من التقرير وبالأخص نوعية الكسور

يطلب النقيب الرقم الداخلي للملازم صالح. "صالح، أين مخطط المسافات. إني لم أره مع تقريرك" يحدثه النقيب

"سأنتهي منه بعد لحيظات قليلة وآتيك به" يأتيه صوت الملازم صالح من الطرف الآخر

يراجع فهد التقارير مرة أخرى ويقارن ما يقرأه بالصور التي معه

يدخل الملازم صالح ومعه مخطط للواقعة ويناوله للنقيب الذي يتمعن به بعنايه لدقائق

يرفع سماعة الهاتف ويضغط على الرقم صفر للبدالة، "عبدالرحيم" متحدثاً مع مأمور البدالة، "إطلب لي قسم الفيزياء بجامعة الكويت، ...، لا أعلم إطلب سكرتارية القسم أريد أرقام بعض أساتذة القسم. ...، لا يهم أيهم متوفر حالياً وسجل الأرقام عندك ريثما أعود لأخابرهم" يغلق الهاتف

"ما الأمر؟ بماذا نحتاج قسم الفيزياء؟" يسأله الملازم صالح

"لدي نظرية أود تأكيدها" يرد النقيب فهد

+++++

"خيراً حضرة النقيب، هل من جديد؟" يسأله الشيخ عبدالرؤوف

"خيراً إن شاء الله يا سيدنا الشيخ. هل لا فتحت هذا الباب الحديدي؟" يطلب منه النقيب الذي يشعل المصباح اليدوي مركزاً على الأرض بينما يأخذ الملازم صالح الصور بدون توقف

+++++

"شد المقياس حتى يلامس التراب" يصيح النقيب فهد بصوت عالي

يسجل النقيب الأرقام في مفكرته

+++++

"مع المعطيات التي زودتني بها والتي ليست بدقة تامه، فإني أقول ليس أكثر من 3 أمتار" يرد الصوت من الجانب الآخر

"حساباتي المتواضعة تتطابق مع حساباتك سيدي. ...، إني أشكرك من صميم قلبي. لقد ساعدتني كثيراً سيدي" يحدثه النقيب فهد

"إنه لمن دواعي سروري. وإني لسعيد بمساهمتي، مع السلامة" ويغلق خط الهاتف، وترسم إبتسامة كبيرة على محيا النقيب فهد

+++++

يضع العقيد سالم ذياب الملف على الطاولة ويحدق بالنقيب فهد طويلاً وكأن لسان حاله يقول بأنه غير مصدق لما إنتهى من قراءته للتو

"أنت تعرف بأنك ربما ستثير زوبعة بيننا وبين المباحث العامة ..." يحدثه العقيد سالم

"ربما. ...، سيدي، أنت تعرف ..." يحدثه النقيب ، " لا تكمل فأنا إلى جانبك ومقتنع بحججك بالتقرير. حسناً لنبعث به للمباحث وكن على إستعداد لشرح وتوضيح ما كتبته. فهم على الأرجح سيودون ذلك" يقاطعه ثم يحدثه العقيد سالم

+++++

"ولكن ماذا عن آثار السيارة؟" يسأله أحد الضباط

لقد كان التقرير مفاجئاً لهم. فلم تدل الأدلة المبدئية على أنه حادث إنتحار

"حسناً. دعوني أشرح الأدلة والوقائع لكم وأبين أسباب قناعتنا بأنه إنتحار وليست حادثة دهس كما أشيع أول الأمر" يشرح النقيب فهد

"بالنسبة لآثار السيارة

صحيح بأن هناك آثار لعجلات سيارات. بعضها حديث والآخر قديم. والقديم تم حذفه من حساباتنا تلقائياً وذلك ... لقدمه. أما الآثار الحديثة للعجلات ففيها بعض الأمور التي سأوضحها

أولاً إرتفاع رصيف الشارع حيث هذه الآثار. كما تعلمون فإن أهالي المنطقة يستخدمون الطريق الترابي الموازي للمسجد كطريق مختصر. لذا نجد الكثير من آثار العجلات على الرصيف

وإرتفاع الرصيف يحد من سرعة أي سيارة منطلقة نحو الطريق الترابي. بمعنى أن السيارة سوف تتقدم وترتفع نحو الطريق الترابي ببطء كي لا تتأذي السيارة

وبالتالي نفقد آلية وعامل السرعة المطلوبة للإصطدام بالضحية

ثم لنأخذ جثة الضحية. جميع الآثار المكتشفة في جثته تتناقض مع نظرية الإصطدام وخصوصاً التهشم الكبير في العظام ونوعية وطريقة تهشمها

عادة ما يكون الإصطدام على مستوى واحد والسيارة تترك آثارها سواء على الجثة وكذلك الطريق وهو الأهم. وفي الحالتين نحن نفتقد لأي دليل كلياً، وهذا عدا عدم توفر نقطة وإتجاه إنطلاق السيارة. كما ذكرت مسبقاً، نحتاج لسرعة كبيرة للحصول على النتائج الموجودة في جثة الضحية. تقرير الموقع يؤكد عدم توفر الأسس الضرورية لإنطلاق أي سيارة بالسرعة المطلوبة لعمل حادث مماثل

ثانياً، ظروف الضحية. كل التحريات من جانبكم أثبتت بأن الضحية شخص مسالم لا أعداء له وبذلك تنتفي نظرية القتل المتعمد، على الأقل حسب ما لدينا من تقارير

علاوة على عثورنا على دليل مادي، نعتقد بأنه أفادنا للتوصل إلى الحقيقة. وهذا الدليل هو آخر رسالة بريدية للضحية

فبعد ترجمتها ولو بشكل غير رسمي، تبين بأن الضحية قد تلقى أخبار غير سارة من أهله ينبؤونه بضياع، بالأحرى سرقة، المبالغ الضئيلة التي كان يرسلها لهم لزواج أخته وبالتالي تم فسخ خطبة أخته لعدم توفر المال

ثالثاً، آثار الكسور. تعدد الكسور ونوعيتها تشير على حدوث عدة إصطدامات متتالية أدت إلى الوفاة

أولاً في منطقة الكتف والذراع ثم المناطق الصدرية والأخرى

ولكن المثير هو موقع الجثة من الطريق وهذا ما ظننته أول الأمر، وكان علي الإنتباه لموقع الجثة من المسجد

لقد تم إستبعاد فكرة إصطدام السيارة أي نعم، ولكن لم تستبعد فكرة الإصطدام كليةً. إصطدام الجثة بالأرض. ونظراً لوجود تلك الكسور المتفرقة وتهشم العضام بشكل ملفت، فلابد وأن كان الإصطدام شديداً. وللحصول على الإصطدام الشديد لابد من سرعة قصوى. وللحصول على السرعة القصوى، فإن الحل الوحيد المتوفر هو السقوط الحر من علو وإرتفاع" يشرح النقيب

"والإرتفاع الوحيد الموجود هو منارة المسجد" يكمل أحد الحضور

"نعم. شكراً. ذهبت في جولة جديدة للمسجد وكان يتردد في ذهني مقولة إمام المسجد بأن الضحية كان مهملاً بعض الشيء عندما هم بإغلاق بعض الأبواب وعلى الأخص باب حديدي. ولكن ما وجدناه في غرفته يناقض قول الشيخ الإمام. فالغرفة كانت مرتبة جداً ولم تدل على فوضوية ساكنها. أظنه كان يحاول تبرير الأبواب المفتوحة

الباب الحديدي هو باب المنارة. وبالفعل رأينا آثار طبعات حذاء مطابقة لآثار حذاء الضحية على السلالم المؤدية لأعلى المنارة. فالغبار كان يكتنف الدرجات بعض الشيء. وقسنا الإرتفاع

وعليه إتصلت بأحد أساتذة الفيزياء بجامعة الكويت ليساعدني في حساب مكان السقوط. والذي مشكوراً، وضح بأن مسافة السقوط لن تتعدى الثلاثة أمتار من المنارة

وفعلاً على بعد مترين وبعض السنتيمترات تقريباً يقع سور المسجد الملطخ ببعض دماء الضحية وهذا قد يفسر كسر الكتف والذراع حيث نظريتي بأنه سقط على السور أولاً. وبعد الإرتطام الأول نلاحظ سقوط الضحية على الطريق الترابي مهشماً باقي عظام جسده" يختم النقيب حديثه وينتظر أي إستفسار من الحضور

وبعد دقائق من الإنتظار

"هل لديكم أي اسئلة؟" يتوجه العميد شاهين المرزوقي نحو الضباط الذين يهز بعضهم رأسه نافياً

"شكراً لك حضرة النقيب على جهودك وجهود زملائك على توضيح ملابسات هذه القضية" يمد يده نحو النقيب مصافحاً، "آمل أن يكون لنا تعاون مستقبلي شبيه بهذا التعاون" يحييه العميد وترتسم إبتسامة فوق شفتي النقيب فهد

+++++

الكتاب بيده ويجلس على حافة قبل التمدد على السرير وقراءة الكتاب كعادته ليلياً. القراءة قبل النوم جزء من روتينه اليومي. الساعة تشير إلى الحادية عشر والربع تقريباً

الطرق على الباب يجعله يغلق الكتاب ويتوجه لفتح الباب. يقرأ الورقة التي يناولها إياه أحد أفراد الشرطة بالإدارة. "حسناً، قل لهم إني قادم في الحال" يجيب. هذا كل ما أحتاج إليه الليلة، يحدث نفسه، جريمة قتل في الصحراء


أنتــــهى





Saturday, April 22, 2006

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الحادي والأربعون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


"حسناً، هيا بنا نبدأ. ما سنقوم به اليوم هو إمتداد للعمل الذي بدأتموه الأسبوع الماضي في الإعداد لقياسات محتوى النظائر المشعة لفتونات الغاما" يبدأ بول حديثه لسامي وإندرا مستخدماً شرائح العرض التي أعدها ببرنامج الباوربوينت

"إلا أن اليوم فالعينة بدلاً من أن تكون سائلاً أو تراباً أو مادة غذائية توضع بعبوة المارينيللي، ستكون إنساناً ينبض بالحياة، أنتما ستكونان العينات لهذا اليوم" يقولها لهم مبتسماً

"سنقوم بقياس ما تحتويه أجسادكما من مقدار النظائر النشطة لإشعاعات غاما، وأيضا لأشعة إكس كما كان الحال بالنسبة للعينات البيئية مثلاً

النظار هي نفسها سواء تلك التي تعود لأصول طبيعية كاليورانيوم-٢٣٨ والنظائر المتعلقة بإنحلاله الطبيعي، أو البوتاسيوم-٤٠ مثلاً

علاوة على ذلك بالطبع، هناك النظائر النشطة التي نتجت بفعل الحضارة الإنسانية كأعمال التعدين والتنقيب، وأيضاً بفعل الإستخدامات النووية والحوادث المتعلقة بها كحادث تشيرنوبل قبل عشرين عاماً تقريباً

هذه النظائر تشمل اليورانيوم-٢٣٥ والسيزيوم-١٣٧ والبلوتونيوم، عوضاً عن نتاج إنحلال هذه العناصر من نظائر أخري كالتيليريوم والنيبتونيوم ... إلخ

هناك عدة أنواع من الكواشف الجسدية المتكاملة. بعضها مصمم للكشف السريع وقوفاً، وبعضها يتطلب عدة جلسات. الجهاز الذي سنستخدمه اليوم سيفي بغرضين، الكشف المتكامل للجسم، وفحص منطقة الرئتين

لربما كانت رئتي الإنسان من أكثر أعضائه عرضة للإتساخ، إن صح التعبير. ما أقصده هو أن أعضاء الجسم جميعها معرضة لتراكم المواد العضوية وغيرها عبر عمر الإنسان، سواء كانت هذه المواد حميدة كالدهنيات أو الأملاح والمعادن، أو تكاثر للخلايا السرطانية مثلاً والتي يمكن التخلص منها طبيعياً أو طبياً

ألا أنه بالنسبة للرئة، فإنها مكان تتجمع فيه نسب نزرة من كل شهيق يستنشقه الإنسان طوال حياته، ولا سبيل لتنظيفها من الأذي الذي يمكن أن يترسب بداخلها إن أساء الفرد - بقصد أو بدون قصد - إستخدام رئتيه

مثال ذلك تجمع الأغبرة والجرافيت لدى عمال المناجم، أو الترسبات القطرانية لدى المدخن مثلا" يقوم سامي بالتنحنح والنظر لإندرا، التي فهمت مقصده فوراً ويبتسم بول وكأنه فهم المغزى أيضاً

"تشكل النظائر المشعة جزء من هذه الرسوبيات داخل الرئة، ولذلك يتحتم قياس المحتوى الإشعاعي لمنطقة الرئة بحرص، وذلك عن طريق زوج من مقاييس الغاما تكون مسلطة على منطقة الصدر طوال فترة الفحص

الغاية الأخرى للفحص ستكون الكشف على الجسم بشكل عام، فالنظائر الإشعاعية تتجمع أيضا بأنسجة الجسم. وقد ذكرت البوتاسيوم-٤٠ والذي يشكل نسبة ١ من عشرة آلاف من نسبة البوتاسيوم بالطبيعة مثلاً، فالبوتاسيوم عنصر يحتاجه الجسم كيميائياً بغض النظر إن كانت ذراته مشعة أم لا. كما أن هناك نظائر قد تحل كيميائياً محل عناصر أخرى، فالسترونشيوم بديل للكالسيوم، وهو المكون الأساسي للعظام

بعض العناصر قد تكون مذابة بالمحتوى المائي، أي أن تركيزها مرتبط بما يتناوله الإنسان من أطعمة وما يتخلص منه عن طريق الإخراج. بعض النظائر قد تتراكم بالمحتوى الدهني داخل الأنسجة، أي أنها ستترسب داخل أعضاء الجسم ..." يسمع طرق على الباب، فيقوم بول بفتحه ليدخل رجلاً طويلاً مع سيدة شقراء كانا يحملان أكياس وبعض المظروفات

"مرحباً، جئتما في الوقت المناسب" يحيهما بول ويقدم المجموعتين لبعضهما، "سامي ، إندرا، هذا هو الدكتور فريدرك أبزيـير و مساعدته الممرضة نورا" يجلس الجميع بعد الإنتهاء من التحية

"بالطبع وكمثل العينات الأخرى، ليست كل النظائر مشعة بفوتونات الغاما. هناك النظائر التي تطلق جسيمات الألفا والبيتا. ولكن ما يهمنا هو المحتوى الإشعاعي من النظائر التي تمر من الجسم والتي تعوض وتتبدد بفعل الغذاء. لذلك سيتحتم عليكما تسجيل بعض البيانات كما سيوضح لكم الدكتور أبزيير" ينهي بول حديثه

"لنتصور أنكما تعيشان ببيئة ملوثة إشعاعياً، وما تتناولانه من الأطعمة ملوث كذلك كونه من البيئة المحلية. بعض هذه الملوثات سيمر من الجسم عن طريق الفضلات" يحدثهم الدكتور أبزيـير بدوره

يناول كل منهما مجموعة من الأوراق ويكمل، "عليكما من الآن ولمدة أسبوع تعبئة هذه النماذج بكل ما تتناولانه من الأغذية و المشروبات. يجب أن تكون ملاحظاتكم دقيقة بحيث أن تحتوي، على سبيل المثال، على كميات أكواب القهوة مثلاً أو كمية ونوعية الملح المضاف للطعام، وكذلك بالنسبة لأي أدوية تتعاطانها

عليكما أيضاً تسجيل الأنشطة البدنية التي تقومان بها، نوعيتها والمدد التي تمارسون بها الرياضة مثلاً" يشير لنورا التي تناوله كيسين بلاستيكيين يقوم الدكتور أبزيـير بتسليم كيس لكل من سامي و إندرا

"داخل كل كيس ستجدون عبوة بلاستكية ذات غطاء محكم. الغرض من العبوات هو يستخدمها كل منكما لتجميع الفضلات السائلة خلال الأسبوع القادم أو حتى تمتليء العبوة. عندها عليكما إحكام إغلاق العبوة ووضع الختم الخاص بها بعد تسجيل الرقم الذي سيتسلمه كل منكما، ثم وضع العبوة داخل الكيس المرافق لها وتسيلمه مع بياناتكم لي أو لنورا، وسنقوم بالتكفل بالباقي. بالمناسبة، ستجدون مكان عيادتنا عند مداخل المختبرات على يساركم" يهز سامي رأسه بالإيجاب، فلا زال يتذكر تعليمات روبي لهما بفتح ملف طبي في العيادة عندما قابلتهما الأسبوع الماضي

+++++

"والآن قبل أن نتوجه لوحدة الكاشف الكلي، ألديكما أي سؤال؟" يختتم بول ويراب حديثه مع سامي و إندرا، اللذان يجيبانه بالنفي

"حسناً إذاً، لديكما الآن فكرة حول كيفية إستخدام الكاشف، وطرق التعامل مع طريقة الكشف. يتحتم علي أن أعيد تذكيركما بأن الكاشف يتطلب دخول كل منكما لغرفة الكشف إنفرادياً، والكاشف بحد ذاته قفص معدني كبير. هل يعد ذلك مشكلة لأي منكما؟ أقصد هل يعاني أياً منكما من فوبيا، أو خوف من الأماكن الصغيرة المغلقة" ومرة أخرى يجيبانه بالنفي

"جميل جداً، فقط كنت أود التذكير. وعلى أي حال فإنني سأكون على إتصال دائم معكم بواسطة الإنتركوم، ويمكنكم أثناء الكشف الإستماع للموسيقى للتسلية أثناء فترة الفحص. بعض الأجهزة تكون أيضا مزودة بتلفزيون، ولكننا لم نتطور لهذا الحد" يتوقف قبل أن يعلق بمكر، "كما أنه ببعض الأماكن يكون الكاشف مزوداً بكاميرا تلفزيونية، إلا أن وحدتنا تخلو من هذه الإمكانية لمحافظتنا على خصوصية من يستخدم الكاشف" ينظر سامي و إندرا لبعضهما، فقد فهما ما يقصده بول، ويبتسمان

عند مدخل الوحدة هناك غرفة صغيرة تحتوي على بضعة كراسي و طاولة مزودة بكمبيوتر ووحدة الإنتركوم. "الكمبيوتر متصل بالكاشف، وهو يحتوي على نفس برنامج جيني 2000 والذي نستخدمه بالمختبر لفحص العينات" يعلق بول

"كان هناك باب على يمين الغرفة" يشير إليه بول، "لا حاجة لنا لهذا الباب في الحوال الإعتيادية، فهذا باب الطواريء ويبقى مغلقاً إلا إذا تطلب الأمر أن يدخل أحدهم لغرفة الكاشف لإسعاف المكشوف عليه" يشرح بول

ألهذا سألنا إن كنا نعاني من الخوف من الأماكن المغلقة؟ يتسائل سامي مع نفسه. قد يصل الهلع بمن يعاني من مثل هذه الحالات إلى حد الإغماء

"من هنا سيدخل كل منكما ويخرج" يشير بول نحوالباب الثاني الذي كان ناحية اليسار. "إن لم تكن لديكما أية أسئلة فلنبدأ، ... الآن، من منكما يود الذهاب أولاً؟" يلتفت لإندرا ويقول، "أم إن السيدات أولاً؟" يعلق بول

تبتسم إندرا وتلتفت لسامي، الذي يومىء لها بالإيجاب

"حسناً إذا، سأكون الأولى" تقول إندرا ثم تنهض حاملة الكيس الذي ناولها إياه بول متجهة نحوالباب الذي على اليسار، تدخل ثم تغلق الباب خلفها. يشير بول لسامي بأن يقترب منه حتى يتسنى لهما التعامل مع الكمبيوتر والإنتركوم

"حسنا يا إندرا، هل تسمعينني جيدًا؟" ترد بالإيجاب من الناحية الأخرى، حيث غرفة خلع الملابس



إنتهى الجزء الحادي والأربعون
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, April 19, 2006

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الأربعون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية

"السلام عليكم آغاي علي" يأتيه الصوت بلكنه إيرانية

"وعليكم السلام،،،، مصطفى" يرد عليه علي يونسي وهو يمط كلمتي السلام عليكم بالطريقة الفارسية

"الأمور على مايرام سيدي، لقد دفعت للسيد الغامدي الدفعة الدورية المطلوبة حسب الإتفاق المسبق. والبضاعة يتم تصنيعها حسب الجدول في جبل علي" ويعني بأنه تم تحويل الدفعة إلى الحساب البنكي المتفق عليه مع السيد بوبوف والإتفاق مستمر حسب الأصول في فيينا. يحدث مصطفى طاهري رئيسه علي يونسي بشيفرة بسيطة متفق عليها كون الإتصال مكشوف وغير مشفر

"أحسنت سيد مصطفى أنتظر عودتك" يرد عليه رئيسه

"غداً سأكون في طهرانً" يرد مصطفى

"جميل جداً سألقاك في موعدنا وفي نفس المكان كي تحدثني بالتفاصيل" يحدثه علي يونسي، ويغلق الإتصال بينهما

يجلس علي يونسي وحيداً على الكرسي في الحديقة ويفكر بالأحداث السابقة واللاحقة المتوقعه

المسألة كلها عبارة عن عملية غطس بالمياه. من له القدرة القصوى على حبس أنفاسه بشكل أطول يفوز. الرئاسة الحالية للجمهورية كان لها إسلوب عمل وهو كسب الأوروبيين. وهذا الإسلوب أثبت فشله

قريباً سينتخب الشعب الرئيس الجديد. هذا الرئيس يجب أن يأخذ الجميع لأبعاد أخرى بعيدة عليه تشتيت تركيز العالم ولو قليلاً. يشتري لنا الوقت، فقط قليلاً من الوقت هو ما نحتاجه

+++++

"صباح الخير سيد ويراب" يأتيه الصوت من خلفه

يلتفت بول ويراب الذي كان جالسا على مكتبه أمام النافذة للخلف ليواجه سامي وإندرا

"آآآه ، مرحباً بمتدربينا الجدد" ينظر لساعته

"جيد جداً، لقد جئتما باكراً. كما هو متفق، سأطلعكم اليوم على جهاز الكشف الجسدي المتكامل للكشف عن النظائر الإشعاعية. سنقضي نصف اليوم أولاً بالحديث عن الأجهزة وما تتطلبه من إستعدادات، ثم سنذهب لعملية الكشف الفعلية

بعد الغداء سأعاود الجلوس معكم لمناقشة نتائج الفحص. لذا سنقضي طوال اليوم معاً" يضيف ضاحكا قبل أن ينهض من مكانه

"تفضلا بالجلوس حتى أعود لكم، سأقدم لزملائكم بعض المواد المتعلقة ببرامجهم التدريبية، سيقتضي مني ذلك بعض الدقائق" يتركهم بول فيشير سامي لإندرا بأن تجلس عل الكرسي الأقرب لمكتب بول بينما يختار الكرسي المجاور للباب

مقابلهم مباشرة كانت منصة لشاشة عرض. يلتفت سامي للمنضدة الصغيرة التي تفصل بين كرسيه وبين كرسي إندرا، كانت تعلوها آلة للعرض من تلك المستخدمة للإتصال بالكمبيوتر، كانت مغطاة بغلافها النايلوني

"يبدو أننا سنشاهد عرضاً علي الشاشة" متحدثاً مع إندرا

"أرجو أن يكون عرضاً سينمائياً مشوقاً" تجيبه ضاحكة

يعاود بول الدخول للمكتب

"حسناً، الزملاء سيكونون على ما يرام، أما بالنسبة لكما فكل شيء تم ترتيبه مسبقاً، كل ما علي هو توصيل الكمبيوتر بجهاز العرض هذا" يكمل حديثه بعد أن يرفع الغطاء النايلوني عن جهاز العرض

+++++

"مرحباً!" يحيييه القادم بإتجاهه بإبتسامة عريضة فيهز رأسه بالتحية وهو يتجاوزه بالسير عبر الممر

يا للسخرية، يقول في نفسه وهو يتذكر ما فعله مع هذا الشخص الذي حياه تواً، دون أن يكون للأخير أية دراية عن فعلته صبيحة هذا اليوم عندما قام بإقتحام جهاز الكمبيوتر الخاص به وذلك بعد أن إستخدم معلومات الدخول عبر مذكرات ذلك الأحمق الآخر ... يكتم الضحكة التي واتته

المهم، فلقد قام بنسخ محتويات جهاز الكمبيوتر بالكامل على القرص الصلب المحمول، والذي لا يتعدي حجمه حجم علبة السجائر. يتذكر وأصابعه تداعب أداة القرص الصلب داخل جيب معطفه، كيف تم تعليمه على التعامل القرص الصلب. لديه خاصية قوية وهي قدرته على التعامل مع الأجهزة الحديثة

لقد نفذ الأمر الذي أوكل إليه بنجاح ولم يقتض الأمر وقتا طويلاً، فقد إنتهى كل شيء قبل أن يأتي الموظفون إلى المختبرات

كيف سيستخدمون المعلومات التي خزنها هذا الجشع على جهاز الكمبيوتر الخاص به، يتسائل مع نفسه. إنهم يخططون لتهديده أو للإقتصاص منه بشكل ما. كل ما عليهم هو تهديده بفضح أمره، الأمر الذي سيجعل ذلك التعس يفكر كثيراً قبل أن يهددهم بكشف ما إقترفه هو بنفسه. سيسكت على مضض ويكتفي بما قد تم دفعه إليه

لا أعتقد أن الأمر يعنيني كثيراً، فحصتي من العملية مضمونة. يفكر مع نفسه وهو متوجهاً إلي مقر عمله اليوم. الوقت سيمضي بطيئاً، لذلك أتى بمجموعة من الطوابع التي إشتراها مؤخراً ليقوم بمعاينتها وتصنيفها

+++++

"حسناً، هيا بنا نبدأ" يحدثهم بول


إنتهى الجزء الأربعون
ويتبع في الجزء القادم

Sunday, April 16, 2006

رواية الدانوب الأحمر – الجزء التاسع والثلاثون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية

"صباح الخير" يبادرهما يولا بالتحية. "هناك أحجية جديدة تنتظرك يا سامي، لقد وضعها إينـزيو للتو" يكمل

يتجه سامي تصحبه إندرا مباشرة نحو اللوحة لقراءة أحجية إنزيو الجديدة

"يبدو بأن لغز اليوم يعود لزمن الغرب الأمريكي"، تعلق إندرا بتهكم بعد أن بدأت بالقراءة

يصل منقب للمعادن لأحد المدن ببداية شهر مايو، فيبحث عن مكان للسكن. بتلك الأثناء كان لا يمتلك الكثير من النقود، إلا أن بحوزته بعض المعادن النفيسة

يتفق مع صاحب السكن بأن يدفع له الأجرة حالما يتوفر لديه المال آخر الشهر، ولكن بالوقت الحاضر سيسلمه يوميا قطعة من الفضة على سبيل التأمين على أن يسترد القطع جميعها حالماً يسدد قيمة الأجرة

كان بحوزته قضيباً من الفضة يبلغ طولة ٣١ بوصة، فعرض على المؤجر أن يعطيه بوصة من قضيب الفضة كل يوم، فوافق الأخير

نظراً لأن أيفاءه بالإتفاق المبرم يستلزم عليه قطع القضيب ونشره إلى قطع صغيرة، وهو أمر مضني ويترتب عليه خسارة بعض برادة الفضة التي ستتبدد، فقد إتفق مع صاحب السكن على أن تكون القطع غير متماثلة

ففي اليوم الأول سيسلم صاحب السكن قطعة طولها بوصة واحدة، بينما في اليوم التالي بدلاً من أن يسلمه قطعة ذات طول مماثل سيسلمه قطعة طولها بوصتين، ويسترد منه القطعة الأولى، وهلم جرا خلال الأيام التالية ستتم مقايضة القطع بطريقة توفي بعملية الدفع

"ما هي الطريقة التي يتحتم على المنقب إتباعها والتي تفي بالغرض وبنفس الوقت تكون عمليات قص القضيب هي الأقل؟" هذا هو سؤال إينـزيو

"ماذا ترى يا سامي؟" تسأله إندرا

يهز سامي رأسه يمنة ويسرة كمن يفكر بشيء وهو عارف للحل ومحدثاً بعض الحركات بشفتيه ، "هذه الأحجية ليست بالصعبة، ولكنها تتطلب بعض التحليل الرياضي" يرد

"أتعني إنك عرفت الحل؟" يسأله يولا. "إني آمل ذلك من صميم قلبي. إن كنت قد عرفته فأرجو منك تسجيله قبل أن يسبقك ذلك الأمريكي المتعجرف" يكمل يولا

"سأدون الحل بعد الغداء" يغمز ليولا مبتسماً ثم ينظر لإندرا، "أعتقد أن نشاطنا اليوم سيكون متعلق بنا نحن، فقد وعدنا بول بأن يقوم بقياس المحتوى الإشعاعي داخل أجسامنا" يحدثها

"آه، نعم. ستقومان اليوم بإستخدام جهاز الكشف الجسدي المتكامل. ستكون تجربة فريدة لكلاكما. هي تجربة فريدة لأي شخص على أي حال. أأنتما جاهزين للإستحمام؟" يرد يولا مبتسماً

+++++

في ناحية أخرى من العالم

يترجل من سيارة الأجرة بعد أن يدفع الأجرة للسائق ويدخل لمجمع التسوق. لم يكن المكان مزدحماً بعد، يقضي بعض الوقت في النظر لنوافذ المحلات. أثناء سيرة كان يعاود السير للخلف بعشوائية متظاهراً بإعادة النظر للبضائع وكأن شيئاً قد فاته النظر إليه، إنه يعاود التأكد من أن أحد لايراقبه

ينـظر لساعته، ثم يتجه لركن المصاعد والسلالم. يتأكد من خلو المكان ثم يأخذ الدرج للقبو، حيث مواقف السيارات

المواقف السفلى بهذا الوقت تخلو من الناس، وتحتوي على عدد قليل من السيارات. إحدي السيارات كانت تقف بعيداً بإحدى الزوايا، كانت عبارة عن فان قديم
يتجه لها وهو يعاود النظر للتأكد من خلو المكان وما أن يصبح على مسافة خطوة من السيارة ينزلق الباب الجانبي مفتوحاٍ فيقفز داخل السيارة، ويقفل الباب خلفه بسرعة، ليشغل السائق المحرك وتنطلق السيارة إلى المخرج

يتبادل التحية مع الوجوه المعتادة داخل السيارة والتي تخلو من نوافذ جانبية. تنطلق السيارة في شوارع المدينة. يعاود تذكير نفسة بكمية التقدم السريع التي تطرأ على هذه المدينة كلما قام بزيارتها

سرعان ما تصل السيارة إلى وجهتها، أحد المواقف العمومية. يأخذ السائق تذكرة الدخول وينطلق نحو الطابق السفلي. المكان يماثل الموقف السابق ويكاد يخلو من المارة والسيارات. تتوقف السيارة بموقف يجاور أحد الزوايا ويخرج السائق من السيارة ويقفلها، ثم يتوجه لأحد المصاعد وهو يرقب المكان

يتوقف عند المصاعد وهو يضع يداه داخل معطفه الذي يخفي ما يحتويه من عتاد خطر. الموقف الآن يخلو من المارة، بإسثناء رجل يقف بعيداً. ينظر السائق اليه ثم يخرج يداه من معطفه ويرفع يده اليمنى ليدعك خده الأيسر، فيقوم الرجل بالإلتفات على يساره قبل أن يعاود مواجهة السائق، ثم يخرج جهاز الهاتف النقال ويقوم بمحادثة سريعة

سرعان ما تصل سيارة جيب ذات نوافذ مظللة كانت تقف في الطابق العلوي للمواقف، فتتوقف على مقربة من سيارة الفان. وبعد فترة قصيرة يفتح الباب الجانبي ليترجل بوبوف من الفان متوجهاً للسيارة الأخرى، فيفتح له الباب الخلفي فيدخل السيارة ليجلس على يسار الراكب، مصطفى طاهري

"نلتقي مرة أخرى يا صديقي" يبدأ بوبوف بالحديث. "أرجو أن تكون مستمتعاً بوقتك في دبي؟" يسأله

يهز مصطفى رأسه بلا مبالاة قبل أن يبدأ بالحديث

"لندخل في صلب الموضوع. ما هي التطورات في الخطة؟" يسأله مصطفى

"كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة يا صديقي، والأمور تسير على ما يرام" يرد بوبوف

"هل من مشاكل؟" يحدثه

"لا شيء لا نستطيع معالجته بأنفسنا وفي الوقت المناسب" يرد بوبوف بتأكيد لترك الإنطباع المثالي

"ما معنى ذلك؟" يسأله مصطفى بجفاء وبشيء من الريبة

"أقصد الأطراف المعنيين بالعملية، لقد أوشكنا على الإنتهاء من كل ما إتفقنا عليه وسرعان ما سنكون في حل منهم و ..." يكمل بوبوف

"لا شأن لي بذلك ولا يهمني ما ستفعلة معهم، لا شيء يهمني سوى المحافظة على سرية إتفاقنا ونجاح مهمتنا" يقاطعه مصطفى

"لا تقلق يا صديقي، فلقد دفعنا لهم بسخاء لم يكونوا يحلموا به، وليس من مصلحة أي منهم البوح بما قاموا به. وحتى إن بلغ بأي منهم الغباء ليكشف جانبه بالعملية، فإن ردنا عليه سيكون حاسماً وسريعاً" يرد بوبوف

"هذا الأمر متروك لك، والآن أعلمني بآخر ما تم تنفيذه" يطلب منه مصطفى

يلخص بوبوف له تطور العملية، "وكالعادة فإن الملخص الكامل بالعملية قد بعث لكم كوثيقة مشفرة عبر الإنترنيت، و بهذا نكون قد إستوفينا ما إتفقنا عليه. سرعان ما سيعلن عن النتائج التي توصل إليها المختبر، وستتناقله وسائل الإعلام، وسيكون لكم ما أردتم" وبذلك يختم بوبوف حديثه

يطلق مصطفى زفير متثاقل ، "ما نحتاجه هو الوقت، وإحراج الجانب الآخر" ويرد عليه

"عدوكم أو كما تسمونه بالشيطان الأكبر هو عدونا يا صديقي" يرد عليه بوبوف ضاحكاً

ينظر إليه مصطفى وهو يفكر، هذا الوغد يتلاعب بالأكاذيب، إنه يدين بالفضل للغرب الذي أتم له مايريد، فلولا نجاح المعسكر الأمريكي في تحطيم الإمبراطورية السوفيتية لكان هذا التعس لايزال يرزح تحت سطوة المطرقة والمنجل، بدل أن يكون هنا ليطالب بما قد أتى من أجله

"حسناً، أعتقد أن هذا يستوفي الشروط، وعلى ذلك فسأطلب تحويل الدفعة المالية المتفق عليها" يرد مصطفى


يخرج الهاتف النقال ويجري محادثة سريعة، "هل الإرسال جيد هنا؟" يسأل بوبوف

"نعم لقد تأكد فريقي من ذلك" يرد مصطفى، وما أن ينهي المكالمة حتى يلتفت لبوبوف، "ستصل الدفعة للحساب المعتاد خلال دقائق" يحدثه

يخرج بوبوف هاتفه النقال ليجري مكالمة بدوره والتي تاخذ منه دقائق لا أكثر. يغلق الهاتف ليواجه مصطفى مبتسماً، "بهذا سيكون كل شيء جاهزاً للأيام المقبلة، وبعدها سيكون هناك متسع من الوقت لكم لتطوير برنامجكم دون أن يجرؤ الأمريكيون أن يثيروا الغرب والعالم عليكم. عليك أن تكون مرتاحاً يا صديقي، عليك أن تسعد بنفسك هنا خاصة وأنك بعيدا عن رؤسائك وتطفلهم عليك وأن تقضي أوقاتاً ممتعة ..." يحدثه بوبوف ضاحكاً

أيحاول هذا القذر إغوائي بالمنكرات والشذوذ؟ يفكر مصطفى وهو يلعن الأحوال التي أوجبت عليه التعامل مع أمثال هذا الكافر الحقير. قبل أن يفكر في شيء يرد فيه على بوبوف إنطلق الهاتف المحمول للأخير

يتحدث بوبوف سريعا قبل أن يغلق الهاتف، ويلتفت ليحدث مصطفى مبتسماً، " يا صديقي، لقد أبلغني المسؤول عن المحاسبة بالمنظمة أن المبلغ قد وصل فعلاً إلى الحساب ببنكنا في جزر الكايمان. أنتم أفضل من تعاملت معه على الإطلاق" يمد يده لمصافحة مصطفى الذي أعطاه يده بدوره بدون حماس

"حظاً موفقاً يا صديقي، كل شيء سيكون على ما يرام" يقول بوبوف وهو ينزل النافذة قليلاً لينظر للخارج، حيث يومئ له من بالفان أن الأمور على مايرام. يفتح الباب ويخرج متجهاً للفان، وتنطلق سيارة مصطفى مغادرة المكان


إنتهى الجزء التاسع والثلاثون
ويتبع في الجزء القادم

Tuesday, April 11, 2006

الهمبة يا بومريوم


بالفصيح مانجو

تذكرت بومريوم وعشقة للمانجو وآنه بالجمعية أتمقل بكراتين الألفونصو

أخذت لي كرتونين، وطحت له أكل

الحساسية حاشت هدب إعيوني

لعنبوك إبليسك إيستش، تدري إنك ما تتوالم مع الهمبة ليش تاكلها

مقيولة، إبطيـ ...ني




Sunday, April 09, 2006

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثامن والثلاثون

إني أعتذر من زوار المدونة الكرام والمتابعين لرواية الدانوب الأحمر للتأخير في إستكمال الحلقات. وها نحن نبدأ مرة أخري

ملخص الإسبوع الأول
سامي عبدالهادي، شاب كويتي، تم إبتعاثه للمشاركة في مختبرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا للتعرف على أساليب الكشف عن التلوثات النووية في البيئة. تتوالى الأحداث بتداخل الشخصيات، كلٍ لديه أجندة خاصة به لغرض معين. فمنهم المشرفين على المختبرات ومنهم متدربين من دول اخرى. إلاّ أن متدربة واحدة لفتت إنتباهه ، فعلى ماذا ستنتهي الأحداث



رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثامن والثلاثون

هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية

تحذير: هذه الحلقة تحتوي على لغة تعبيرية قد لا يستسيغها البعض، لذا وجب التنويه


*** بداية الإسبوع الثاني ***

"إنها تسمى أوسو بوكو، وهي وصفة من ميلانو، وترجمتها الحرفية العظمة المجوفة ولكنها ببساطة عظام ساق لحم العجل تطبخ في مرق اللحم ومتبلة بالنبيذ الأبيض وطماطم وأعشاب عطرية" يحدثها بينما هو منهمك بالطبخ ، "نضع جميع المقادير بالفرن لمدة نصف ساعة تقريباً بعد الطبخ لإكمال النضج" يكمل

يدير منبه التوقيت، تلف ذراعيها على خاصرته وتضمه "وماذا نفعل في الأثناء؟" تسأله

يلتف نحوها ويقابلها وجهاً لوجه ويبدأ بالمغازلة

يبدأ الموقت بإصدار أزيزه المزعج ويحاول توقيف الصوت بينما هو منهمك معها. الصوت لا يتوقف على الرغم من محاولاته، وفجأة يفتح عينيه وينظر حوله باحثا عن مصدر الإشارة الإلكترونية. يمد يده إلى المنبه بقرب رأسه ليصمت الصوت. يا له من حلم جميل حري به أن يتحقق
ينهض من سريره بتثاقل ويقعد بأطراف السرير ممدداً جسده متثاوباً يتجه بنظره نحو النافذة. الظلام لا زال يخيم على المدينة. يتجه بخطوات ثقيلة نحو النافذة ويطل على الشارع. رويداً الحياة تدب في الشارع بالأسفل. قليل من المارة. بالكاد تتحرك العربات والسيارات بالشارع. أغلب السيارات ما زالت متوقفة على جانبي الطريق. واحد، إثنان، ثلاثة، يبدأ بعد السيارات بلا سبب واضح. هل سيارة فان المتوقفة أمام مخبز الأنكور تعد بمثابة سيارتين؟ يسأل نفسه. يا للسخافة، علي البدء الآن، السماء تبدو صافية ولكن الجو يبدو شديد البرودة

يبدأ بالإستعداد لرياضة العدو كما إعتاد كل صباح. ينظر للرف السفلي في الخزانة، فيتذكر أنه بحاجة لأخذ بعض الملابس للتنظيف. بعض الملابس تحتاج للتنظيف الجاف، يبحث عن الكيس البلاستيكي المخصص لهذا الغرض وبسرعة يعبيء النموذج الخاص لهذا الغرض. أما البقية من الملابس سيقوم بغسلها بنفسه في غسالات مقر السكن، لكن عليه الإستفسار عن النقود اللازمه لأجهزة الغسيل

يفتح سامي باب الغرفة حاملاً كيس الغسيل لتسليمه لموظفة الإستقبال في طريقه للخروج لأداء التمارين

إنه بداية إسبوع جديد، ويوم أثنين طويل يفكر لنفسه بينما يقوم ببعض تمارين التمدد. ها نحن نبدأ، ويبدأ بالعدو

+++++

السكون يلف المختبرات. لقد أتى مبكراً خصيصاً للغرض الذي أوصي به. فحتى موظفات النظافة لم يبدأن عملهن بعد. هو مطمئن بأن تواجده المبكر بالمختبرات لا يبعث أية شكوك. ففي الآونة الأخيرة أكثر من قدومه مبكراً متعمداً كي تصبح عادة مقبولة لدى أمن المختبرات، مما جعل قدومه اليوم روتين. يتجه مباشرة للمكتب الكائن في نهاية الممر بالطرف الأخير من المبنى

يفتح الباب بمفتاحه المعتاد، يخرج مصباحه الصغير ويتجه للمكتب الذي تبدو على سطحه علامات الفوضى المنتشرة حول الغرفة. لحظة واحدة! يقف مفكراً. لو رآني أحدهم ومعي المصباح، سيثير ذلك من الشكوك أكثر من تواجدي في المختبر هذه الساعة. علي أن أكون على سجيتي فيبدو الأمر وكأنني أبحث عن شيء ما فقدته. نعم، هذا ما يجب علي فعله. يغلق المصباح ويحرك مفتاح إضاءة المختبر، ثم يتجه مرة أخرى نحو المكتب ماداً يده نحو الدرج السفلي، حيث يمكث هدفه، ليفتحه

بعناية يقوم بإزالة أكياس وعلب الحلوى المختلفة حتى يعثر على ما يريد. يخرجه ويضعه على ركن خالي من سطح المكتب. يقوم بتصفح الدفتر الأسود باحثاً عن إسم معين

هذا التعس لا يعلم أن حبه للتلصص على ما يقوم به الآخرين هو أحد أسوأ الأسرار في المختبرات، ألا أن الجميع ليسوا على علم أنه يحتفظ بهذه المعلومات مسجلة كتابة في دفتر يحتفظ به في مكان العمل، فهو لا يثق بالوسائل الإلكترونية لحفظ المعلومات. سيتغل حرص هذا المهرج لمعرفة المدخل إلى ما يريد من هدفه

يتصفح الدفتر حتى يعثر على ما يريد. يمد يده لجيبه ليخرج دفتر المدونة وقلماً ليسجل المعلومات التي أتى من أجلها. يعيد المدونة والقلم لجيبه، ثم يعيد الدفتر الأسود بعناية لمكانه أسفل الدرج، ويغطيه بعلب الشوكولاتة وأكياس الحلوى. يغلق الدرج وينظر للمكتب للتأكد أنه لم يترك ما يثير الشبهات. يفتح باب المكتب وينظر للخارج بحرص، لازال المكان خالياً. يغلق المصباح ويخرج من المكتب ويغلق الباب خلفه

لم يستغرق الأمر أكثر من دقائق معدودة للحصول على ما يريد ودون أن يشعر به أحد. إنه بحاجة لشيء آخر، وذلك يتطلب الذهاب لمكتب يقع بالناحية الأخرى من مبنى المختبرات. ينظر لساعته، ما يزال الوقت مبكراً

+++++

يفتح بوبوف عيناه وبالكاد يستطيع الحراك بعد مجهود ليلة البارحة. لقد أصبح جسده مترهلاً. ينظر لساعته بينما ضياء الشمس يملأ الغرفة، ومع ذلك فالوقت ما زال باكراً. ولكنه يفضل أن يكون مستعداً لمثل هذه المهام والشخص الذي سيلتقيه يشاركه هذه العادة

ينظر للغرفة من حوله، حيث الجناح البانورامي الفاخر الذي إعتاد عليه كلما زار المدينة. ينهض من الفراش ويتجه للنافذة التي تمتد من الأرض حتى سقف الغرفة. يفكر للحظات بينما يفرك بيده منطقة عانته متلاعباً بعضوه الذكوري. من هذا العلو الشاهق ومن خلال النافذة ينظر لمياه الخليج الدافئة الممتدة إلى نهاية الأفق. ياله من فارق شاسع بين الجو هنا والجو في موسكو الآن
حسناً، عليه الإستعداد للقاء الطرف الآخر. يتجه لحمام الجناح فيتذكر أمر ما.
يتجه للسرير ويسحب الغطاء الساتن الحريري. يا له من قوام. يتابع وبنهم جسدها العاري وهي ممتدة ونائمة على صدرها. يتأملها للحظات. تراوده الأفكار بالبدء جولة أخرى من الغزل معها. لا، لدي موعد مهم. علي أن أكون بأفضل حالة، جسدياً وعقلياً. يضرب الفتاة النائمة بجفاء على مؤخرتها البارزة فتستيقظ بذعر وتنظر إليه. يقرقع أصابعه ويشير إليها بإبهامه لأن تنصرف. ترتدي ملابسها بسرعة وتنصرف دون أن تنطق بكلمة واحده

+++++

يستيقظ هنري ستيفنسن من نومه بتثاقل في غرفته بفندق الكراون بلازا. اليوم تبدأ مهمته رسمياً وعليه الإستعداد لذلك. يتجه لفتح النافذة لتفحص الجو، إنه اليوم شديد البرودة

حسناً، إن كل ما أحتاجه جاهز بحقيبتي، يفكر لنفسه، وما علي سوى الذهاب لمقر الوكالة، ثم سأستقل الحافلة ظهر اليوم للذهاب للمختبرات

من الغد سيكون عليه إستقلال الباص للذهاب رأساً للمختبرات، يفكر وهو يتجه لحمام الغرفة. عليهم بالدفع أكثر لقيامي بهذا العمل

+++++

يمسح الصابون من على وجهه إستعداداً لحلاقة ذقنه. ينظر لنفسه في المرآه وهو يشعر بالزهو. منذ سنوات وهو يتوق لتملك فيلا من تصميم مايلو رامبالدي، وأخيراً هذا الحلم سيصبح حقيقة

يبدأ بالحلاقة بإستخدام الموس. يتذكر أيام الفترة الماضية والمهارات التي أبداها بالتعامل. لقد كان الأمر دقيقاً وقد إستدعى الكثير من الحذق كما لو كان المراد هو حفظ الإتزان على حافة شفرة حادة، فيضحك في نفسه. لقد تطلب الأمر الكثير من التعامل الحذق مع الأطراف الذين يتعامل معهم، والآن يبدوا أنه قد أفلح في تحقيق مكاسب أكثر مما كان يتصور وذلك عن طريق التلاعب بما يمتلكه من المعلومات بين الطرفين

نعم، سيحقق مزيدا من الربح، ولكن السؤال الآن، من منهم سيدفع أكثر؟ يبتسم مع ورود السؤال في خاطره. لا يهم، المهم الدفع بأعلى سعر

+++++

يبدو أن يومنا اليوم سيكون موفقاً، يحدث مجيد نفسه. فالصيد حتى الآن وفير، يتجه بنظره نحو أبيه عباس. كانا يستعدان لإلقاء الشباك في مياه الخليج من قاربهما مرة أخري

اليوم سيكون يوم صيد إعتيادي لهما، ولا يستدعي مهام أخرى تتطلب توفير خدمات ذات غايات غامضة مع أطراف من ذوي النوايا المجهولة

ولكن هل ما يقومان به صحيح؟ يسأل نفسه. لم لا يكون صحيحاً. يرد على سؤاله. فما يقومان به لم يضرا به أحد. فما المشكلة إذاً. ثم ما العيب في تجميع القليل من المال؟ الجميع يقوم بذلك. أغلب أصحاب المراكب يقومون بتهريب البضائع بل يستميتون بإبتكار حيل إخفاء ما يجلبونه من أعين رجال الجمارك. والآخرين أصبحوا جريئين أكثر برشوتهم لرجال الجمارك

نعم لا ضرر ما نقوم به، آن الآوان بالإلتفات نحو أنفسنا ونفسي. إن معصومة لن تنتظرني طويلاً ولا أبيها. فليذهب الجميع إلى الجحيم. إنه عالم متوحش البقاء فيه لمن لديه الدولار، وهذا ما لدي

+++++

بين النوم واليقظة، يسترعي إنتباهه نبرة صوت معينة. الأمر يجره لليقظة التامة، فيسارع بالنظر للأجهزة الملاصقة للسرير

الأمور كان لا تزال على ما هي عليه، نبرات الأجهزة كانت تعلمه بأن زوجته لاتزال تصارع الموت، بينما تتشبث بما بقي لها من بارقة الحياة. المورفين قد يقلل من آلامها، إلا أنه يعني أن مواجهتها مع الموت ستكون صامتة وهي بحالة اللاوعي
يعود الإسترخاء بكرسيه وهو ينظر إليها. كل ما فعلته كان لأجلك عزيزتي، محدثاً نفسه، وها هو يذهب أدراج الرياح هباءاً منثوراً بلا فائدة

+++++
آه، أيتعين علي النهوض الآن ؟ تفكرللحظات وهي تنظر لساعة المنبه بعين شبه مغمضة. تستمر بالإستلقاء وتلقي بنظراتها نحو سقف الغرفة بينما تتدفق الأفكار إلى مخيلتها

أحقا مضى أسبوع علي في فيينا؟ كم تمضي الأيام متسارعة، خاصة عندما تحتوي أوقاتاً سعيدةً. تتذكر سامي، فتغمض عيناها بينما تتململ في سريرها وتعلو الإبتسامة وجهها

وفجأة تتذكر الأمر الذي جاءت من أجله، نعم هناك الكثير من الأمور التي يتحتم عليها إنجازها. النجاح هو غايتها ولا مكان للإخلال بهذا الهدف . تتذكر أنها وعلى الرغم من إمضائها الكثير من وقت عطلة نهاية الأسبوع مع سامي، إلا أنها قد أنجزت الكثير، إلا أن عليها مراجعة ما أنجزته حتى الآن. حسناً إذا، ستقضي بعض الدقائق في التدقيق وتبيان المعلومات المتوفرة لديها حتى الآن، قبل أن تدخل للحمام لتستعد لليوم الجديد

تنهض من السرير متوجهة للطاولة. تجلس على الكرسي وتشغل جهاز الكمبيوتر المحمول، تتناول حقيبتها وتخرج منها كاميرتها الرقمية




إنتهى الجزء الثامن والثلاثون
ويتبع في الجزء القادم