رواية الدانوب الأحمر – الجزء الحادي والأربعون
هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية
"حسناً، هيا بنا نبدأ. ما سنقوم به اليوم هو إمتداد للعمل الذي بدأتموه الأسبوع الماضي في الإعداد لقياسات محتوى النظائر المشعة لفتونات الغاما" يبدأ بول حديثه لسامي وإندرا مستخدماً شرائح العرض التي أعدها ببرنامج الباوربوينت
"إلا أن اليوم فالعينة بدلاً من أن تكون سائلاً أو تراباً أو مادة غذائية توضع بعبوة المارينيللي، ستكون إنساناً ينبض بالحياة، أنتما ستكونان العينات لهذا اليوم" يقولها لهم مبتسماً
"سنقوم بقياس ما تحتويه أجسادكما من مقدار النظائر النشطة لإشعاعات غاما، وأيضا لأشعة إكس كما كان الحال بالنسبة للعينات البيئية مثلاً
النظار هي نفسها سواء تلك التي تعود لأصول طبيعية كاليورانيوم-٢٣٨ والنظائر المتعلقة بإنحلاله الطبيعي، أو البوتاسيوم-٤٠ مثلاً
علاوة على ذلك بالطبع، هناك النظائر النشطة التي نتجت بفعل الحضارة الإنسانية كأعمال التعدين والتنقيب، وأيضاً بفعل الإستخدامات النووية والحوادث المتعلقة بها كحادث تشيرنوبل قبل عشرين عاماً تقريباً
هذه النظائر تشمل اليورانيوم-٢٣٥ والسيزيوم-١٣٧ والبلوتونيوم، عوضاً عن نتاج إنحلال هذه العناصر من نظائر أخري كالتيليريوم والنيبتونيوم ... إلخ
هناك عدة أنواع من الكواشف الجسدية المتكاملة. بعضها مصمم للكشف السريع وقوفاً، وبعضها يتطلب عدة جلسات. الجهاز الذي سنستخدمه اليوم سيفي بغرضين، الكشف المتكامل للجسم، وفحص منطقة الرئتين
لربما كانت رئتي الإنسان من أكثر أعضائه عرضة للإتساخ، إن صح التعبير. ما أقصده هو أن أعضاء الجسم جميعها معرضة لتراكم المواد العضوية وغيرها عبر عمر الإنسان، سواء كانت هذه المواد حميدة كالدهنيات أو الأملاح والمعادن، أو تكاثر للخلايا السرطانية مثلاً والتي يمكن التخلص منها طبيعياً أو طبياً
ألا أنه بالنسبة للرئة، فإنها مكان تتجمع فيه نسب نزرة من كل شهيق يستنشقه الإنسان طوال حياته، ولا سبيل لتنظيفها من الأذي الذي يمكن أن يترسب بداخلها إن أساء الفرد - بقصد أو بدون قصد - إستخدام رئتيه
مثال ذلك تجمع الأغبرة والجرافيت لدى عمال المناجم، أو الترسبات القطرانية لدى المدخن مثلا" يقوم سامي بالتنحنح والنظر لإندرا، التي فهمت مقصده فوراً ويبتسم بول وكأنه فهم المغزى أيضاً
"تشكل النظائر المشعة جزء من هذه الرسوبيات داخل الرئة، ولذلك يتحتم قياس المحتوى الإشعاعي لمنطقة الرئة بحرص، وذلك عن طريق زوج من مقاييس الغاما تكون مسلطة على منطقة الصدر طوال فترة الفحص
الغاية الأخرى للفحص ستكون الكشف على الجسم بشكل عام، فالنظائر الإشعاعية تتجمع أيضا بأنسجة الجسم. وقد ذكرت البوتاسيوم-٤٠ والذي يشكل نسبة ١ من عشرة آلاف من نسبة البوتاسيوم بالطبيعة مثلاً، فالبوتاسيوم عنصر يحتاجه الجسم كيميائياً بغض النظر إن كانت ذراته مشعة أم لا. كما أن هناك نظائر قد تحل كيميائياً محل عناصر أخرى، فالسترونشيوم بديل للكالسيوم، وهو المكون الأساسي للعظام
بعض العناصر قد تكون مذابة بالمحتوى المائي، أي أن تركيزها مرتبط بما يتناوله الإنسان من أطعمة وما يتخلص منه عن طريق الإخراج. بعض النظائر قد تتراكم بالمحتوى الدهني داخل الأنسجة، أي أنها ستترسب داخل أعضاء الجسم ..." يسمع طرق على الباب، فيقوم بول بفتحه ليدخل رجلاً طويلاً مع سيدة شقراء كانا يحملان أكياس وبعض المظروفات
"مرحباً، جئتما في الوقت المناسب" يحيهما بول ويقدم المجموعتين لبعضهما، "سامي ، إندرا، هذا هو الدكتور فريدرك أبزيـير و مساعدته الممرضة نورا" يجلس الجميع بعد الإنتهاء من التحية
"بالطبع وكمثل العينات الأخرى، ليست كل النظائر مشعة بفوتونات الغاما. هناك النظائر التي تطلق جسيمات الألفا والبيتا. ولكن ما يهمنا هو المحتوى الإشعاعي من النظائر التي تمر من الجسم والتي تعوض وتتبدد بفعل الغذاء. لذلك سيتحتم عليكما تسجيل بعض البيانات كما سيوضح لكم الدكتور أبزيير" ينهي بول حديثه
"لنتصور أنكما تعيشان ببيئة ملوثة إشعاعياً، وما تتناولانه من الأطعمة ملوث كذلك كونه من البيئة المحلية. بعض هذه الملوثات سيمر من الجسم عن طريق الفضلات" يحدثهم الدكتور أبزيـير بدوره
يناول كل منهما مجموعة من الأوراق ويكمل، "عليكما من الآن ولمدة أسبوع تعبئة هذه النماذج بكل ما تتناولانه من الأغذية و المشروبات. يجب أن تكون ملاحظاتكم دقيقة بحيث أن تحتوي، على سبيل المثال، على كميات أكواب القهوة مثلاً أو كمية ونوعية الملح المضاف للطعام، وكذلك بالنسبة لأي أدوية تتعاطانها
عليكما أيضاً تسجيل الأنشطة البدنية التي تقومان بها، نوعيتها والمدد التي تمارسون بها الرياضة مثلاً" يشير لنورا التي تناوله كيسين بلاستيكيين يقوم الدكتور أبزيـير بتسليم كيس لكل من سامي و إندرا
"داخل كل كيس ستجدون عبوة بلاستكية ذات غطاء محكم. الغرض من العبوات هو يستخدمها كل منكما لتجميع الفضلات السائلة خلال الأسبوع القادم أو حتى تمتليء العبوة. عندها عليكما إحكام إغلاق العبوة ووضع الختم الخاص بها بعد تسجيل الرقم الذي سيتسلمه كل منكما، ثم وضع العبوة داخل الكيس المرافق لها وتسيلمه مع بياناتكم لي أو لنورا، وسنقوم بالتكفل بالباقي. بالمناسبة، ستجدون مكان عيادتنا عند مداخل المختبرات على يساركم" يهز سامي رأسه بالإيجاب، فلا زال يتذكر تعليمات روبي لهما بفتح ملف طبي في العيادة عندما قابلتهما الأسبوع الماضي
+++++
"والآن قبل أن نتوجه لوحدة الكاشف الكلي، ألديكما أي سؤال؟" يختتم بول ويراب حديثه مع سامي و إندرا، اللذان يجيبانه بالنفي
"حسناً إذاً، لديكما الآن فكرة حول كيفية إستخدام الكاشف، وطرق التعامل مع طريقة الكشف. يتحتم علي أن أعيد تذكيركما بأن الكاشف يتطلب دخول كل منكما لغرفة الكشف إنفرادياً، والكاشف بحد ذاته قفص معدني كبير. هل يعد ذلك مشكلة لأي منكما؟ أقصد هل يعاني أياً منكما من فوبيا، أو خوف من الأماكن الصغيرة المغلقة" ومرة أخرى يجيبانه بالنفي
"جميل جداً، فقط كنت أود التذكير. وعلى أي حال فإنني سأكون على إتصال دائم معكم بواسطة الإنتركوم، ويمكنكم أثناء الكشف الإستماع للموسيقى للتسلية أثناء فترة الفحص. بعض الأجهزة تكون أيضا مزودة بتلفزيون، ولكننا لم نتطور لهذا الحد" يتوقف قبل أن يعلق بمكر، "كما أنه ببعض الأماكن يكون الكاشف مزوداً بكاميرا تلفزيونية، إلا أن وحدتنا تخلو من هذه الإمكانية لمحافظتنا على خصوصية من يستخدم الكاشف" ينظر سامي و إندرا لبعضهما، فقد فهما ما يقصده بول، ويبتسمان
عند مدخل الوحدة هناك غرفة صغيرة تحتوي على بضعة كراسي و طاولة مزودة بكمبيوتر ووحدة الإنتركوم. "الكمبيوتر متصل بالكاشف، وهو يحتوي على نفس برنامج جيني 2000 والذي نستخدمه بالمختبر لفحص العينات" يعلق بول
"كان هناك باب على يمين الغرفة" يشير إليه بول، "لا حاجة لنا لهذا الباب في الحوال الإعتيادية، فهذا باب الطواريء ويبقى مغلقاً إلا إذا تطلب الأمر أن يدخل أحدهم لغرفة الكاشف لإسعاف المكشوف عليه" يشرح بول
ألهذا سألنا إن كنا نعاني من الخوف من الأماكن المغلقة؟ يتسائل سامي مع نفسه. قد يصل الهلع بمن يعاني من مثل هذه الحالات إلى حد الإغماء
"من هنا سيدخل كل منكما ويخرج" يشير بول نحوالباب الثاني الذي كان ناحية اليسار. "إن لم تكن لديكما أية أسئلة فلنبدأ، ... الآن، من منكما يود الذهاب أولاً؟" يلتفت لإندرا ويقول، "أم إن السيدات أولاً؟" يعلق بول
تبتسم إندرا وتلتفت لسامي، الذي يومىء لها بالإيجاب
"حسناً إذا، سأكون الأولى" تقول إندرا ثم تنهض حاملة الكيس الذي ناولها إياه بول متجهة نحوالباب الذي على اليسار، تدخل ثم تغلق الباب خلفها. يشير بول لسامي بأن يقترب منه حتى يتسنى لهما التعامل مع الكمبيوتر والإنتركوم
"حسنا يا إندرا، هل تسمعينني جيدًا؟" ترد بالإيجاب من الناحية الأخرى، حيث غرفة خلع الملابس
إنتهى الجزء الحادي والأربعون
ويتبع في الجزء القادم
1 Comments:
غرفة خلع الملابس؟؟؟ يا سلاااام!!! راح يصير »كلنا حنقلع وحتبقي زيطه، يلا!«، على قولة عادل إمام في مسرحية: مدرسة المشاغبين :-))
Post a Comment
<< Home