Monday, October 31, 2005

بلاش عتاب وكل عام وأنتم بخير

وصاتني العديد من الرسائل الإليكترونية
وشهر رمضان لم يكن إستثناءاً
ولكن نظراً لظروفي الصحية فإنني لم أستطع الرد عليها
وأنا أود الإعتذار لكل من أرسل تهنئة أو سأل عنا ولم أستطع الرد عليه
فلكم مني كل التقدير والإحترام
وبالمناسبة، تقبل الله طاعتكم وعيدكم مبارك مقدماً

Sunday, October 30, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الرابع والعشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



يعود سامي إلى شقته

يضع جهاز الآي بود على الطاولة بعد أن يشبكه بسلك الشاحن الكهربائي. يبدأ بفتح جهاز الكمبيوتر ويعدل وضعية كاميرة الآي سايت، ويشبك بالإنترنت. يتجه سامي نحو الحمام ليغتسل بعد رحلته المسائية

يخرج سامي وقد إنتعش بعد الحمام الساخن. يتجه مباشرة نحو المطبخ ويسكب الماء الساخن في الكوب ويضيف كيس الشاي. يتجه إلى الكمبيوتر ويشغل برنامج الإئتمار وقد سرح بفكره بمواضيع شتى، ولكن إندرا تشغل حيزاً كبيراً من تفكيره

+++++

في صباح اليوم التالي

يخرج سامي كوب القهوة ويقدمه لها. تبتسم له بإبتسامتها المعهودة

"شكراً. غداً، سيكون الدور علي، سأجلب أنا القهوة" تحدثه

"ولكننا إتفقنا على أن أجلب القهوة كل صباح معي" يضحك

"لا يهم. غداً الدور علي" تقولها وكأنها تتحداه بلطف

"هل وفقت في حل الأحجية؟" تسأله

"أما زلت تفكرين بها؟" يسألها

"لقد حاولت بكل ما أوتيت من قدرة على أن أحلها ولكني لم أستطع، وأنت، ...، أنت تحاول التهرب من الإجابة أجب عن سؤالي" ترد بإبتسامة

"ليس بالضبط. ما زلت أحاول" يجيبها

وتستمر الرحلة إلى المختبرات

يتشتت إنتباهها بمنظر الطبيعة والحقول الخضراء، "يا له من منظر بديع" تحدثه

"عفواً" يرد

"منظر الحقول" ترد إندرا

"ولكنك من بلد لديه الخضرة والطبيعة النضرة" يحدثها

"أنا إبنة مدينة. نادراً ما أرى مثل هذا المنظر. ثم إن الحقبة السابقة حولتالكثير من المناطق في بلدي لغابة من الإسمنت المسلح والأبنية الرمادية القبيحة" تقولها بحسرة

"أنا أفهم شعورك. وإن كان على نقيض ما تقولين. ففي بلدي، تحاول حكومتنا جاهدة تحويل البلد إلى اللون الأخضر، إلا أن أغلب مشاريعها تفشل" يحدثها سامي متذكراً ما يقومه البعض بالرعي الجائر وفي وسط المدينة في بعض الأحيان

"كم هو جميل هذا المنظر. وددت لو كنت شاعرة لأصف هذا المنظر البديع" تحدثه

يحدق سامي بها لبرهة

"ماذا؟ ما الأمر" تسأله مندهشة من تحديقه بها

"نعم، ...، الوصف، ...، أنا متأكد بأن كنت ستصفين المنظر بكل رقة" يرد عليها وإبتسامته ملأ شدقيه

"شكرا سامي" ترد بإستغراب من ردة فعل سامي، إلا أن المدح ملأها إعجاباً به

+++++
وفي الأثناء، في إحدى الحدائق بطهران والجو يميل للبرودة في هذا الوقت من السنة في طهران

"الأمور تسير حسب الخطة، ولكن لا أستطيع كتمان الأمر عنك يا سيدي، أنا لا أثق بهم" يحدث مصطفى طاهري رئيسه

"وأنا لا أثق بأحد منهم أيضاً. هؤلاء ولاءهم للمال. بعد إنفساخ الإتحاد السوفييتي السابق، أصبحت هذه المجموعات مرتزقة ولها اليد العليا والطولى في هذه النوعية من الأمور. ولكن على العموم، هم ما زالوا يحترمون إتفاقنا معهم" يرد عليه رئيسه، على يونسي

"لنأمل أن يظلوا كذلك" يرد مصطفى

"على أي حال، هناك وسائل وخيارات أخرى أمامنا. نحن ما زلنا على الجانب الآمن. إطمئن" يحدثه علي يونسي

+++++

ينزلون من الباص. يتجه سامي مباشرة نحو المختبر وتتبعه إندرا في محاولة اللحاق به وكأنه قد تأخر عن موعد هام، وفي طريقه يقابل يولا

"مرحباً" يحييه سامي

"مرحباً سامي، تبدو مستعجلاً بعض الشيء، مرحباً إندرا" يحدثه ويحيي إندرا

"أود حل الأحجية قبل وصول إينزيو" يجيبه سامي

"أوَ حللت الأحجية بهذه السرعة؟" يولا مستغرباً

"أعتقد بأني أعرف الحل وكل الفضل لإندرا" يجيبه

"لي أنا" مستغربة

يدخلون جميعاً المختبر ويقابلهم كيم

"ما الأمر؟ هل هناك مكروه" يحدثهم كيم

"مرحباً كيم" يرددون التحية لكيم وأصواتهم تمتزج في آن واحد

"لقد عرف سامي حل أحجية إينزيو" يحدث يولا كيم

"أصحيح! سوف ينفجر إينزيو غيظاً، فقد كان يتلاعب بنا طوال الفترة الماضية، أما الآن فقد أتاه غرياً يبادله دهاءاً وقدرة" يحدثهم كيم بينما سامي يكتب بعض الأرقام ويتوقف ثم يكتب أرقام مرة أخري وكأنه يفكر بين فينة وأخرى

"ها نحن إنتهينا" يضع سامي القلم جانباً بعد الإنتهاء من كتابة آخر الأرقام

"لم أفهم! ما معنى
1113213211
لم أفهم" يحدثه يولا، وفي الأثناء يدخل إينزيو وينظر للحل بينما الجميع أنظارهم متجهة نحو إينزيو

يحدق إينزيو بسامي وكأنها في نزال للبنادق كما في الغرب الأميريكي المتوحش. وبعد لحظات من التحديق، يبتسم إينزيو ويرحل

"حسناً ما الذي حدث هنا؟" يسأل يولا

"لا شيء. يبدو بأن حل سامي صحيح" يجيبه كيم

"وكيف عرفت؟" يسأله يولا

"من إبتسامة إينزيو. إنها إبتسامة من خسر الرهان" يرد كيم. يبتسم سامي بدوره

"وتلك إبتسامة من ربح الرهان" تحدثهم إندرا وهي تؤشر نحو سامي والكل يلتفت له على تعليقها

يدخل بقية الزملاء المختبر

"ماذا يجري هنا؟" يسأل نزار دعدوش بينما يقف خلفه سونيل مستغرباً من الوضع

"بحق السماء هللا أخبرتنا كيف توصلت للحل" يحدث يولا سامي بحماس

"حسناً" يرد سامي بإبتسامته المعهودة والتي إمتزج بها هذه المرة نشوة الإنتصار



إنتهى الجزء الرابع والعشرون
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, October 26, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثالث والعشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



في ملهى سولاريس الليلي بمدينة موسكو

فتيات الإستعراض بدأن بتأدية فقرتهم الراقصة على مسرح النادي الذي كان المكان مكتظاً. إلا أن مجمعة من الحاضرين في القاعة المخصصة لكبار الزوار كانوا مهتمين بأعمالهم الخاصة وهذا النادي أشبه بأندية الملاهي الكوبية أيام حكم باتيستا

"وماذا عن حصيلة هذا الشهر من تسويق العملات؟" يسأل الرجل الجالس على صدر المنضدة بعد أن وضع السيجار الضخم من فمه وإستبدله بقدح الفودكا

"هذا ملخص لحصيلة أرباح الشهر الفائت يا سيدي. يناوله بوبوف ملفاً يحتوي على مجموعة من الأوراق تشكل تقريراً لا يختلف بمظهره عن أية معاملة لإدارة الأعمال

يتفحص الرجل البيانات بدقة قبل أن يهز رأسه بالموافقة على دقة ما سلم إليه

"حسنا!" يتناول السيجار مرة أخرى، "كانت هذه أخر مجموعة من البيانات التي إطلع عليها هذه الليلة" كعادته في متابعة إدارة الملخصات الخاصة بسير العمل، فهو يطلب من مرافقيه التوجه لحانة الملهى و يتركوه مع بوبوف و حارسه الخاص لوحدهم، بينما ينتشر باقي أفراد الحماية الشخصية داخل أركان الملهى و أعينهم لا تترك أية تصرف من أي كان دون ملاحظة. وكما جرت العادة فإن بوبوف يزوده بالبيانات المتعلقة بعمليات المنظمة المختلفة كالتهريب وعمليات الإتجار بالمواد المخدرة و البغاء المنظم، بالإضافة للعمليات الأخرى كغسيل الأموال أوعمليات تسويق العملة كما يحلوا لهم تسميتها

"العمليات في إزدهار ياسيدي وأتوقع بأن أرباحنا لهذا العام ستكون الأكبر في تاريخ المنظمة" يحدثه بوبوف بإحترام شديد

يهز رئيسه رأسه ويطلق الدخان من سيجاره الضخم، "وماذا عن العملية في فيينا؟" يبادره بالسؤال

"العملية تسير على ما يرام هناك، و أيضا في الأماكن الأخرى المتعلقة بالخطة. و قريبا ستصل العملية لذروتها حسب ما أتفق عليه" يرد بوبوف

"جيد جداً! فأرباحنا الصافية من هذه العملية تعادل شطراً كبيراً مما نجنيه من أعمالنا المختلفة حول العالم، حتى بعد أن ندفع بسخاء لعملائنا المختلفين وممن جندوهم من أجل تحقيق النجاح للعملية" يتناول بعض الشراب من قدحه ثم يضيف ضاحكا، "والفضل في هذا كله لأصدقائنا في الغرب و جهودهم التي أدت إلى إنهاء الحرب الباردة، الأمر الذي خلف النخبة من عملاء الإستخبارات والإسبتزنا دون عمل يذكر من طرفنا وأطراف من دولهم. ألا تعشق النظام التجاري الحر يا بوبوف؟" يسأله والضحك مستمر

لو كنا لا نزال نعيش تحت النظام الشيوعي، لكنت وإياك نقف بالطوابير لساعات من أجل أن نحصل على المحارم الورقية، يفكر بوبوف مع نفسه

"قل لي، متى سنحصل على الدفعة القادمة من أتعابنا مقابل العملية؟" يسأله رئيسه

"سأسافر الأسبوع القادم لمقابلة طرف العلاقة و التفاهم معه بشأن هذا الموضوع. لا أعتقد أن هناك أية مشاكل بهذا الخصوص، فالعملية قد شارفت على النهاية وقد أدينا المهمة حسب ما طلب منا، و ليس من مصلحتهم التأخر بالدفع والإخلال بما اتفقنا عليه" يرد بوبوف

"حسنا، الجناح الخاص بعملياتنا ببرج العرب في دبي سيكون جاهزاً له الإسبوع القادم، مع كل ما يتطلبه هو من وسائل ترفيهية! والآن، أطلب من باقي الأصدقاء وعلى الأخص الفتيات معاودة مجالستنا . سأبقى معكم قليلا قبل أن أنصرف مع أنستازيا، و كالعادة لكم أن تقضوا ما شئتم من الوقت هنا حتى الصباح" يحدثه


+++++

وفي الأثناء، في مكان آخر في فيينا

"ماذا لديك للمقايضة من أجل كلمات السر هذه؟" يأتيه السؤال عبر برنامج المحادثة

يقوم بتمزيق الأوراق من حول إصبع الشوكولاته و تناول قضمة كبيرة منها يزدردها بسرعة، ثم يبلل أطراف أصابعه بلسانه ويمسح بقايا الكراميل حول فمه قبل أن يلعقها بنهامة، ويتجرع بعض من مشروب الكولا قبل أن يبدأ بالطباعة

"ما رأيك بمجمعة لصور فتاة عدد يونيو من النسخة البرازيلية لمجلة الفتى اللعوب؟ إنها فاتنة جداً وصورها لن تكون متوفرة عبر الإنترنت قبل شهر مايو" يأتيه الرد سريعاً

"لا بد أنك تمزح! أنت تطلب كلمات السر لشركة برامج كبرى كالتي أعرضها عليك مقابل مجموعة من الصور؟ و لكن إسمع، سأرسل لك ما تريد مقابل كلمة السر التي إستخدمتها للدخول إلى كمبيوتر المجلة حيث وجدت الصور" يرد

يتناول سوميرييه البدين القضمة الأخيرة من إصبع الشوكولاته قبل أن يجيبه بالطباعة على لوحة المفاتيح

"لك ما أردت، وكالعادة فإن ما نتبادله معا لا نشرك به أحد سوانا يا صديقي" يحدثه

"لا داعي لتذكيري بأخلاقيات الهاكرز يا صاحبي. والأن سأرسل لك الملف الرقمي الذي يحتوي على بيانات الدخول" يقوم سوميرييه بتوجيه ملفاً مشابهاً يحتوي على ما وعد به زميله على الطرف الآخر من برنامج المحادثة

الوقت متأخر الآن، ولكنه سيقضي بعض الوقت في محاولة للدخول إلى دائرة بيانات شركة البرمجيات التي حصل عليها للتو. كالعادة يتوجب عليه إتباع أساليب ملتوية للتسرب من خلال مواقع أخري تم إختراقها كي يتعذر على الطرف الآخر تتبع خطواته

شقة سوميرييه صغيرة ضيقة يسكنها بمفرده ولا تحتوي إلا على الأثاث الرث البسيط. إلا أنه لا يبخل بتوفير الأفضل من أجهزة الكمبيوتر المتراصة على الطاولات المساندة للحوائط الثلاثة بغرفة المعيشة

يوجه إهتمامه للجهاز الذي خصصه لمتابعة العمليات في شبكات مختبرات الوكالة. في هذا الوقت المتأخر لا توجد أنشطة تذكر هناك، إلا أن طبعه الفضولي دائما يدفعه لمعرفة من إستخدم إمكانيات الشبكة هذا المساء. يتذكر أنه قد صرف اليوم عنوانين للبريد الإليكتروني لزميلين جدد إنضما لمختبرات الوكالة

هل بدأ أي منهما بإستخدام بريده الإلكتروني؟ يتسائل مع نفسه قبل أن يتحقق في التدقيق في محتويات حساباتهم الرقمية. يتذكر الإثنين معاً، أولهم رجل من إحدى البلاد العربية يبدوا أنه أخرق. أما الثانية فهي تلك الشقراء الجميلة. يتلذذ سوميرييه و هو يتصور إندرا في مخيلته

هذه الفتاة أخطأت الميدان، فقد كان الأجدر بها أن تكون من فتيات مجلة الفتى اللعوب، يحدث نفسه قبل أن يمد يده لتناول إصبعا آخر من الشوكولاته

"والآن لنرى، ما تم إنجازه على شبكة مختبرات الوكالة" يحدث سومرييه نفسه بصوت مسموع بينما تلعب أصابعه الدبقة على لوحة المفاتيح


إنتهى الجزء الثالث والعشرون
ويتبع في الجزء القادم

Tuesday, October 25, 2005

إش تبي تقول – ثاني مرة



آنه كتبت عن الموضوع قبل هالمرة، بس مو قادر أمسك روحي

الحبيب معلق جاكيت أبيض يعني آنه بأحد المهن الطبية، حلو، مفتخر بأنه دكتور أو حتى فني مختبر

الثاني حاط خوذة سلامة مغبرة ورا عشان الكل يشوفها وعليها شعار شركة نفط الكويت، ماشي، شركة يبيلها واسطة. شوفوني ترى آنه مهندس نفط بالكيه أوه سي، طيب عرفنا، تستاهل

إنزين هالحبيب حاط خوذة كونستوبل إنجليزي مالوت لندن ورا، إشقصده؟ آنه خوالي إنجليز مثلاً وله كنت أشتغل بالإسكوتلانديارد


صج العقل نعمة

Sunday, October 23, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثاني والعشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



"آلو" يجيب سامي

"مرحباً سامي، أنا إندرا" تحييه وقد تعرف عليها سامي من صوتها

"مرحباً إندرا، كيف حالك؟ هل كل شيء على ما يرام؟" يسألها وقد إستغرب من مكالمتها

"أنا آسفة، أرجو ألا أكون قد إتصلت في وقت غير ملائم؟" يستشعر سامي نبرة الإحراج من صوتها

"كلا ألبته. أنا الآن أتريض في شوارع المدينة" يرد عليها

" كنت أفكر بأحجية السيد إينزيو، هل وجدت الحل يا ترى؟" تسأله

"كلا فأنا لم أفكر بالأحجية حتى الآن. تبدين متحمسة للحل" يرد سامي

" في الحقيقة كنت أحاول حلها إلا أنني قد وصلت لطريق مسدود وضقت ذرعاً بالأحجية" تضحك

يحس سامي بأن الأحجية ليست السبب الحقيقي لإتصالها به، "على الرغم من البرودة، فالجو جميل للغاية في الخارج، ولقد مررت بعدة أماكن مشوقة في المدينة، لكم كنت أتمنى أن تكوني معي" يحاول إستدراجها

"نعم، وأنا أتمنى ذلك" ترد عليه

ويتابع سامي محادثتها

+++++

وفي الأثناء

يرشف رشفة من كأس الجعة البافارية الباردة بينما الأضواء تخفت ويتم تسليط الضوء الكاشف القوي على المسرح. تبدأ الموسيقى بالصدح بموسيقى رعاة البقر أشبه ما تكون بموسيقى مسلسل بونانزا التلفزيوني

يلتفت الجميع ويعلو التصفيق والتصفير بينما تدخل الفتاتان بلباس رعاة البقر أحمر اللون وقبعة رعاة حمراء، وكل منهما يمسك بمسدسين فضيين مقلدين وتطلقان النار في تقليد للغرب الأميريكي الموحش

تبدأ الفتاتان باللعب مع الجمهور الذي بدأ حماسه بالإرتفاع وتستمران بخلع قطع الملابس القطعة تلو الأخرى بطريقة تمثيلية مثيرة تثيران بها حماس جمهور الصالة

"لقد كنت أحسبك من محبي هذا الفاصل يا صديقي" يحدثة الساقي من خلف البار

"صحيح ولكن يبدو لي بأن هذه الليلة، الجمهور المتحمس أحب الفاصل و ... والفتاتان أكثر" يرد عليه بعد أن ألقى نظرة سريعة على المسرح بينما يرشف من كأس الجعة

"ما بك؟ يبدو لي بأنك لست على عادتك اليومية؟" يسأله الساقي

"لا، لا شيء ولكني منتظر صديق" يرد عليه

"صديقك المعتاد؟" يسأله الساقي، وكم تمنى أنه لم يسأل بعد أن رمقه برمقه مرعبة كمن يقول له لا تتدخل فيما لا يعنيك

لقد تعود على طباعه، وكان عليه ألا يسأل. فهو كتوم وخصوصاً في الشهرين الأخيرين عندما بدأ بقابلة ذلك الشخص المخيف. يا ترى ما الأمر الذي يجمعهما؟ هل هما مثليان. لا، لا يمكن للمثليان أن يلتقيا بمكان كهذا، فالأندية الخاصة بهم منتشرة. لا شأن لي بذلك على أي حال، علي إلا أخسر زبائني وخصوصاً من على شاكلته، الزبون الدائم والسخي

يرن الهاتف بالقرب من الساقي

"نادي كازانوفا للتعري" يرد الساقي، "حسناً" يكمل

وبعد لحظات، "إنه لك" يناوله الساقي الهاتف

"أنا بانتظارك الآن على الطاولة المعتادة، وكفاك ثرثرة مع الساقي" يأتيه الصوت من الهاتف

يتقدم بخطوات بطيئة نحو الرجل الجالس على الطاولة المعزولة. أو يعتقد بأنه بهذا يعزل نفسه؟ يتساءل لنفسه، ألا يظن بأنه يجلب الأنظار نحوه. ولكن لا، فهو شخص محترف. المكان المختار يكشف الصالة برمتها فهو بذلك يستطيع كشف الأخطار بسابق إنذار ولن تكون هناك مفاجآت غير مستساغة

"لقد تأخرت الليلة" يسأل الشخص الذي لا يجيبه

"هيا إجلس لدينا عمل لننهيه" يحدثه بصيغة الأمر فيمتثل بينما يفرك رأسه الخالية من الشعر

"أنت متسرع هذه الليلة، ألا تعجبك الفتاتان؟" يسأل الضيف و هو يشير للمنصة

"لست من المغرمين بالسيليكون" يرد عليه، "نعم، إنها ضحية جراح رخيص، فآثار العملية التجميلية واضحة" يشرح

يمد الرجل يده إلى جيب معطفه ليخرج نسخة هذه الليلة من صحيفة الكوريور ويلقيها على الطاولة ، يتناول ويفتحها ليجد بوسطها المغلفات المعتاده ذات الألوان المتعددة، كل منها يخص شخص. يضع الصحيفة ومحتوياتها في جيب معطفه

"هناك في الحقيقة موضوع أود أن أحدثك عنه. فواحد منهم قد لمح لي مرة أخرى بشأن المبلغ الذي يتقاضاه. إنه يطلب المزيد" يحدثه

"أي منهم؟" يجيبه الضيف بجفاف وهو يحرك ناظريه للمسرح

"الأحمر" يقولها بسرعة وهو يفرك رأسه

"له الحق أن يطلب، وأنا لي الحق في أن أرفض. إن هذه المسألة مفروغ منها" يرد عليه دون تباطؤ

"وماذا عن تهديده السابق بأنه سيفضح العملية إن لم نستجب لطلبه ..." يقاطعه بفضاضة

"ومن هو ليهدد؟ وماذا بإستطاعته أن يفعل؟؟ دع عنك هذا الهراء يا صديقي. إن حاول هو أو غيره أن يعرض عمليتنا لأية صعاب، فأنا مستعد للرد عليه شخصياً وبفصاحتي المعهودة. إنتبه فقط لمهمتك ولا تعره هو أو غيره أي شأن. والآن دعني لأركز، فإن جينا على وشك أن تبدأ فقرتها" يحدثه الصيف بثقة

تعتلي المنصة فتاة ترتدي زياً أوروبياً تقليدياً مع بداية الموسيقى

"إنها صغيرة وجميلة، و على الرغم من صغر، ....، مؤهلاتها، فهما طبيعيان يا صديقي!" يختم الضيف كلامه بينما يرتشف كأس الفودكا برشفة واحدة


إنتهى الجزء الثاني والعشرون
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, October 19, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الحادي والعشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



"إن الأوروبيين يبالغون في حساسيتهم المفرطة من التوابل الحارة!" يحدث سامي نفسه وهو ينظر لزجاجة التباسكو المعلمة بأنها قليلة الحرارة على الرف في محل "سبار" الملاصق لسكنه حيث كان يتسوق

المحل صغير جداً إلا أنه جزء من سلسلة محلات سوبر ماركت شهيرة ومنتشرة حول فيينا

ماذا لو علموا بأننا كنا نتجرع الصلصة شديدة الحرارة ذات ماركة الديك صغاراً؟ وخصوصاً مع كرات البفس الجبنية أو ما هو شهير بالكويت بإسم البفك، يفكر سامي لنفسه، لحسن الحظ إني لا أسافر إلا ومعي بهارات الطهي الخاصة بي و إلا كنت سأتضور جوعاً. يجب علي أن أسأل إندرا عما تحب أن تأكل إن كنت سأدعوها للعشاء يوماً ما. يجب أن أوضح لها أن الرجال من الكويت طهاةً ممتازين، يبتسم

بعد التسوق يعود لمسكنه حيث يضع الأغراض ثم يذهب لموظف الإستقبال مارتن ليسأله عن الأماكن التي يود زيارتها حول فيينا

ينطلق سامي إلى محطة أوبردوبلنغ ليستقل القطار إلى محطته الأولى. محطات القطار هنا تدخل دون المرور عبر بوابات آليه، ومثل الباصات لا يوجد كمسرية للتدقيق في التذاكر. فالجمهور يكتفون بحمل بطاقات الإشتراك في خدمات النقل العام وعرضها على المفتشون الذين يقومون بالسؤال عنها بشكل عشوائي

يبدل القطار بمحطة هيليغنشتادت ليستقل مترو الأنفاق المتجه لوسط المدينة. وحسب تعليمات مارتن يترجل من القطار في المحطة الخامسة في شويدينبلاتز. المحطة مزدحمة يفكر سامي، كان عليه إستقلال أكثر من سلم متحرك للخروج منها، وما أن فعل ذلك حتى أحس بأنه فعلاً في وسط مدينة كبرى

منطقة سكناه، في القطعة 19 من المناطق الراقية في فيينا ويسودها الهدوء أكثر، أما الآن فهو يجد نفسه وسط إزدحام من المارة والضوضاء المختلطة على الرغم من برودة الجو المشبع برائحة رطبة، فعلى يمينه نهر الدانوب

يقرر سامي السير بعيداً عن النهر نحو الجنوب حيث وسط المدينة. أمامه أحد محلات الماكدونالدز عبر شارع مليء بطابور من سيارات الأجرة. يسير على رصيف الشارع عمودياً باتجاه مسار النهر

الإزدحام ليس شديداً كمدن أخرى قام بزيارتها. يمر بحاذاة محل تتقدمه طاولات وكراس في الهواء الطلق، المحل إسمه زانوني و زانوني للبوظة! أليس الجو شديد البرودة للإستمتاع بالآيس كريم، يتساءل مع نفسه

يمر بمحاذاة مطعم بيتزا بيزي للمأكولات الإيطالية السريعة، لا يبدو شكله مشوق لتناول الطعام، يحدث نفسه. يلي ذلك محل للشوكولاته متخصص بماركة شوكولا ميلكا ويجد نفسه بعدها أمام كاتيدرائية الستفينبلاتز. على الرغم من الليل فمنظر الكنيسة يعطي للمدينة رونقاً أنيقاً وجاداً في نفس الوقت. يدور حول الكنيسة مذكراً نفسه بضرورة زيارة المكان نهاراً

يجد محلاً مفتوحاً متخصصاً بالتذكارات، إسترعى إنتباهه فيه نافذة العرض التي وضع فيها عدداً هائلاً من كرات شوكولاتة المارزبان التي تحمل صورة موزارت والتي تشتهر بها النمسا. يدخل للمحل ليشتري كيسا من الشوكولاته

+++++

وفي الأثناء

يتابع تجواله بالمدينة. لقد إعتاد على هذه الجولات المسائية والتي عادة ما تكون دون هدف قبيل الذهاب إلى مقصده

يقف تلقائياً أمام محل لبيع الطوابع ويفرك رأسه الخالية من الشعر، وهو محل صغير بالمنطقة القريبة من شارع كارنتنرشتراسه، ومقابل معرض أزياء هيرميس الشهير

يتذكر، بينما خياله ينعكس على زجاج المحل، يتذكر وقوفه مع والده، وخيالهما الذي كان ينعكس بدوره على زجاج محال بيع الطوابع، يتذكر كيف عرفه والده على عالم جمع الطوابع الذي أصبح هوسه وشغفه به كبيراً لدرجة إدمانه على الشراء حتى في أحلك الظروف المالية التي كان وما زال يمر بها

إن فيينا ليست بغريبة عن عالم الطوابع ومعارضه. فقد أقيم أول معرض عالمي لجامعي الطوابع فيها عام 1881 ، وكان المعرض يحمل بصمات سيجموند فريدل، النمساوي الذي كرس جل حياته في جمع الطوابع وتوج هذه الحياة بإقامة المعرض العالمي الأول لجامعي الطوابع

لكم تمنى في هذه اللحظة أن يكون كلاوس برفقته. يوماً ما سيرث كلاوس مجموعتي الكاملة، يفكر لنفسه. سأترك له ميراثاً قيماً لعله يشكرني عندئذ بدل تهربه مني على الدوام

يتذكر طلاقه من زوجته، سيلفيا. وكيف كان الإتفاق أن يعيش إبنهما كلاوس برعايتها. كان لابد له أن يوافق على ذلك. فحياته آنذاك لم تكن مستقره ولا تسمح بوجود طفل صغير فيه. ثم أن أي طفل يحتاج لرعاية أمه في مراحل عمره الأولى

ولكن، الأهم إن طلاقهما لم يكن بالصعب. فهو مازال يرى إبنه دورياً، بل إن سيلفيا تصر على تذكيره بمواعيده مع إبنه. ولكن التكاليف الشهرية التي يدفعها لسيلفيا ما زالت باهظة. إنه لا يمانع لولا بأن هذه التكاليف كانت ممكن أن تسدد فواتير هوايته. هذه الهواية تحتاج لميزانية خاصة ومبالغ يعجز أن يوفرها في العديد من المرات

ينظر لساعته ويترك واجهة محل الطوابع ويتجه مباشرة نحو مقصده الليلي، نادي كازانوفا على شارع دوروثيرغاسه بالقرب من مبنى أوبرا فيينا

+++++

يتابع سامي سيره جنوباً حيث محلات الأناقة العالمية الشهيرة مثل زارا و هيرميس، ثم يمر بمحل من عدة أدوار متخصص بالسجاد الإيراني يحمل إسم "عادل بِسِم". يا ترى كم تبلغ أثمان مثل هذا السجاد الفاخر هنا؟ يسأل نفسه، يتابع سيره وهو ينظر لنوافذ المحلات المغلقة. إن كانت المحلات تغلق أبوابها باكراً، فمتى سيتسنى لي التسوق هنا؟ يتساءل سامي بينما ينظر إلى الأرض حيث يلاحظ وجود نجوم على الأرض، يحمل كل منها إسم أحد المشاهير في فنون الموسيقى ممن قدموا إبداعاتهم الفنية للعالم من فيينا، ويتذكر الهاليوود بوليفارد بكاليفورنيا

سرعان ما يأتي لأحد مقاهي ستاربكس الذي يقابله محل للتسجيلات الموسيقية الكلاسيكية. يبتسم سامي لفكرة وجود مقهى الستاربكس بفيينا ويتذكر المثل المصري الشهير، لا تبيع الماء في حارة السقايين

ينظر سامي لمعروضات المحل من خلال نوافذه تحت أعمدة ذات تصميم فذ، حتى وصل لنهاية الممر حيث توجد بالمقابل نافورة صغيرة من طبقتين مغطاة بالشباك كغيرها من النوافير التي مر عليها لحمايتها من الطيور أثناء فصل الشتاء. بتتبعه للمبنى يتضح إليه أن محل التسجيلات تتبع لدار الأوبرا بفيينا. ياله من مبنى فاخر أنيق، ولا عجب فهو يليق بالفنون الراقية التي تعرض على مسرحه

بعد الشارع المقابل وهو شارع كارنتنرشتراسه، توجد محطة للترام و أيضا مدخل لمحطة كارلبلاتز لميترو الأنفاق. يتجول بالمنطقة وسرعان ما يجد نفسه أمام مبنى تعلوه مظلة كجناح و نحتاً لرجل يمتطي حصاناً. إنه متحف الألبيرتينا الشهير، ومن معروضاته الحاليه لوحات للفنان الفرنسي الراحل مارك شاغال المستوحاة من القصص الإنجيلية. يذكر نفسه بأن عليه أن يزور المعرض قبل نهاية فترة العرض. متاخم للمتحف يوجد متحفاً متخصصاً بالفنون السينمائية

من قال له أن الزيارة لفيينا هي حجة لزيارة المتاحف الواحد تلو الآخر؟ يتساءل سامي

بالقرب من المتحف هناك نصب لتخليد ذكرى ضحايا الفاشية والجرائم النازية ضد البشرية، ولفت نظره لوحة تحمل تذكيراً كتب بعدة لغات يذكر الجمهور إلى إحترام هذا المكان

ينظر لساعته ويقرر العودة لمركز المدينة و ضفاف نهر الدانوب سالكاً لطريق مغاير للذي إتبعه في القدوم. بإستخدام خريطته كان يبحث عن عنوان أعطاه إياه مارتن، و ما لبث أن توصل إلى المكان المراد؛ إنه دار لسينما آرتيس كينو المتخصصة بعرض الأفلام العالمية بلغاتها الأصلية و دون دبلجة. مظهر المبنى الأنيق من الخارج لا يوحي بأنه دار لسينما من عدة شاشات تقع مقابل محل متخصص بالكتب و الخرائط القديمة

يتابع قائمة الأفلام المعروضة ولحسن الحظ فإن فيلم "راي" الذي ذكرته إندرا من الأفلام المعروضة حالياً. حسناً، ربما جئت لمشاهدته بعطلة نهاية هذا الأسبوع. يتابع سامي طريقه نحو النهر ويتوقف عند مطعم صغير إسمه ماستيو. ما لفت إنتباهه إليه هو لافتة المحل التي تدعي بأن المطعم يقدم أفضل فلافل في فيينا، ولسبب ما تذكر فلافل شرف في منطقة شرق بالكويت. يقرر تجربة المكان خاصة و أن السير في هذا الجو البارد جعله يشعر بالجوع

+++++

لطالما كره هذه الجزئية من عمله، فهذا ليس بالأمر الهين

"إني آسف يا سيدي. أعلم كم تود أن تكون بمقربة منها، و لكن هل لي أن أكلمك على إنفراد؟" يحدثه، ويلاحظ إرتباكه، بل عدم رغبته فراقها

"أعدك بأن الأمر لن يتطلب الكثير من الوقت وستعود سريعاً لتكون معها" يحدثه الدكتور هاوس

يهز الرجل رأسه و يرافق الطبيب لمكتب العيادة، حيث يشير إليه بأن يجلس على أحد الكراسي قبل أن يغلق الباب ثم يجلس مقابله ويجر الكرسي ليكون على مقربة منه

ركبتيهما كانت شبه متلاصقة مع بعضهم فيقترب ليكلمه، فهو يريد أن يكون صادقاً وصريحاً معه، فالرجل يمر بالكثير إلا أنه لا داعي لإطالة عذاب المريضة

"سيدي، إني فقط أريد أن أخبرك أن كاترجينا قد قاست الكثير. والآن أعتقد أنه يتحتم علي إخبارك أن الآلام التي يسببها المرض تمنعنا عن إيقاف المورفين"

يتوقف قليلا ثم يستدرك واجماً، "وهذا يعني أنه ليس بالإمكان أن تكون واعية لما بقي لها من الوقت" يقولها و هو ينظر للرجل مباشرة في عينيه

يهز الرجل رأسه. إن حالة الأسى مختلطة بمشاعره المختلفة التي يعايشها تمنعه من أن يظهر أيه إنفعال

"ألا يمكنني أن آخذها معي لبلدنا؟ على الأقل أود لها أن تودع الحياة في منزلها الجديد بكرامة. سأوظف ممرضة خاصة لهذا الشأن" ودون أن يكمل يقاطعه الطبيب

"إني آسف يا سيدي. لا يمكنني أن أخدعك، فإن تحريكها من المستشفى لأية مدة وإن قصرت سيجعلها بعيداً عن الطاقم الطبي الذي يشرف على العناية بها علاوة على إنها مرتبطة بالأجهزة الطبية المساندة للحياة التي يصعب نقلها" يضع الدكتور يده على ركبة الرجل و يمسك بيده الأخرى يده.، "أنني أدرك أننا تحدثنا مسبقاً بهذا الموضوع، ولكن هل لك أن ..." ولا يكمل الطبيب جملته، حين يقاطعه بشدة

"لا! مستحيل، إيقاف الأجهزة عنها خيار غير مقبول!! إني أعلم أنها ستودع الحياة قريباً، و لكني لن أسهم في المسارعة بذلك!" يرد بعصبية

يهز الدكتور هاوس رأسه ثم يقف ويضغط على كتف الرجل

"لك ما شئت يا سيدي. يجب أن أصدقك القول وأخبرك أنها الآن مسألة أيام" لا يتذكر الدكتور عدد المرات التي قال فيها هذه الجملة ولأطياف من الناس، ولكن وفي كل مرة تكون أصعب من الأخرى

+++++

ينظر سامي عبر النهر إلى المبنى المقابل. إنه مبنى متواضع مقارنة بالمباني المجاورة له ولا مجال لمقارنته مع المباني ذات العماره التقليدية التي مر عليها أثناء جولته هذه الليلة. إنه مبنى المقر الرئيسي لمنظمة الأوبك. كان يقف على الرصيف العلوي لكورنيش النهر. في الأسفل هناك طابق آخر قبل الوصول للنهر فعلاً. ينظر لمياه النهر وهي تجري متذكراً دروس الجغرافيا من صباه. فالدانوب هو النهر الرئيسي الوحيد في أوروبا الذي يتدفق شرقاً من منابعه بالغابة السوداء في المانيا ماراً بعدة دول ومدن كبرى منها لينز و فيينا بالنمسا و براتيسلافا في سلوفاكيا و بودابست في هنغاريا قبل أن يصب بالبحر الأسود

يتابع سيره شرقاً حتى وصل لمحطة الميترو التي بدأ تجواله بالمدينة منها قبل ساعات. يتابع السير فيرى مبنى عظيماً على ضفاف النهر تعلوه قبة مثل تلك التي تعلو المراصد الفلكية. يتضح أنها دار عرض و متحف علمي يعرف باليورانيا. مثل كل شيء أبصره حوله فتصميم المبنى بديع ومتماثل مع العمران الذي تتميز به هذه المدينة الجميلة

يستمتع سامي بمتابعة سيره في هذا الجو البارد و النسمات الرطبة من النهر. على يساره عبر النهر وسلسلة من المباني يلمح معلماً أثار إنتباهه. فعلاً بالطبع! يخرج من الحقيبة التي كان يحملها على كتفه المنظار الثانوي الذي يحمله دائماً ليتأمل الدولاب البعيد. يتحتم علي زيارته وركوبه بأقرب فرصة، فهو أحد المعالم المثيرة التي تضمنها ذالك الفيلم السينمائي البديع ...

هاتفه النقال يبدأ بالرنين، يدخل المنظار لحقيبته ويتناول الهاتف المعلق من حزام بنطاله بالناحية اليسرى. إنه الهاتف الذي وضع عليه شريحة الإتصال المحلية و ليس هاتفه الأساسي الذي يحمل خط الكويت والذي يحمله في حزامه على الناحية اليمنى. شاشة الجهاز تعرض رقم المتصل و ليس الإسم. يضغط زر الإستجابه ليرد على المتصل



إنتهى الجزء الحادي والعشرون
ويتبع في الجزء القادم



Sunday, October 16, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء العشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


بعد أن إنتهيا من ختم الهويات عند البوابة الرئيسية للمركز، عاودا الجلوس على مقعديهما بالباص

يخرج سامي جهاز الآي بود، "أتودين سماع بعض موسيقى السول، والتي كانت موضوع أحجية إينزيو بالأمس؟" يسألها سامي

"نعم أود ذلك، لعلي سمعتها سابقاً دون أن أعرف تسميتها" ترد إندرا

يخرج سامي سماعة إضافية ووصلة خاصة ليتمكن الإثنان من الإستماع للجهاز بوقت واحد

"لعل أفضل تعريف لهذا النوع من الموسيقى هو أنها قد إنبثقت من أسلوب موسيقى البلوز و الغوسبل الدينية الأمريكية ولكن كلماتها تخلو من المحتويات الروحانية و أسلوب موسيقاها يعتمد على إيقاعات قوية. لعل بداياتها بقوة تعود إلى الموسيقي راي تشارلز في الخمسينات" يشرح سامي

"آه فعلاً، هناك فيلماً سينمائياً عن حياته أود مشاهدته!" تحدثه إندرا

"نعم، وأنا كذلك. أرجو أن تكون هناك دور سينما تعرض الأفلام بلغاتها الأصلية. إذا كان النمساويين مثل الألمان الذين يصرون على ترجمة كل شيء فإن هذا سيكون صعبا" يرد عليها

يقضيان بعض الوقت بالإستماع لجيمس براون

"ماذا عن الأحجية الجديدة التي وضعها إنزيو اليوم؟" تبادره إندرا بالسؤال ضاحكةً

"بالفعل، لقد ذكرتيني بها" يخرج الورقة من جيبه ويقرأ عليها الأحجية

ما السطر التالي لمجموعة الأرقام التالية

1
11
21
1211
111221
312211
13112221

"هل لديك أية فكرة عن حلها؟" تسأله
"حتى الآن لا، إلا أنني لم أفكر بها ملياً. ولكن عادة ما تكون الأحجيات الرياضية ذو قاعدة تفسر الحل" يجيبها

"بالمناسبة، هل لي أن أسألك عن طبيعة عملك؟" لطالما كان سامي محباً لمعرفة كل التفاصيل عمن يصادقهم

تبتسم، "لا يوجد الكثير بالحقيقة. أنا أعمل بمركز السلامة الإشعاعية بمدينة ريغا. والمركز جهة حكومية تأسست قبل أربعة أعوام ومهمتها هي ضمان الإستخدام الآمن للطاقة الذرية ووضع السياسات الواضحة بهذا الشأن. و ماذا عنك؟" تجيب

- إنني جديد بالعمل في حقل الأبحاث بالمجال الإشعاعي. فليس بالكويت إستخدامات متقدمة لتوليد الطاقة. مجال إهتمامي هو المكونات المشعة بالبيئة الطبيعية، سواءاً كانت هذه المكونات ناتجةً بشكل طبيعي كمرادفات للملوثات الناتجة من عمليات التنقيب عن النفط مثلاً، وهذا مجال إهتمامي الأساسي، أو من جراء الأنشطة الإنسانية" يجيبها

"تقصد الأغبرة المتساقطة من حوادث نووية، كحادثة تشرنوبل؟" تسأله

نعم، إلا أنه بالكويت هناك حالة خاصة وتتعلق باليورانيوم الناضب. هل أنت على معرفة بأحداث أوائل التسعينات في منطقة الشرق الأوسط؟" يسألها

"آسفة، كان ذلك ببداية أيام مراهقتي. فقد كانت بلادنا محوراً لعملية تحول في منطقتنا والتي أدت إلى تفكك الإتحاد السوفييتي. فجمهورية لاتفيا بالإضافة لجمهوريتي إستونيا وليثوانيا كانت تسعى للإستقلال" تسرد

فعلاً، أتذكر ذلك. يرد سامي وهي يتذكر تلك الأيام العصيبة التي لا ينساها أي كويتي عاصر تلك الفترة

"إلا أنه في سنة ١٩٩٠ غزيت بلادي من قبل العراق، و قد تطلب الأمر حشداً عسكرياً مؤلف من حوالي ثلاثين دولة قادته الولايات المتحدة الأمريكية من أجل طرد الغزاة من الكويت و إعادة إستقلالها" يسرد

"نعم، أتذكر هذه الحرب. عرفت بعاصفة الصحراء، أليس كذلك؟" ترد عليه

"نعم. خلال هذه الحرب والتي إستغرقت ستة أسابيع قامت جيوش القوات المتحالفة وعلى رأسها جيش الولايات المتحدة الأمريكية بإستخدام قذائف مصنوعة من اليورانيوم الناضب في ضرب الأهداف العراقية" يضيف

"نعم، أعلم عن هذا الإستعمال لليورانيوم الناضب. فعنصر اليورانيوم ثقيل، تبلغ كثافته النوعية ١٩ مرة كثافة الماء. وصنع قذائف منه يعني أن هذه القذائف ستكون ذات طاقة حركية عالية ولكن بحجم صغيرٍ نسبيا. إن هناك دراسات عن إستخدام اليورانيوم الناضب في حملة دول الناتو على يوغوسلافيا بشأن إقليم كوسوفو عام ١٩٩٩ " تشرح إندرا

"هذا صحيح. تقدر كمية اليورانيوم الناضب التي أستخدمت في مسرح العمليات العسكرية أثناء حرب تحرير الكويت بحوالى ٣٠٠ طن. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة علمية دامغة تثبت علاقة هذه النسبة من اليورانيوم الناضب والمكون بشكلٍ شبه كلي من نظير اليورانيوم-٢٣٨ وصحة الإنسان، إلا أن هناك العديد من الأخصائيين وحتى الجمهور العادي ممن يدعون بأثر هذه الرسوبيات وزيادة نسب العديد من الأمراض كالسرطان بعد فترة الإحتلال العراقي للكويت. لقد أصبح لي الآن إهتمام في تقصي الحقيقة بهذا الشأن على الرغم من أنني لست متخصصاً مباشرةً بالمجال الطبي، ولهذا تقدمت بطلب الإلتحاق بهذه الزمالة بوكالة الطاقة الذرية" يحدثها سامي

"إذا أنت لست مختصاً بالمجال الإشعاعي؟" تسأله

"لا، فإن مجال تخصصي هو الملوثات النفطية في البيئة، وأنا أعمل بإحدى الجهات الحكومية المتخصصة بالشأن البيئي" يرد مبتسماً

"وهل كان تخصصك الأصلي بالكيمياء؟" تسأل

"الهندسة بالواقع، إلا أنني درستها بالإضافة لتخصصات مساندة بالكيمياء و لهذا توجهت بالتخصص لدراسة البيئة. فالبيئة لدينا بالكويت شحيحة بالمحتوى الحيوي كون البلاد تعتبر صحراء ساحلية. و لهذا يجب علينا الحفاظ على كافة أصناف التنوع الحيوي في البيئة" يجيبها

تهز رأسها موافقةً وهي تنظر له بإهتمام. إنك رجل صاحب مهمةٍ إذاً. هذا شيء مثير للإعجاب يا سامي. بالمناسبة أرجو أن لا تمانع إن ناديتك بإسمك الأول؟" تسأله

يضحك، "أعتقد أنك فعلتي ذلك طوال اليوم! بالطبع لا أمانع يا إندرا" يقولها مع التشديد على النطق بإسمها، فتضحك على ملاحظته

"بالمناسبة، أتعلم أن الكيمياء لم تكن مجال رغبتي الأول بالدراسة. كنت أتطلع لدراسة القانون لأصبح محامية مثل أبي، إلا أنني لم أجتز إختبار القبول في كلية الحقوق فإخترت للتوجه لدراسة الكيمياء" تضيف

يفكر سامي فيما قالته. هل أخبرها أنه بالكويت يحدث عكس ذلك؟ يقرر تغيير الموضوع، وخصوصا أن الباص قد شارف على ضواحي مدينة فيينا حيث سرعان ما ستهبط مع أغلبية الركاب

"هل لديك مخططات لهذا المساء؟" يسألها سامي

"أود القيام ببعض التبضع ثم الخلود للراحة، فأنا جداً مرهقة!" تجيبه

"أنا أيضاً أحتاج للتسوق من أجل بعض الحاجيات. إلا أنني أود التجول، ربما بوسط المدينة. فبعد يومين في فيينا وحتى الآن لم أر شيئاً من معالم المدينة إلا من خلال رحلة الباص صباحاً ومساءاً" يحدثها مبتسماً
"نعم، هذا ما سأقوم به أيضاً خلال الأيام القادمة. إن الليل طويل ولا أدري كيف سأقضي أوقات الفراغ؟" تحدثه

"بالمناسبة، أين مقر سكنك؟" يسألها

"لدي شقة فندقية بالقرب من محطة ترايسينغاسه. أذهب إليها بمترو الأنفاق بعد أن أبدل محطة واحدة" تجيبه

يمد يده لجيبه و يخرج إحدى بطاقاته الخاصة ويكتب عليها رقم هاتفه النقال المحلي،"إذاً هل لي بأن أعطيك رقمي إن أحببت التجوال في المدينة بأي وقت؟ فكلانا سواحٌ بفيينا، وقد يكون التجول أكثر متعة إن كنا معاً" يقدم لها البطاقة، فتبتسم وتأخذها منه

"حسناً، فكرتك صائبة. إذا خذ بطاقتي أيضا ورقمي الخاص هنا" تمد يدها لمحفظتها داخل سترتها و تخرج بطاقتها وتكتب عليها الرقم قبل أن تعطيه إياها

يقترب الباص من الموقف، فتستعد إندرا للخروج، "أتمنى لك ليلة هانئة، وعليك أن تخبرني بما ستراه في الغد" تحييه مبتسمة

"بالطبع، سيكون ذلك من دواعي سروري" يرد عليها التحية

يراقبها وهي تترك الباص، ومن خلال النافذة يراقبها وهي تستعد لعبور الشارع نحو مدخل محطة المترو، تلتفت للباص فتشاهده. يبتسم لها و يرفع يده للنافذة ليحييها، فترد عليه بإبتسامتها العذبة قبل أن تمضي في طريقها

يبدأ الباص في مواصلة سيره، فيستند سامي في المقعد. يبدو أنه قد نجح في أول خطوة لكسب صداقتها.

+++++

وفي الأثناء تحلق الطائرة متجهة غرباً، فلا زالت الرحلة بعيدة عن هدفها. طائرة بهذا الحجم تعود إلى قاعدتها شبه خالية، إلا من بعض الأفراد ممن يعودون للوطن لقضاء إجازاتهم بعيداً عن مسرح العمليات الذي وضعوا عليه. يفكر الطيار برحلاته التي أصبحت روتينية بعد مضي هذه الأعوام. العتاد بأنواعه والطاقم يشحنون بكثافة وفعالية إلى أية بقعة بالعالم، هذه هي مهمته

إلا انه اليوم يحمل بالإضافة للطاقم المتحمس للقاء عائلاتهم، إحدى الشحنات التي قد إعتاد عليها بين الحين والآخر

مجموعة من الصناديق الموصدة والمختومة بعبارة سري للغاية. لا يتطلب الأمر الكثير من الحذق لمعرفة من سيستلم هذه الصناديق. إن مجرد فتح إحدى هذه الصناديق سيعرض من قام بذلك للمحاسبة القانونية، وليس أمام محاكم إعتيادية. كما أنه لا يعتقد بوجود من يهمه معرفة محتوياتها حيث أنه من البديهي انها أمور تحتاج لدرجة عاليه من التخصص والمعرفة

لا يهم ذلك، فهو بحكم عمله يلتزم الطاعة العمياء ولا يفكر بما لا يقع ضمن مسؤلياته. كل ما يعرفه أنه يتوجب عليه الحفاظ على هذه الصناديق تحت أي ظرف كان. في الحالة المستبعدة لنزول الطائرة إضطرارياً في جهة غير مقصده فعليه أن يحميها تحت أي حال من الأحوال

على بعد آلاف الكيلوميترات كان عباس ومجيد في طريقهما للمنزل، دون أن يخطر ببال أي منهم أن العبوات التي ألقوها بالبحر بالأمس أصبحت الآن داخل صناديق محكمة داخل طائرة يتساءل قائدها عن جدوى التضحية بحياته من أجلها


إنتهى الجزء العشرون
ويتبع في الجزء القادم

Tuesday, October 11, 2005

مجبر أخاك

الأخوة والأخوات زوار المدونة
أتأسف لكم لعدم قدرتي متابعة رواية الدانوب الأحمر لظروف صحية أمر بها، ألبسكم الله ثوب الصحة والعافية، على أن أبدأ معكم من الإسبوع القادم إن شاء الله
معلهش الكبر شين

Sunday, October 09, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء التاسع عشر



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


تهرول روبي نحوهما وهما يخرجان من الكافيتيريا

"جيد لقد لحقت بكما" تحدثهما روبي

"ما الأمر؟" تسألها إندرا

"لقد نسيت أن أخبركما، لمراسلاتكما البريدية تم تخصيص صناديق بريد لمراسلاتكما البريدية ، هناك في نهاية الممر" تؤشر روبي نحو الصناديق

"ولكن إحرصا، فالصندوق الخاص للشخص تجدان إسمه فوقه مباشرة، فلا يختلط عليكما الأمر وتأخذان البريد المخصص للآخرين" تقولها مبتسمة وترحل عنهما

"هل نذهب لفحص الصناديق؟" تسأله إندرا

"ولم لا، وإن كنت أشك بأنني سوف أتلقى أي بريد سوى البريد الداخلي" يرد سامي ضاحكاً

+++++

يفكر إينزيو جلياً قبل الكتابة

لا، ليكن التحدي مشوقاً. يحدث إينزيو نفسه، يبدو بأن هذا الشخص حذق أكثر من الآخرين. لنرى كم هو جيد مع الأرقام، ويبدأ في كتابة الأحجية الرياضية

+++++

"غابي" يأتي الصوت من الإنتركم

"نعم يا إلكي" ترد غابرييلا هولتهاوزن بعد أن تضع كوب الشاي جانباً

"لقد وصلني إتصال للتو من الإدارة، من مكتب السيد البرادعي بالتحديد، يخبرنا بأن الزائر العلمي من مختبرات سانديا سيصل لاحقاً هذا الأسبوع، ويسألون إن كان جدول الزيارة سيكون كما أتفق عليه سابقاً" تحدثها سكرتيرتها إلكي

يبدو الضيق عليها، "أوه، لقد نسيت أمره. ...، نعم، نعم. فالجدول كما هو دون تغيير. هللا أعطيتيني إسمه مرة أخرى؟" تسألها غابي

"الدكتور هنري ستيفنسن" ترد إلكي

يا لهم من حثالة. لقد إختاروا الوقت المناسب لإرسال أحدهم، هؤلاء الأميريكيون، مع وجود الإختبارات الحرجة. تحدث نفسها

+++++

يتجهان نحو مختبر الألفا ليجمع سامي حاجياته قبل الرحيل بالباص

"يا إلهي، لكم كانت المحاضرة مملة. أشعر بالرأفة ليولا فقد حاول إبهاجنا بقدر المستطاع ولكن المادة العلمية غير مهضومة بتاتاً" يحدثهم سامي، بينما يهمون بالولوج في المختبر

"ها أحجية جديدة يا سامي. وكأن إينزيو قد بدأ تحديه لك" يحدثه كيم

"ما هذه الأرقام؟" يقول نزار

يتمعن سامي بالمكتوم على اللوحة، ويخرج ورقة ويبدأ بكتابة الأحجية

+++++

يتركهم كيم الذي تبدو عليه علامات العجلة وهو يدخل مكتبه
"لم أشعر بتقدم الوقت، على الإسراع وإلا سيفوتني الباص!" يحدث يولا

"عليك أن تسرع يا صديقي، إنها الرابعة إلا دقيقة. ولكن إسمع، لقد أتيت اليوم بسيارتي فإن شئت يمكنك الرجوع معي" ينظر يولا إلى ساعته

"لا شكراً، فسائق الباص عادة ما ينتظر عدة دقائق إضافية. المهم، لقد نسيت أن أقول لك أن إينزيو موافق على الإنتظار حتى جمع عدد أكبر من النتائج ومقارنتها بنتائج الغاما قبل أن نبلغ غابي بما توصلنا إليه" يحدثه كيم

"نعم" ، يجيبه يولا، "فيجب علينا الحرص في الإعلان عن هذه النتائج، خصوصاً إن أخذنا في الإعتبار الحساسية السياسة المتعلقة بها. والآن أسرع وإلا فسوف يتحتم عليك قبول دعوتي لك بأن اوصلك لفيينا بسيارتي" يكمل يولا

يبتسم كيم له ويحييه قبل أن يسرع لختم هويته قبل اللحاق بالباص

كان يوما طويلاً، أولويته لهذا اليوم كانت الدفعة القادمة من العينات التي تتطلب التجهيز لقياسات الألفا. سيتطلب الأمر حوالي الإسبوع إلى عشرة أيام لقياس المحتوى الإشعاعي في هذه العينات، وأثناء هذا الوقت ستكون نتائج قياسات الغاما جاهزة، فمسؤول وحدة الغاما، ميريك معروف عنه الإلتزام بالمواعيد بحرفية فائقة وذلك على الرغم من ... يذكر أمر زميله و ما يمر به هذه الأيام

حسنا، بين مهامه بالمعمل سيتحتم عليه الإلتفات لمسؤوليته تجاه المتدربين الجدد، و بخاصة الفتاه اللاتفيه و الزميل من الكويت

يبتسم و هو يتذكر إندرا. أنها ولا شك فذة بتخصصها بالكيمياء النووية و ذلك على الرغم من كونها أقرب للعمل بمجالات عروض الجمال والأزياء. يتناول ملفها و ينظر سريعا لسيرتها الذاتية. على الرغم من صغر سنها إلا أنها ترأس وحده الحماية من الأخطار الإشعاعية بمعهد أبحاث في بلدها. من قال أن الجميلات من الشقراوات يفتقرون إلى العقل والموهبة في مجالات العلوم؟، يحدث يولا نفسه

وماذا عن الزميل الكويتي؟ يتناول ملفه ليذكر نفسه بإنجازات سامي في الأبحاث البيئية. ليس بدولة الكويت أنشطة تتعلق مباشرة بالعمل الإشعاعي، إلا أن الدولة تولي إهتماماً للملوثات الإشعاعية ذات المصادر الطبيعية أو تلك الناتجة من أنشطة الإنسان. أليست الكويت صحراء ساحلية، ما طبيعة الأبحاث بمجال البيئة هناك؟، يسأل نفسه

السيرة الذاتية تحتوي على العديد من الإنجازات خلال فترة قصيرة. الواضح أن سامي باحث نشط بالمجال البيئي على عدة مستويات، فله إنجازات بالكشف عن الملوثات النفطية في البيئتين البحرية والبرية بإستخدام منظومات الإستشعار عن بعد للإستعاضه عن الأساليب الكيميائية المتبع إستخدامها بشكل شائع، إلا أنها تقدم النتائج بشكل أسرع. إن له أيضا مشاركات مع جهات أخرى بأوروبا كهولندا وألمانيا، وهو الآن ينوي زيادة مجال بحثه نحو الكشف عن الملوثات الإشعاعية. زميل فذ فعلاً، لا عجب أن لجنة النظر بطلبات الإلتحاق قد أرسلت توصيتها بقبوله لهذه الزماله بهذه السرعة

من يدري، لعل هذين الزميلان الجدد سيكونون سباقين في فتح المجال لإستخدام الحقل النووي في بلدانهم

يتذكر يولا بلده هنغاريا الذي كان إلى فترة قريبة يدور في الفلك السوفييتي. الجاهليين بالتاريخ يجهلون أن هنغاريا كانت إلى العقد الثاني من القرن العشرين جزءاً من الإمبراطورية النمساوية التي كانت في فترة من الفترات أغنى من الولايات المتحدة وأكثر تطوراً منها بالمجالات المختلفة. ليس هذا فحسب، وإنما ينسى الكثيرون إنجازات أبناء هنغاريا بتطوير المجال النووي في أواسط القرن العشرين

فمكتشف ظاهرة الإنشطار التسلسلي لليورانيوم كان ليو زيلارد الذي فر من أوروبا إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا بعد أن إعتلى هتلر السلطة بألمانيا لأنه كان يهودياً. و بأمريكا تمكن من إقناع ألبرت آينشتين من الكتابة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت رسالة يحثه فيها على إستخدام الإنشطار الذري عسكرياً قبل أن يقوم الألمان بذلك. بعد أن وقع آينشتين الرسالة في الثاني من أغسطس عام 1939 والتي خطها زيلارد بشهر ، غزت القوات الألمانية بولندا، لتبدا أشرس حرب عرفتها الإنسانية والتي إنتهت بإستخدام السلاح الذري من قبل الدولة الوحيدة التي إستخدمت هذا السلاح فعليا حتى الآن، الولايات المتحدة الأمريكية

من سخرية القدر أن زيلارد كان من أوائل العلماء الذين نادوا بالحد من إستخدام الذرة في التسلح، حتى قبل أن تنتهي الحرب فعلياً، مما دفع الوكالة في سنواتها الأولى أن تمنحه جائزة "ذرات من أجل السلام". يا للسخرية، فالولايات المتحدة الأمريكية الآن تسعى إلى فرض قيود على من سيدخل النادي النووي، يعود بعض الدافع لهذا الإندفاع بغرور نحو منع الآخرين من تملك بعض ما إمتلكته أمريكا إلى هنغاري آخر: إدوارد تيلر المعروف بالأب الروحي للقنبلة الهيدروجينيه

تيلر عمل فعلا بمشروع مانهاتن الذي طور السلاح الذري أثناء الحرب، وطوال حياته حتى وفاته قبل سنتين كان يدعوا للمزيد من التطوير لزيادة قدرات التسلح لدى الولايات المتحدة الأمريكية. كان أيضا من المدافعين عن تطوير قنابل أشد فتكاً وفعالية، متذرعاً بإمكانية إستعمالها لأغراض سلمية كشق الأنفاق خلال الجبال أو القنوات وسط الصحاري، أو حتى لأغراض البحث العلمي

من المفارقات أن رئيسة وزراء الهند الراحلة إنديرا غاندي إقتبست بعض من ذرائع تيلر عندما أعلنت للعالم عام ١٩٧٤ أن الهند قامت بتفجير نووي سلمي

ماذا إن دخلت الهند أو باكستان أو دولٌ أخرى للنادي الذري؟ من يعطي دولة من الدول الحق في تحديد من يجب أن يحصل على القنبلة، ومن يجب أن يمنع من تطويرها؟ إن كان التاريخ يعلمنا شيئاً، فإن السلاح النووي لم يستخدم إلا عندما كان بيد دولة واحدة. ما أن بدأ هذا السلاح يتداول لدى دول عدة مما أدى ذلك لسباقات مكلفة في التسلح بين الدول حتى بات واضحاً عدم جدوى إستهلاك مداخيل الشعوب بتطوير أسلحةً لم تستخدم بأية حال، مما أدى في النهاية إلى توقيع إتفاقيات الحد من التسلح و ضمور الخطر النووي على العالم

يا لسخرية الأقدار في النهاية فإن السلام يحققه الإندفاع نحو الإستعداد للحرب وخلق المزيد من الأسلحة، يفكر يولا

ربما كان على الوكالة أن تهب جائزة ذرات من أجل السلام لإدوارد تيلر بدلاً من ليو زيلارد، يبتسم يولا لنفسه

ينظر لساعته، لقد أضعت الكثير من الوقت، يحدث نفسه، المختبرات الآن خالية بعد رحيل الموظفين، حسناً بإمكاني الآن القيام بأعمالي دون مداخلات من الآخرين

إنتهى الجزء التاسع عشر
ويتبع في الجزء القادم

Wednesday, October 05, 2005

إلحين آنه صايم وجهازي خايرها


Tuesday, October 04, 2005

مبارك عليكم الشهر

Monday, October 03, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثامن عشر




هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


"آمل أنكم قد قضيتم يوماً مفيداً مع إليزابيث؟" يسأل يولا

"نعم، إلا أنه كان يوماً مرهقاً. وعلينا الآن الذهاب لميريك لحضور المحاضرة الأولى بخصوص قياسات الغاما" تجيبه إندرا

"لقد تمت إعادة جدولتها للغد لتواجد ميريك خارج المعامل، سأقوم بأخذكم لوحدة قياس الجرعات الإشعاعية لتتطلعوا على أساليب قياس كميات الإشعاع من قبل العاملين بهذا المجال. هذه الجولة كان من المفروض تقديمها الإسبوع القادم" يجيبها يولا

"بالمناسبة، كيف يتم تقييم مخاطر العمل بالنسبة للعاملين بالمجال الإشعاعي بالنمسا مقارنة مع باقي أوروبا؟" تسأل إندرا

"لا أعتقد أن الوضع يختلف كثيراً حول أوروبا. فالعاملون يحصلون على إجازة مدفوعة الأجر تتراوح بين الأسبوع أو الإثنين، يتحتم عليهم إستغلالها بإجراء الفحوصات الطبيه والتحاليل، يحصلون بعدها على الموافقة بالإستمرار في العمل، علاوةً على التأمين الصحي الخاص بذلك" يجيب يولا

هذا لا يختلف عما نفعله في لاتفيا" توجه إندرا الحديث لسامي الذي كان يتابع الحوار بصمت بعد أن إنتهى من تناول الغداء الذي لم يكن شهياً جداً، إلا أنه لم يكن بسيء

"موظفو وزارة الصحة بالكويت يحصلون على إسبوع إضافي لإجازتهم السنوية، إلا أنه لا يتوجب عليهم إجراء فحوصات دورية. أما العاملين بالمجالات الأخرى كالمجال البيئي فليس لهم أمتيازات كهذه" يحدثهما سامي

ينظر يولا وإندرا إليه بشيء من التعجب، فيشعر بما يدور بخلدهم ليكمل،

"لا تنظرا إلي هكذا، فمجالات العمل الإشعاعي بالكويت ليس بمجالات يمكن أن يتعرض به العامل لجرعات مركزة من الإشعاع، فمثل هذه الفحوصات تكون إختيارية" يشرح لهما سامي وهو يعلم أنه غير مقنع، فيستبق أي رد منهم بسؤال

"ماذا عن ميريك؟ أهو يقوم برحلة عمل؟" يسأل يولا

"كلا"، يجيبه يولا، "إنه بشأن أمرٍ خاص به" يكمل يولا مع شعور بالتعاطف

+++++

المرآه المعلقة خلف باب مكتبه نظيفة وخالية من البقع، هكذا هو يحب أن يبقي كل شيء نظيفاً ومرتباً. بعكس بعض العاملين الآخرين. لا أعلم كيف يحلو لهم العيش دون ترتيب يسأل نفسه

"كان يجب أن أختار ربطة عنق مختلفه اليوم" يحدث نفسه بهمس مسموع

هذه الربطة لا تناسب القميص الذي أرتديه. يفكر وهو ينظر لنفسه في المرآه

هذه عادته يتأكد من حُسن هندامه يومياً كعادته قبل التوجه للغداء. إنها عادة علقت به منذ صباه وأثناء فترة التحاقه بالجيش. كم كان فخوراً بنفسه تلك الأيام، عندما كان يتطلع لإستكمال تحصيله العلمي حينما كان يخدم جيش قوة عظمى

بوريس ماركوف، يدير قسم الكيمياء البيئية في مختبرات الوكالة، وبحكم وظيفته فإنه أيضا مسؤول عن تدريب بعض الزملاء من شتى أنحاء العالم. هذه الأيام لديه ثلاث متدربين من مصر والسنيغال والهند وآخرين من أقسام أخرى

حسناً، يهز رأسه برضا على مظهره الخارجي، بقي شيء واحد. يذهب لمكتبه ويفتح الدرج السفلي ليخرج علبه مخملية صغيرة. يفتحها و يتناول ما تحتويه بعنايه

إنه دبوس صغير يحمل صورة أحد أشهر العلماء في التاريخ، يثبته بحرص وعناية في عروة ياقته. يتذكر ذلك اليوم الذي قُبل فيه عضواً في أكاديمية العلوم الروسية، يتذكر وقوفه بفخر وهو يوقع إسمه باعتزاز في سجلٍ يحوي الأسماء اللامعة التي جعلت الإتحاد السوفييتي بجمهورياته المختلفة سباقاً في مجال العلوم

يتأمل الدبوس ويمسحه ليزيد من لمعانه. لماذا إختارت الأكاديمية ألبرت آينشتاين رمزاً لأعضائها؟ لِم لَم تختار روسياً؟ لماذا لم تختار منديلييف مثلاً، واضع أسس الجدول الدوري للعناصر؟ يتذكر بعضاً من سيرة عملاق الكيمياء السيبيري المولد، وكيف أنه كان هذا العملاق تلميذاً متواضعاً ولولا جهود والدته الحثيثة لتعليمه لما تذكر العالم إسمه

يتذكر كيف كان منديلييف ينتقد الحكومة القيصرية، وكيف كان نصيراً للمستضعفين إلا أنه في المقابل كان وطنياً إلى أخر حياته وخير شاهد دعمه بقوة حرب بلاده ضد اليابان. حتى عندما حاول المغرضون إثارة حنق القيصر ضده بعد أن كشفوا أنه تزوج زوجة أخرى، حيث الكنيسة الشرقية لا تعترف بالطلاق، أجابهم القيصر بأن منديلييف قد يكون له زوجتان، إلا أن روسيا وقيصرها لديهم منديلييف واحد فقط

تمر الفكرة الساخرة بمخيلة بوريس، حتى بعدما يقرب من قرن ونصف، روسيا عاجزةً عن غفران منديلييف لليبراليته

نعم، روسيا أنجبت علماء عظام، إلا أنها الآن تعيش على أمجادها الماضية. فها هو مثلاً كان يعمل على دراسة الإتزان البيئي في حقول دول الإتحاد السوفييتي السابق، وله أبحاث في زيادة فعالية إنتاج الأراضي الزراعية. كل هذا تغير بعد إنحلال الإتحاد، لمدة سنوات عمل بالمجال الأكاديمي قبل أن يقبل العمل بالوكالة

الكثير من أقرانه في دول الإتحاد السابقة دفعتهم الحاجة للعمل بأعمال بسيطة لزيادة موارد أرزاقهم من العمل الأكاديمي التي لا تزيد بكثير من الأحيان على ما يعادل بضعه دولارات شهرياً. الكثيرون إنتهى بهم المطاف إلى الهجرة لدول كانت بالأمس القريب من دولٍ يكنون لها العداء، بعضهم للعمل بوظائف مربحة، وآخرون إعتنقوا النظام الرأسمالي وبدأوا أعمالهم وشركاتهم الخاصة

يتذكر الكثيرين منهم ممن هاجروا لينتهي بهم المطاف بالعمل بأعمال شبيهة بالأعمال البسيطة التي إمتهونها ببلادهم قبل الهجرة مع إختلاف المدخول؛ فقائد سيارة الأجره في نيويورك يحصل على أضعاف ما يحصل عليه قائد سيارة الأجره في موسكو

لكم يشعر بالمرارة

إنني الآن مجرد إداري أعمل تحت إمرة إمرأه من ألمانيا. يتذكر قصص والده الذي حارب النازيين إلي عقر دارهم

وها أنا أعمل كمدرس لزملاء الوكالة ممن يلتحقون بها وأغلبهم من دول العالم الثالث. يحدث نفسه، لكن على الأقل لم أتنازل عن مكانتي أمام هؤلاء وأنسى إنني من دولة كان العالم ينحني لها إحتراماً، قبل أن تصبح ألعوبة بأيدي الغرب وتحكم من قبل الرعاع والمخمورين وأرباب العاهرات. تباً للأميريكيين، فهم كانوا السبب وخصوصاً سباق التسلح

ينتهي من تعديل هندامه فيترك المكتب ذاهباً للكافيتيريا


إنتهى الجزء الثامن عشر
ويتبع في الجزء القادم



Saturday, October 01, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء السابع عشر



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


في غرفة المتدربين

"هل إنتهينا من العمل اليوم؟" تسأل إندرا بينما تخلع ثياب العمل التي كانت ترتديها فوق ملابسها

"لا أعلم. لقد سمعت السيدة زايلر تقول بأنها ستستمر معنا إلى أن نتقن العمل" يرد سامي

"يا إلهي لكم كان العمل اليوم مجهداً" تحدثه إندرا وبالفعل فإن العمل الحقلي غالباً ما يكون مجهداً

تتجه إندرا نحو المغسلة وتبدأ بغسل يديها من الأتربه التي علقت بها من جراء أخذ العينات الترابية طوال النهار

"أذاهب أنت للكافيتيريا مباشرةً؟" تلتفت لسامي وتوجه له الحديث

يجيبها بالإيجاب

"حسناً، هل لك أن تحجز لي مقعداً معك" تطلب منه

"ألن تأتي معي؟" يسألها

"أود تدخين سيجارة قبل تناول الطعام" ترد وتتناول معطفها مرة أخرى وتهم بالخروج

ينظر إليها سامي وهي تخرج من الباب الرئيسي. يراقبها وهي تشعل سيجارتها وتأخذ منها نفسا طويلاً

يقوم سامي متثاقلاً من مكانه ليعلق ثيابه قبل أن يذهب للإغتسال إستعداداً للغداء

+++++

إنتهى كيم من تناول وجبة الغداء سريعاً على غير عادته، فغالباً ما تكون إستراحة الغداء وقتاً للراحة والإستمتاع والحديث مع الزملاء

يتوجه كيم إلى مكتب إينـزيو ليسلمه بعض الأوراق، ويطرق الباب

"أدخل" يأتيه الصوت من الداخل
يفتح كيم الباب فيجد إينـزيو أمام شاشة الكمبيوتر وهو يتصفح الإنترنت، وأمامه كأسا يحتسي منه

"هل النبيذ جيد؟" يسأله كيم مبتسماً

"نعم. هل أسكب لك كأساً؟" يسأله إينـزيو

"لا شكراً، ما زال الوقت مبكراً لي. فأنا أرغب بالإحتفاظ برأسي في حالة صافية لبقية اليوم " يرد كيم

"أنت لا تعلم ما الذي يفوتك يا كيم، إنه نبيذ إيطالي جيد وليس من تلك العبوات الرخيصة التي تباع بالكافيتيريا" يحدثه إينزيو مبتسماً

"تفضل" يمد كيم يده مناولاً إينـزيو بعض الأوراق

"هل هذه هي النتائج؟" يسأله إينـزيو

"نعم، ...، وستجدها مثيرة للغاية" يرد كيم بينما يشير له إينـزيو بالجلوس

يتفحص كيم غرفة إينـزيو الصغيرة والتي تحوي العديد من الألغاز والأحاجي التي يحب إبراز مهارته بها أمام زائرييه

بينما يتصفح إينزيو الأوراق التي سلمها له كيم، يركز كيم إهتمامه بشاشه الكمبيوتر التي كانت تحتوي على صفحة لم يستطع تبيانها، فقد كانت تحتوي صورا لمناظر طبيعيه أخاذه

"هممم، ....، هذه النتائج مثيرة للغاية، قد تدل على أمر. هل إطلع أحد عليها" يسأله إينزيو والجدية بانية عليه

"فقط يولا" يرد كيم

"ينبغي أن نسأل غابرييلا لرفعه لإدارة الوكالة، ألا توافقني يا كيم؟" يسأله إينزيو

"يجب إلا نتسرع، ما زال هذا التقرير الأولي" لا يبدو كيم متحمساً للحديث بخصوص التقرير الأولي الذي قام بتسليمه للتو، فقد أخذ بمطالعه إحدى الكاتلوجات التي كانت على الطاوله أمامه. كان كاتلوجاً فاخراً جداً لسيارة الفيراري

"يا إلهي، يا للجمال. أن الصور وحدها كفيلة بأن أتجه الآن لوكيل السيارة وأطلب منه تجربة إحداها، أعتقد أن مجرد جلوسي بمقعد إحدى هذه الجميلات سيعيدني لعنفوان شبابي" يعلق كيم

"بالطبع يا عزيزي، أنت تعلم إننا معشر الإيطاليين من أكثر البشر ممن يقدرون الجمال في كل شيء، الطعام والشراب - يحتسي بعض النبيذ - كما نقدر الجمال بالعمارة، و ... السيارات، وقطعاً يجب أن لا ننسى النساء" يضحك بخبث

من يسمعه يعتقد أنه يرافق صوفيا لورين او كلوديا كارديناللي بأيامهما أو حتى الفاتنة مونيكا بلوتشي، يفكر كيم وهو يتصفح الكاتلوج

"حسناً، لنحصل على قراءات إضافية أخرى قبل إبلاغ غابرييلا، ويجب أن نقوم بمرادفة هذه النتائج مع نتائج الغاما من ميريك" يحدثه إينزيو

ينظر كيم بإعجاب إلى آخر الصور في الكاتالوج، إحدى هذه التحف الأرخص تكلفة تعادل إجمالي راتبه من الوكالة لعدة سنوات قادمة. إن حصلت على إحدى هذه المركبات الفاخرة، فسوف أضعها بغرفه النوم ولن أسمح لأحد بأن يمسها يبتسم كيم وهو يلقي بالكاتالوج جانباً

"نعم، إننا بصدد فحص عدد آخر من العينات للتأكد، وستكون جاهزة الإسبوع المقبل" يرد كيم

"حسناً إذاً، إن عملك يسير على ما يرام يا كيم، أين يولا بالمناسبة؟" يسأله إينزيو

"إنه بالكافيتيريا مع الزملاء الجدد، إنهم متعبون بعد قضائهم يوماً مرهقاً بالتدرب على أخذ العينات" يرد كيم
"آه حسناً، سأقابله لاحقاً لأخذ جدول المتابعة في التدريب الخاص بهم. ينبغي لي الإستعداد، ...، شكرا ياكيم" يرد إينزيو

يخرج كيم ويعاود إينزيو تصفح الإنترنت. يا لها من إقطاعية جميلة. إن لم أحصل عليها، فعلى الأقل واحدة مشابهة وبنفس المكان. لا مكان يضاهي تسكاني، يحدث نفسه


إنتهى الجزء السابع عشر
ويتبع في الجزء القادم