Wednesday, October 19, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الحادي والعشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



"إن الأوروبيين يبالغون في حساسيتهم المفرطة من التوابل الحارة!" يحدث سامي نفسه وهو ينظر لزجاجة التباسكو المعلمة بأنها قليلة الحرارة على الرف في محل "سبار" الملاصق لسكنه حيث كان يتسوق

المحل صغير جداً إلا أنه جزء من سلسلة محلات سوبر ماركت شهيرة ومنتشرة حول فيينا

ماذا لو علموا بأننا كنا نتجرع الصلصة شديدة الحرارة ذات ماركة الديك صغاراً؟ وخصوصاً مع كرات البفس الجبنية أو ما هو شهير بالكويت بإسم البفك، يفكر سامي لنفسه، لحسن الحظ إني لا أسافر إلا ومعي بهارات الطهي الخاصة بي و إلا كنت سأتضور جوعاً. يجب علي أن أسأل إندرا عما تحب أن تأكل إن كنت سأدعوها للعشاء يوماً ما. يجب أن أوضح لها أن الرجال من الكويت طهاةً ممتازين، يبتسم

بعد التسوق يعود لمسكنه حيث يضع الأغراض ثم يذهب لموظف الإستقبال مارتن ليسأله عن الأماكن التي يود زيارتها حول فيينا

ينطلق سامي إلى محطة أوبردوبلنغ ليستقل القطار إلى محطته الأولى. محطات القطار هنا تدخل دون المرور عبر بوابات آليه، ومثل الباصات لا يوجد كمسرية للتدقيق في التذاكر. فالجمهور يكتفون بحمل بطاقات الإشتراك في خدمات النقل العام وعرضها على المفتشون الذين يقومون بالسؤال عنها بشكل عشوائي

يبدل القطار بمحطة هيليغنشتادت ليستقل مترو الأنفاق المتجه لوسط المدينة. وحسب تعليمات مارتن يترجل من القطار في المحطة الخامسة في شويدينبلاتز. المحطة مزدحمة يفكر سامي، كان عليه إستقلال أكثر من سلم متحرك للخروج منها، وما أن فعل ذلك حتى أحس بأنه فعلاً في وسط مدينة كبرى

منطقة سكناه، في القطعة 19 من المناطق الراقية في فيينا ويسودها الهدوء أكثر، أما الآن فهو يجد نفسه وسط إزدحام من المارة والضوضاء المختلطة على الرغم من برودة الجو المشبع برائحة رطبة، فعلى يمينه نهر الدانوب

يقرر سامي السير بعيداً عن النهر نحو الجنوب حيث وسط المدينة. أمامه أحد محلات الماكدونالدز عبر شارع مليء بطابور من سيارات الأجرة. يسير على رصيف الشارع عمودياً باتجاه مسار النهر

الإزدحام ليس شديداً كمدن أخرى قام بزيارتها. يمر بحاذاة محل تتقدمه طاولات وكراس في الهواء الطلق، المحل إسمه زانوني و زانوني للبوظة! أليس الجو شديد البرودة للإستمتاع بالآيس كريم، يتساءل مع نفسه

يمر بمحاذاة مطعم بيتزا بيزي للمأكولات الإيطالية السريعة، لا يبدو شكله مشوق لتناول الطعام، يحدث نفسه. يلي ذلك محل للشوكولاته متخصص بماركة شوكولا ميلكا ويجد نفسه بعدها أمام كاتيدرائية الستفينبلاتز. على الرغم من الليل فمنظر الكنيسة يعطي للمدينة رونقاً أنيقاً وجاداً في نفس الوقت. يدور حول الكنيسة مذكراً نفسه بضرورة زيارة المكان نهاراً

يجد محلاً مفتوحاً متخصصاً بالتذكارات، إسترعى إنتباهه فيه نافذة العرض التي وضع فيها عدداً هائلاً من كرات شوكولاتة المارزبان التي تحمل صورة موزارت والتي تشتهر بها النمسا. يدخل للمحل ليشتري كيسا من الشوكولاته

+++++

وفي الأثناء

يتابع تجواله بالمدينة. لقد إعتاد على هذه الجولات المسائية والتي عادة ما تكون دون هدف قبيل الذهاب إلى مقصده

يقف تلقائياً أمام محل لبيع الطوابع ويفرك رأسه الخالية من الشعر، وهو محل صغير بالمنطقة القريبة من شارع كارنتنرشتراسه، ومقابل معرض أزياء هيرميس الشهير

يتذكر، بينما خياله ينعكس على زجاج المحل، يتذكر وقوفه مع والده، وخيالهما الذي كان ينعكس بدوره على زجاج محال بيع الطوابع، يتذكر كيف عرفه والده على عالم جمع الطوابع الذي أصبح هوسه وشغفه به كبيراً لدرجة إدمانه على الشراء حتى في أحلك الظروف المالية التي كان وما زال يمر بها

إن فيينا ليست بغريبة عن عالم الطوابع ومعارضه. فقد أقيم أول معرض عالمي لجامعي الطوابع فيها عام 1881 ، وكان المعرض يحمل بصمات سيجموند فريدل، النمساوي الذي كرس جل حياته في جمع الطوابع وتوج هذه الحياة بإقامة المعرض العالمي الأول لجامعي الطوابع

لكم تمنى في هذه اللحظة أن يكون كلاوس برفقته. يوماً ما سيرث كلاوس مجموعتي الكاملة، يفكر لنفسه. سأترك له ميراثاً قيماً لعله يشكرني عندئذ بدل تهربه مني على الدوام

يتذكر طلاقه من زوجته، سيلفيا. وكيف كان الإتفاق أن يعيش إبنهما كلاوس برعايتها. كان لابد له أن يوافق على ذلك. فحياته آنذاك لم تكن مستقره ولا تسمح بوجود طفل صغير فيه. ثم أن أي طفل يحتاج لرعاية أمه في مراحل عمره الأولى

ولكن، الأهم إن طلاقهما لم يكن بالصعب. فهو مازال يرى إبنه دورياً، بل إن سيلفيا تصر على تذكيره بمواعيده مع إبنه. ولكن التكاليف الشهرية التي يدفعها لسيلفيا ما زالت باهظة. إنه لا يمانع لولا بأن هذه التكاليف كانت ممكن أن تسدد فواتير هوايته. هذه الهواية تحتاج لميزانية خاصة ومبالغ يعجز أن يوفرها في العديد من المرات

ينظر لساعته ويترك واجهة محل الطوابع ويتجه مباشرة نحو مقصده الليلي، نادي كازانوفا على شارع دوروثيرغاسه بالقرب من مبنى أوبرا فيينا

+++++

يتابع سامي سيره جنوباً حيث محلات الأناقة العالمية الشهيرة مثل زارا و هيرميس، ثم يمر بمحل من عدة أدوار متخصص بالسجاد الإيراني يحمل إسم "عادل بِسِم". يا ترى كم تبلغ أثمان مثل هذا السجاد الفاخر هنا؟ يسأل نفسه، يتابع سيره وهو ينظر لنوافذ المحلات المغلقة. إن كانت المحلات تغلق أبوابها باكراً، فمتى سيتسنى لي التسوق هنا؟ يتساءل سامي بينما ينظر إلى الأرض حيث يلاحظ وجود نجوم على الأرض، يحمل كل منها إسم أحد المشاهير في فنون الموسيقى ممن قدموا إبداعاتهم الفنية للعالم من فيينا، ويتذكر الهاليوود بوليفارد بكاليفورنيا

سرعان ما يأتي لأحد مقاهي ستاربكس الذي يقابله محل للتسجيلات الموسيقية الكلاسيكية. يبتسم سامي لفكرة وجود مقهى الستاربكس بفيينا ويتذكر المثل المصري الشهير، لا تبيع الماء في حارة السقايين

ينظر سامي لمعروضات المحل من خلال نوافذه تحت أعمدة ذات تصميم فذ، حتى وصل لنهاية الممر حيث توجد بالمقابل نافورة صغيرة من طبقتين مغطاة بالشباك كغيرها من النوافير التي مر عليها لحمايتها من الطيور أثناء فصل الشتاء. بتتبعه للمبنى يتضح إليه أن محل التسجيلات تتبع لدار الأوبرا بفيينا. ياله من مبنى فاخر أنيق، ولا عجب فهو يليق بالفنون الراقية التي تعرض على مسرحه

بعد الشارع المقابل وهو شارع كارنتنرشتراسه، توجد محطة للترام و أيضا مدخل لمحطة كارلبلاتز لميترو الأنفاق. يتجول بالمنطقة وسرعان ما يجد نفسه أمام مبنى تعلوه مظلة كجناح و نحتاً لرجل يمتطي حصاناً. إنه متحف الألبيرتينا الشهير، ومن معروضاته الحاليه لوحات للفنان الفرنسي الراحل مارك شاغال المستوحاة من القصص الإنجيلية. يذكر نفسه بأن عليه أن يزور المعرض قبل نهاية فترة العرض. متاخم للمتحف يوجد متحفاً متخصصاً بالفنون السينمائية

من قال له أن الزيارة لفيينا هي حجة لزيارة المتاحف الواحد تلو الآخر؟ يتساءل سامي

بالقرب من المتحف هناك نصب لتخليد ذكرى ضحايا الفاشية والجرائم النازية ضد البشرية، ولفت نظره لوحة تحمل تذكيراً كتب بعدة لغات يذكر الجمهور إلى إحترام هذا المكان

ينظر لساعته ويقرر العودة لمركز المدينة و ضفاف نهر الدانوب سالكاً لطريق مغاير للذي إتبعه في القدوم. بإستخدام خريطته كان يبحث عن عنوان أعطاه إياه مارتن، و ما لبث أن توصل إلى المكان المراد؛ إنه دار لسينما آرتيس كينو المتخصصة بعرض الأفلام العالمية بلغاتها الأصلية و دون دبلجة. مظهر المبنى الأنيق من الخارج لا يوحي بأنه دار لسينما من عدة شاشات تقع مقابل محل متخصص بالكتب و الخرائط القديمة

يتابع قائمة الأفلام المعروضة ولحسن الحظ فإن فيلم "راي" الذي ذكرته إندرا من الأفلام المعروضة حالياً. حسناً، ربما جئت لمشاهدته بعطلة نهاية هذا الأسبوع. يتابع سامي طريقه نحو النهر ويتوقف عند مطعم صغير إسمه ماستيو. ما لفت إنتباهه إليه هو لافتة المحل التي تدعي بأن المطعم يقدم أفضل فلافل في فيينا، ولسبب ما تذكر فلافل شرف في منطقة شرق بالكويت. يقرر تجربة المكان خاصة و أن السير في هذا الجو البارد جعله يشعر بالجوع

+++++

لطالما كره هذه الجزئية من عمله، فهذا ليس بالأمر الهين

"إني آسف يا سيدي. أعلم كم تود أن تكون بمقربة منها، و لكن هل لي أن أكلمك على إنفراد؟" يحدثه، ويلاحظ إرتباكه، بل عدم رغبته فراقها

"أعدك بأن الأمر لن يتطلب الكثير من الوقت وستعود سريعاً لتكون معها" يحدثه الدكتور هاوس

يهز الرجل رأسه و يرافق الطبيب لمكتب العيادة، حيث يشير إليه بأن يجلس على أحد الكراسي قبل أن يغلق الباب ثم يجلس مقابله ويجر الكرسي ليكون على مقربة منه

ركبتيهما كانت شبه متلاصقة مع بعضهم فيقترب ليكلمه، فهو يريد أن يكون صادقاً وصريحاً معه، فالرجل يمر بالكثير إلا أنه لا داعي لإطالة عذاب المريضة

"سيدي، إني فقط أريد أن أخبرك أن كاترجينا قد قاست الكثير. والآن أعتقد أنه يتحتم علي إخبارك أن الآلام التي يسببها المرض تمنعنا عن إيقاف المورفين"

يتوقف قليلا ثم يستدرك واجماً، "وهذا يعني أنه ليس بالإمكان أن تكون واعية لما بقي لها من الوقت" يقولها و هو ينظر للرجل مباشرة في عينيه

يهز الرجل رأسه. إن حالة الأسى مختلطة بمشاعره المختلفة التي يعايشها تمنعه من أن يظهر أيه إنفعال

"ألا يمكنني أن آخذها معي لبلدنا؟ على الأقل أود لها أن تودع الحياة في منزلها الجديد بكرامة. سأوظف ممرضة خاصة لهذا الشأن" ودون أن يكمل يقاطعه الطبيب

"إني آسف يا سيدي. لا يمكنني أن أخدعك، فإن تحريكها من المستشفى لأية مدة وإن قصرت سيجعلها بعيداً عن الطاقم الطبي الذي يشرف على العناية بها علاوة على إنها مرتبطة بالأجهزة الطبية المساندة للحياة التي يصعب نقلها" يضع الدكتور يده على ركبة الرجل و يمسك بيده الأخرى يده.، "أنني أدرك أننا تحدثنا مسبقاً بهذا الموضوع، ولكن هل لك أن ..." ولا يكمل الطبيب جملته، حين يقاطعه بشدة

"لا! مستحيل، إيقاف الأجهزة عنها خيار غير مقبول!! إني أعلم أنها ستودع الحياة قريباً، و لكني لن أسهم في المسارعة بذلك!" يرد بعصبية

يهز الدكتور هاوس رأسه ثم يقف ويضغط على كتف الرجل

"لك ما شئت يا سيدي. يجب أن أصدقك القول وأخبرك أنها الآن مسألة أيام" لا يتذكر الدكتور عدد المرات التي قال فيها هذه الجملة ولأطياف من الناس، ولكن وفي كل مرة تكون أصعب من الأخرى

+++++

ينظر سامي عبر النهر إلى المبنى المقابل. إنه مبنى متواضع مقارنة بالمباني المجاورة له ولا مجال لمقارنته مع المباني ذات العماره التقليدية التي مر عليها أثناء جولته هذه الليلة. إنه مبنى المقر الرئيسي لمنظمة الأوبك. كان يقف على الرصيف العلوي لكورنيش النهر. في الأسفل هناك طابق آخر قبل الوصول للنهر فعلاً. ينظر لمياه النهر وهي تجري متذكراً دروس الجغرافيا من صباه. فالدانوب هو النهر الرئيسي الوحيد في أوروبا الذي يتدفق شرقاً من منابعه بالغابة السوداء في المانيا ماراً بعدة دول ومدن كبرى منها لينز و فيينا بالنمسا و براتيسلافا في سلوفاكيا و بودابست في هنغاريا قبل أن يصب بالبحر الأسود

يتابع سيره شرقاً حتى وصل لمحطة الميترو التي بدأ تجواله بالمدينة منها قبل ساعات. يتابع السير فيرى مبنى عظيماً على ضفاف النهر تعلوه قبة مثل تلك التي تعلو المراصد الفلكية. يتضح أنها دار عرض و متحف علمي يعرف باليورانيا. مثل كل شيء أبصره حوله فتصميم المبنى بديع ومتماثل مع العمران الذي تتميز به هذه المدينة الجميلة

يستمتع سامي بمتابعة سيره في هذا الجو البارد و النسمات الرطبة من النهر. على يساره عبر النهر وسلسلة من المباني يلمح معلماً أثار إنتباهه. فعلاً بالطبع! يخرج من الحقيبة التي كان يحملها على كتفه المنظار الثانوي الذي يحمله دائماً ليتأمل الدولاب البعيد. يتحتم علي زيارته وركوبه بأقرب فرصة، فهو أحد المعالم المثيرة التي تضمنها ذالك الفيلم السينمائي البديع ...

هاتفه النقال يبدأ بالرنين، يدخل المنظار لحقيبته ويتناول الهاتف المعلق من حزام بنطاله بالناحية اليسرى. إنه الهاتف الذي وضع عليه شريحة الإتصال المحلية و ليس هاتفه الأساسي الذي يحمل خط الكويت والذي يحمله في حزامه على الناحية اليمنى. شاشة الجهاز تعرض رقم المتصل و ليس الإسم. يضغط زر الإستجابه ليرد على المتصل



إنتهى الجزء الحادي والعشرون
ويتبع في الجزء القادم



5 Comments:

Blogger Anti_Reason said...

This comment has been removed by a blog administrator.

12:05 AM  
Blogger Anti_Reason said...

I just love the story ;-)

About the mild-flavored Tabasco: LOL! I don’t know about the “Deek” sauce, but I guess its “dragon-breath” hot?

Its never too cold for a visit to Zanoni & Zanoni ;-) Yum!

I’d avoid Pizza Bizi, unless you like your pasta with extra greasy sauce, not to mention their yummy spinach pizza - EWWW :-(

Question: Which hot sauce did he order with his falafel sandwich at ? Was it easy to find seating upstairs or was it a take-away?

Need to know more about
Adil Besim?

12:14 AM  
Blogger esetch said...

AR

Nice to have you with us. It’s been a long time.

I myself in favor of yogurt ice cream.

As for the pizza place, now what Bart Simpson used to say, yeh, “More grease, more grease” 8-)


I guess he carries his own Bo Deech sauce with hom

11:47 AM  
Blogger Anti_Reason said...

This comment has been removed by a blog administrator.

2:36 AM  
Blogger Anti_Reason said...

My favorite Bart Simpson chant was when he ran for school elections and demanded: “more asbestos”!

Zanoni does serve frozen yogurt - big time yummy! - which flavor do you like? When I visit I like to mix-n-match, so I never had the same combination twice.

I don’t know about “Bo Deech” sauce, but in falafel places and other eateries around Vienna they serve the spicy and hot sauces in regular drinking cups. The glasses are not covered and each with a spoon dipped in - its really pretty yucky (suppressing the urge to vomit!). In Maschu they serve two types of sauces, one is pretty much mild while the other is somewhat hot-n-spicy. So I sure hope Sami carries his own Tabasco when he goes out, and I’d advise him to stay away from Pizza Bizi!

Now I’m hungry ...

2:39 AM  

Post a Comment

<< Home