Sunday, October 16, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء العشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


بعد أن إنتهيا من ختم الهويات عند البوابة الرئيسية للمركز، عاودا الجلوس على مقعديهما بالباص

يخرج سامي جهاز الآي بود، "أتودين سماع بعض موسيقى السول، والتي كانت موضوع أحجية إينزيو بالأمس؟" يسألها سامي

"نعم أود ذلك، لعلي سمعتها سابقاً دون أن أعرف تسميتها" ترد إندرا

يخرج سامي سماعة إضافية ووصلة خاصة ليتمكن الإثنان من الإستماع للجهاز بوقت واحد

"لعل أفضل تعريف لهذا النوع من الموسيقى هو أنها قد إنبثقت من أسلوب موسيقى البلوز و الغوسبل الدينية الأمريكية ولكن كلماتها تخلو من المحتويات الروحانية و أسلوب موسيقاها يعتمد على إيقاعات قوية. لعل بداياتها بقوة تعود إلى الموسيقي راي تشارلز في الخمسينات" يشرح سامي

"آه فعلاً، هناك فيلماً سينمائياً عن حياته أود مشاهدته!" تحدثه إندرا

"نعم، وأنا كذلك. أرجو أن تكون هناك دور سينما تعرض الأفلام بلغاتها الأصلية. إذا كان النمساويين مثل الألمان الذين يصرون على ترجمة كل شيء فإن هذا سيكون صعبا" يرد عليها

يقضيان بعض الوقت بالإستماع لجيمس براون

"ماذا عن الأحجية الجديدة التي وضعها إنزيو اليوم؟" تبادره إندرا بالسؤال ضاحكةً

"بالفعل، لقد ذكرتيني بها" يخرج الورقة من جيبه ويقرأ عليها الأحجية

ما السطر التالي لمجموعة الأرقام التالية

1
11
21
1211
111221
312211
13112221

"هل لديك أية فكرة عن حلها؟" تسأله
"حتى الآن لا، إلا أنني لم أفكر بها ملياً. ولكن عادة ما تكون الأحجيات الرياضية ذو قاعدة تفسر الحل" يجيبها

"بالمناسبة، هل لي أن أسألك عن طبيعة عملك؟" لطالما كان سامي محباً لمعرفة كل التفاصيل عمن يصادقهم

تبتسم، "لا يوجد الكثير بالحقيقة. أنا أعمل بمركز السلامة الإشعاعية بمدينة ريغا. والمركز جهة حكومية تأسست قبل أربعة أعوام ومهمتها هي ضمان الإستخدام الآمن للطاقة الذرية ووضع السياسات الواضحة بهذا الشأن. و ماذا عنك؟" تجيب

- إنني جديد بالعمل في حقل الأبحاث بالمجال الإشعاعي. فليس بالكويت إستخدامات متقدمة لتوليد الطاقة. مجال إهتمامي هو المكونات المشعة بالبيئة الطبيعية، سواءاً كانت هذه المكونات ناتجةً بشكل طبيعي كمرادفات للملوثات الناتجة من عمليات التنقيب عن النفط مثلاً، وهذا مجال إهتمامي الأساسي، أو من جراء الأنشطة الإنسانية" يجيبها

"تقصد الأغبرة المتساقطة من حوادث نووية، كحادثة تشرنوبل؟" تسأله

نعم، إلا أنه بالكويت هناك حالة خاصة وتتعلق باليورانيوم الناضب. هل أنت على معرفة بأحداث أوائل التسعينات في منطقة الشرق الأوسط؟" يسألها

"آسفة، كان ذلك ببداية أيام مراهقتي. فقد كانت بلادنا محوراً لعملية تحول في منطقتنا والتي أدت إلى تفكك الإتحاد السوفييتي. فجمهورية لاتفيا بالإضافة لجمهوريتي إستونيا وليثوانيا كانت تسعى للإستقلال" تسرد

فعلاً، أتذكر ذلك. يرد سامي وهي يتذكر تلك الأيام العصيبة التي لا ينساها أي كويتي عاصر تلك الفترة

"إلا أنه في سنة ١٩٩٠ غزيت بلادي من قبل العراق، و قد تطلب الأمر حشداً عسكرياً مؤلف من حوالي ثلاثين دولة قادته الولايات المتحدة الأمريكية من أجل طرد الغزاة من الكويت و إعادة إستقلالها" يسرد

"نعم، أتذكر هذه الحرب. عرفت بعاصفة الصحراء، أليس كذلك؟" ترد عليه

"نعم. خلال هذه الحرب والتي إستغرقت ستة أسابيع قامت جيوش القوات المتحالفة وعلى رأسها جيش الولايات المتحدة الأمريكية بإستخدام قذائف مصنوعة من اليورانيوم الناضب في ضرب الأهداف العراقية" يضيف

"نعم، أعلم عن هذا الإستعمال لليورانيوم الناضب. فعنصر اليورانيوم ثقيل، تبلغ كثافته النوعية ١٩ مرة كثافة الماء. وصنع قذائف منه يعني أن هذه القذائف ستكون ذات طاقة حركية عالية ولكن بحجم صغيرٍ نسبيا. إن هناك دراسات عن إستخدام اليورانيوم الناضب في حملة دول الناتو على يوغوسلافيا بشأن إقليم كوسوفو عام ١٩٩٩ " تشرح إندرا

"هذا صحيح. تقدر كمية اليورانيوم الناضب التي أستخدمت في مسرح العمليات العسكرية أثناء حرب تحرير الكويت بحوالى ٣٠٠ طن. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة علمية دامغة تثبت علاقة هذه النسبة من اليورانيوم الناضب والمكون بشكلٍ شبه كلي من نظير اليورانيوم-٢٣٨ وصحة الإنسان، إلا أن هناك العديد من الأخصائيين وحتى الجمهور العادي ممن يدعون بأثر هذه الرسوبيات وزيادة نسب العديد من الأمراض كالسرطان بعد فترة الإحتلال العراقي للكويت. لقد أصبح لي الآن إهتمام في تقصي الحقيقة بهذا الشأن على الرغم من أنني لست متخصصاً مباشرةً بالمجال الطبي، ولهذا تقدمت بطلب الإلتحاق بهذه الزمالة بوكالة الطاقة الذرية" يحدثها سامي

"إذا أنت لست مختصاً بالمجال الإشعاعي؟" تسأله

"لا، فإن مجال تخصصي هو الملوثات النفطية في البيئة، وأنا أعمل بإحدى الجهات الحكومية المتخصصة بالشأن البيئي" يرد مبتسماً

"وهل كان تخصصك الأصلي بالكيمياء؟" تسأل

"الهندسة بالواقع، إلا أنني درستها بالإضافة لتخصصات مساندة بالكيمياء و لهذا توجهت بالتخصص لدراسة البيئة. فالبيئة لدينا بالكويت شحيحة بالمحتوى الحيوي كون البلاد تعتبر صحراء ساحلية. و لهذا يجب علينا الحفاظ على كافة أصناف التنوع الحيوي في البيئة" يجيبها

تهز رأسها موافقةً وهي تنظر له بإهتمام. إنك رجل صاحب مهمةٍ إذاً. هذا شيء مثير للإعجاب يا سامي. بالمناسبة أرجو أن لا تمانع إن ناديتك بإسمك الأول؟" تسأله

يضحك، "أعتقد أنك فعلتي ذلك طوال اليوم! بالطبع لا أمانع يا إندرا" يقولها مع التشديد على النطق بإسمها، فتضحك على ملاحظته

"بالمناسبة، أتعلم أن الكيمياء لم تكن مجال رغبتي الأول بالدراسة. كنت أتطلع لدراسة القانون لأصبح محامية مثل أبي، إلا أنني لم أجتز إختبار القبول في كلية الحقوق فإخترت للتوجه لدراسة الكيمياء" تضيف

يفكر سامي فيما قالته. هل أخبرها أنه بالكويت يحدث عكس ذلك؟ يقرر تغيير الموضوع، وخصوصا أن الباص قد شارف على ضواحي مدينة فيينا حيث سرعان ما ستهبط مع أغلبية الركاب

"هل لديك مخططات لهذا المساء؟" يسألها سامي

"أود القيام ببعض التبضع ثم الخلود للراحة، فأنا جداً مرهقة!" تجيبه

"أنا أيضاً أحتاج للتسوق من أجل بعض الحاجيات. إلا أنني أود التجول، ربما بوسط المدينة. فبعد يومين في فيينا وحتى الآن لم أر شيئاً من معالم المدينة إلا من خلال رحلة الباص صباحاً ومساءاً" يحدثها مبتسماً
"نعم، هذا ما سأقوم به أيضاً خلال الأيام القادمة. إن الليل طويل ولا أدري كيف سأقضي أوقات الفراغ؟" تحدثه

"بالمناسبة، أين مقر سكنك؟" يسألها

"لدي شقة فندقية بالقرب من محطة ترايسينغاسه. أذهب إليها بمترو الأنفاق بعد أن أبدل محطة واحدة" تجيبه

يمد يده لجيبه و يخرج إحدى بطاقاته الخاصة ويكتب عليها رقم هاتفه النقال المحلي،"إذاً هل لي بأن أعطيك رقمي إن أحببت التجوال في المدينة بأي وقت؟ فكلانا سواحٌ بفيينا، وقد يكون التجول أكثر متعة إن كنا معاً" يقدم لها البطاقة، فتبتسم وتأخذها منه

"حسناً، فكرتك صائبة. إذا خذ بطاقتي أيضا ورقمي الخاص هنا" تمد يدها لمحفظتها داخل سترتها و تخرج بطاقتها وتكتب عليها الرقم قبل أن تعطيه إياها

يقترب الباص من الموقف، فتستعد إندرا للخروج، "أتمنى لك ليلة هانئة، وعليك أن تخبرني بما ستراه في الغد" تحييه مبتسمة

"بالطبع، سيكون ذلك من دواعي سروري" يرد عليها التحية

يراقبها وهي تترك الباص، ومن خلال النافذة يراقبها وهي تستعد لعبور الشارع نحو مدخل محطة المترو، تلتفت للباص فتشاهده. يبتسم لها و يرفع يده للنافذة ليحييها، فترد عليه بإبتسامتها العذبة قبل أن تمضي في طريقها

يبدأ الباص في مواصلة سيره، فيستند سامي في المقعد. يبدو أنه قد نجح في أول خطوة لكسب صداقتها.

+++++

وفي الأثناء تحلق الطائرة متجهة غرباً، فلا زالت الرحلة بعيدة عن هدفها. طائرة بهذا الحجم تعود إلى قاعدتها شبه خالية، إلا من بعض الأفراد ممن يعودون للوطن لقضاء إجازاتهم بعيداً عن مسرح العمليات الذي وضعوا عليه. يفكر الطيار برحلاته التي أصبحت روتينية بعد مضي هذه الأعوام. العتاد بأنواعه والطاقم يشحنون بكثافة وفعالية إلى أية بقعة بالعالم، هذه هي مهمته

إلا انه اليوم يحمل بالإضافة للطاقم المتحمس للقاء عائلاتهم، إحدى الشحنات التي قد إعتاد عليها بين الحين والآخر

مجموعة من الصناديق الموصدة والمختومة بعبارة سري للغاية. لا يتطلب الأمر الكثير من الحذق لمعرفة من سيستلم هذه الصناديق. إن مجرد فتح إحدى هذه الصناديق سيعرض من قام بذلك للمحاسبة القانونية، وليس أمام محاكم إعتيادية. كما أنه لا يعتقد بوجود من يهمه معرفة محتوياتها حيث أنه من البديهي انها أمور تحتاج لدرجة عاليه من التخصص والمعرفة

لا يهم ذلك، فهو بحكم عمله يلتزم الطاعة العمياء ولا يفكر بما لا يقع ضمن مسؤلياته. كل ما يعرفه أنه يتوجب عليه الحفاظ على هذه الصناديق تحت أي ظرف كان. في الحالة المستبعدة لنزول الطائرة إضطرارياً في جهة غير مقصده فعليه أن يحميها تحت أي حال من الأحوال

على بعد آلاف الكيلوميترات كان عباس ومجيد في طريقهما للمنزل، دون أن يخطر ببال أي منهم أن العبوات التي ألقوها بالبحر بالأمس أصبحت الآن داخل صناديق محكمة داخل طائرة يتساءل قائدها عن جدوى التضحية بحياته من أجلها


إنتهى الجزء العشرون
ويتبع في الجزء القادم

0 Comments:

Post a Comment

<< Home