Sunday, October 09, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء التاسع عشر



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


تهرول روبي نحوهما وهما يخرجان من الكافيتيريا

"جيد لقد لحقت بكما" تحدثهما روبي

"ما الأمر؟" تسألها إندرا

"لقد نسيت أن أخبركما، لمراسلاتكما البريدية تم تخصيص صناديق بريد لمراسلاتكما البريدية ، هناك في نهاية الممر" تؤشر روبي نحو الصناديق

"ولكن إحرصا، فالصندوق الخاص للشخص تجدان إسمه فوقه مباشرة، فلا يختلط عليكما الأمر وتأخذان البريد المخصص للآخرين" تقولها مبتسمة وترحل عنهما

"هل نذهب لفحص الصناديق؟" تسأله إندرا

"ولم لا، وإن كنت أشك بأنني سوف أتلقى أي بريد سوى البريد الداخلي" يرد سامي ضاحكاً

+++++

يفكر إينزيو جلياً قبل الكتابة

لا، ليكن التحدي مشوقاً. يحدث إينزيو نفسه، يبدو بأن هذا الشخص حذق أكثر من الآخرين. لنرى كم هو جيد مع الأرقام، ويبدأ في كتابة الأحجية الرياضية

+++++

"غابي" يأتي الصوت من الإنتركم

"نعم يا إلكي" ترد غابرييلا هولتهاوزن بعد أن تضع كوب الشاي جانباً

"لقد وصلني إتصال للتو من الإدارة، من مكتب السيد البرادعي بالتحديد، يخبرنا بأن الزائر العلمي من مختبرات سانديا سيصل لاحقاً هذا الأسبوع، ويسألون إن كان جدول الزيارة سيكون كما أتفق عليه سابقاً" تحدثها سكرتيرتها إلكي

يبدو الضيق عليها، "أوه، لقد نسيت أمره. ...، نعم، نعم. فالجدول كما هو دون تغيير. هللا أعطيتيني إسمه مرة أخرى؟" تسألها غابي

"الدكتور هنري ستيفنسن" ترد إلكي

يا لهم من حثالة. لقد إختاروا الوقت المناسب لإرسال أحدهم، هؤلاء الأميريكيون، مع وجود الإختبارات الحرجة. تحدث نفسها

+++++

يتجهان نحو مختبر الألفا ليجمع سامي حاجياته قبل الرحيل بالباص

"يا إلهي، لكم كانت المحاضرة مملة. أشعر بالرأفة ليولا فقد حاول إبهاجنا بقدر المستطاع ولكن المادة العلمية غير مهضومة بتاتاً" يحدثهم سامي، بينما يهمون بالولوج في المختبر

"ها أحجية جديدة يا سامي. وكأن إينزيو قد بدأ تحديه لك" يحدثه كيم

"ما هذه الأرقام؟" يقول نزار

يتمعن سامي بالمكتوم على اللوحة، ويخرج ورقة ويبدأ بكتابة الأحجية

+++++

يتركهم كيم الذي تبدو عليه علامات العجلة وهو يدخل مكتبه
"لم أشعر بتقدم الوقت، على الإسراع وإلا سيفوتني الباص!" يحدث يولا

"عليك أن تسرع يا صديقي، إنها الرابعة إلا دقيقة. ولكن إسمع، لقد أتيت اليوم بسيارتي فإن شئت يمكنك الرجوع معي" ينظر يولا إلى ساعته

"لا شكراً، فسائق الباص عادة ما ينتظر عدة دقائق إضافية. المهم، لقد نسيت أن أقول لك أن إينزيو موافق على الإنتظار حتى جمع عدد أكبر من النتائج ومقارنتها بنتائج الغاما قبل أن نبلغ غابي بما توصلنا إليه" يحدثه كيم

"نعم" ، يجيبه يولا، "فيجب علينا الحرص في الإعلان عن هذه النتائج، خصوصاً إن أخذنا في الإعتبار الحساسية السياسة المتعلقة بها. والآن أسرع وإلا فسوف يتحتم عليك قبول دعوتي لك بأن اوصلك لفيينا بسيارتي" يكمل يولا

يبتسم كيم له ويحييه قبل أن يسرع لختم هويته قبل اللحاق بالباص

كان يوما طويلاً، أولويته لهذا اليوم كانت الدفعة القادمة من العينات التي تتطلب التجهيز لقياسات الألفا. سيتطلب الأمر حوالي الإسبوع إلى عشرة أيام لقياس المحتوى الإشعاعي في هذه العينات، وأثناء هذا الوقت ستكون نتائج قياسات الغاما جاهزة، فمسؤول وحدة الغاما، ميريك معروف عنه الإلتزام بالمواعيد بحرفية فائقة وذلك على الرغم من ... يذكر أمر زميله و ما يمر به هذه الأيام

حسنا، بين مهامه بالمعمل سيتحتم عليه الإلتفات لمسؤوليته تجاه المتدربين الجدد، و بخاصة الفتاه اللاتفيه و الزميل من الكويت

يبتسم و هو يتذكر إندرا. أنها ولا شك فذة بتخصصها بالكيمياء النووية و ذلك على الرغم من كونها أقرب للعمل بمجالات عروض الجمال والأزياء. يتناول ملفها و ينظر سريعا لسيرتها الذاتية. على الرغم من صغر سنها إلا أنها ترأس وحده الحماية من الأخطار الإشعاعية بمعهد أبحاث في بلدها. من قال أن الجميلات من الشقراوات يفتقرون إلى العقل والموهبة في مجالات العلوم؟، يحدث يولا نفسه

وماذا عن الزميل الكويتي؟ يتناول ملفه ليذكر نفسه بإنجازات سامي في الأبحاث البيئية. ليس بدولة الكويت أنشطة تتعلق مباشرة بالعمل الإشعاعي، إلا أن الدولة تولي إهتماماً للملوثات الإشعاعية ذات المصادر الطبيعية أو تلك الناتجة من أنشطة الإنسان. أليست الكويت صحراء ساحلية، ما طبيعة الأبحاث بمجال البيئة هناك؟، يسأل نفسه

السيرة الذاتية تحتوي على العديد من الإنجازات خلال فترة قصيرة. الواضح أن سامي باحث نشط بالمجال البيئي على عدة مستويات، فله إنجازات بالكشف عن الملوثات النفطية في البيئتين البحرية والبرية بإستخدام منظومات الإستشعار عن بعد للإستعاضه عن الأساليب الكيميائية المتبع إستخدامها بشكل شائع، إلا أنها تقدم النتائج بشكل أسرع. إن له أيضا مشاركات مع جهات أخرى بأوروبا كهولندا وألمانيا، وهو الآن ينوي زيادة مجال بحثه نحو الكشف عن الملوثات الإشعاعية. زميل فذ فعلاً، لا عجب أن لجنة النظر بطلبات الإلتحاق قد أرسلت توصيتها بقبوله لهذه الزماله بهذه السرعة

من يدري، لعل هذين الزميلان الجدد سيكونون سباقين في فتح المجال لإستخدام الحقل النووي في بلدانهم

يتذكر يولا بلده هنغاريا الذي كان إلى فترة قريبة يدور في الفلك السوفييتي. الجاهليين بالتاريخ يجهلون أن هنغاريا كانت إلى العقد الثاني من القرن العشرين جزءاً من الإمبراطورية النمساوية التي كانت في فترة من الفترات أغنى من الولايات المتحدة وأكثر تطوراً منها بالمجالات المختلفة. ليس هذا فحسب، وإنما ينسى الكثيرون إنجازات أبناء هنغاريا بتطوير المجال النووي في أواسط القرن العشرين

فمكتشف ظاهرة الإنشطار التسلسلي لليورانيوم كان ليو زيلارد الذي فر من أوروبا إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا بعد أن إعتلى هتلر السلطة بألمانيا لأنه كان يهودياً. و بأمريكا تمكن من إقناع ألبرت آينشتين من الكتابة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت رسالة يحثه فيها على إستخدام الإنشطار الذري عسكرياً قبل أن يقوم الألمان بذلك. بعد أن وقع آينشتين الرسالة في الثاني من أغسطس عام 1939 والتي خطها زيلارد بشهر ، غزت القوات الألمانية بولندا، لتبدا أشرس حرب عرفتها الإنسانية والتي إنتهت بإستخدام السلاح الذري من قبل الدولة الوحيدة التي إستخدمت هذا السلاح فعليا حتى الآن، الولايات المتحدة الأمريكية

من سخرية القدر أن زيلارد كان من أوائل العلماء الذين نادوا بالحد من إستخدام الذرة في التسلح، حتى قبل أن تنتهي الحرب فعلياً، مما دفع الوكالة في سنواتها الأولى أن تمنحه جائزة "ذرات من أجل السلام". يا للسخرية، فالولايات المتحدة الأمريكية الآن تسعى إلى فرض قيود على من سيدخل النادي النووي، يعود بعض الدافع لهذا الإندفاع بغرور نحو منع الآخرين من تملك بعض ما إمتلكته أمريكا إلى هنغاري آخر: إدوارد تيلر المعروف بالأب الروحي للقنبلة الهيدروجينيه

تيلر عمل فعلا بمشروع مانهاتن الذي طور السلاح الذري أثناء الحرب، وطوال حياته حتى وفاته قبل سنتين كان يدعوا للمزيد من التطوير لزيادة قدرات التسلح لدى الولايات المتحدة الأمريكية. كان أيضا من المدافعين عن تطوير قنابل أشد فتكاً وفعالية، متذرعاً بإمكانية إستعمالها لأغراض سلمية كشق الأنفاق خلال الجبال أو القنوات وسط الصحاري، أو حتى لأغراض البحث العلمي

من المفارقات أن رئيسة وزراء الهند الراحلة إنديرا غاندي إقتبست بعض من ذرائع تيلر عندما أعلنت للعالم عام ١٩٧٤ أن الهند قامت بتفجير نووي سلمي

ماذا إن دخلت الهند أو باكستان أو دولٌ أخرى للنادي الذري؟ من يعطي دولة من الدول الحق في تحديد من يجب أن يحصل على القنبلة، ومن يجب أن يمنع من تطويرها؟ إن كان التاريخ يعلمنا شيئاً، فإن السلاح النووي لم يستخدم إلا عندما كان بيد دولة واحدة. ما أن بدأ هذا السلاح يتداول لدى دول عدة مما أدى ذلك لسباقات مكلفة في التسلح بين الدول حتى بات واضحاً عدم جدوى إستهلاك مداخيل الشعوب بتطوير أسلحةً لم تستخدم بأية حال، مما أدى في النهاية إلى توقيع إتفاقيات الحد من التسلح و ضمور الخطر النووي على العالم

يا لسخرية الأقدار في النهاية فإن السلام يحققه الإندفاع نحو الإستعداد للحرب وخلق المزيد من الأسلحة، يفكر يولا

ربما كان على الوكالة أن تهب جائزة ذرات من أجل السلام لإدوارد تيلر بدلاً من ليو زيلارد، يبتسم يولا لنفسه

ينظر لساعته، لقد أضعت الكثير من الوقت، يحدث نفسه، المختبرات الآن خالية بعد رحيل الموظفين، حسناً بإمكاني الآن القيام بأعمالي دون مداخلات من الآخرين

إنتهى الجزء التاسع عشر
ويتبع في الجزء القادم

0 Comments:

Post a Comment

<< Home