Monday, October 03, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثامن عشر




هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


"آمل أنكم قد قضيتم يوماً مفيداً مع إليزابيث؟" يسأل يولا

"نعم، إلا أنه كان يوماً مرهقاً. وعلينا الآن الذهاب لميريك لحضور المحاضرة الأولى بخصوص قياسات الغاما" تجيبه إندرا

"لقد تمت إعادة جدولتها للغد لتواجد ميريك خارج المعامل، سأقوم بأخذكم لوحدة قياس الجرعات الإشعاعية لتتطلعوا على أساليب قياس كميات الإشعاع من قبل العاملين بهذا المجال. هذه الجولة كان من المفروض تقديمها الإسبوع القادم" يجيبها يولا

"بالمناسبة، كيف يتم تقييم مخاطر العمل بالنسبة للعاملين بالمجال الإشعاعي بالنمسا مقارنة مع باقي أوروبا؟" تسأل إندرا

"لا أعتقد أن الوضع يختلف كثيراً حول أوروبا. فالعاملون يحصلون على إجازة مدفوعة الأجر تتراوح بين الأسبوع أو الإثنين، يتحتم عليهم إستغلالها بإجراء الفحوصات الطبيه والتحاليل، يحصلون بعدها على الموافقة بالإستمرار في العمل، علاوةً على التأمين الصحي الخاص بذلك" يجيب يولا

هذا لا يختلف عما نفعله في لاتفيا" توجه إندرا الحديث لسامي الذي كان يتابع الحوار بصمت بعد أن إنتهى من تناول الغداء الذي لم يكن شهياً جداً، إلا أنه لم يكن بسيء

"موظفو وزارة الصحة بالكويت يحصلون على إسبوع إضافي لإجازتهم السنوية، إلا أنه لا يتوجب عليهم إجراء فحوصات دورية. أما العاملين بالمجالات الأخرى كالمجال البيئي فليس لهم أمتيازات كهذه" يحدثهما سامي

ينظر يولا وإندرا إليه بشيء من التعجب، فيشعر بما يدور بخلدهم ليكمل،

"لا تنظرا إلي هكذا، فمجالات العمل الإشعاعي بالكويت ليس بمجالات يمكن أن يتعرض به العامل لجرعات مركزة من الإشعاع، فمثل هذه الفحوصات تكون إختيارية" يشرح لهما سامي وهو يعلم أنه غير مقنع، فيستبق أي رد منهم بسؤال

"ماذا عن ميريك؟ أهو يقوم برحلة عمل؟" يسأل يولا

"كلا"، يجيبه يولا، "إنه بشأن أمرٍ خاص به" يكمل يولا مع شعور بالتعاطف

+++++

المرآه المعلقة خلف باب مكتبه نظيفة وخالية من البقع، هكذا هو يحب أن يبقي كل شيء نظيفاً ومرتباً. بعكس بعض العاملين الآخرين. لا أعلم كيف يحلو لهم العيش دون ترتيب يسأل نفسه

"كان يجب أن أختار ربطة عنق مختلفه اليوم" يحدث نفسه بهمس مسموع

هذه الربطة لا تناسب القميص الذي أرتديه. يفكر وهو ينظر لنفسه في المرآه

هذه عادته يتأكد من حُسن هندامه يومياً كعادته قبل التوجه للغداء. إنها عادة علقت به منذ صباه وأثناء فترة التحاقه بالجيش. كم كان فخوراً بنفسه تلك الأيام، عندما كان يتطلع لإستكمال تحصيله العلمي حينما كان يخدم جيش قوة عظمى

بوريس ماركوف، يدير قسم الكيمياء البيئية في مختبرات الوكالة، وبحكم وظيفته فإنه أيضا مسؤول عن تدريب بعض الزملاء من شتى أنحاء العالم. هذه الأيام لديه ثلاث متدربين من مصر والسنيغال والهند وآخرين من أقسام أخرى

حسناً، يهز رأسه برضا على مظهره الخارجي، بقي شيء واحد. يذهب لمكتبه ويفتح الدرج السفلي ليخرج علبه مخملية صغيرة. يفتحها و يتناول ما تحتويه بعنايه

إنه دبوس صغير يحمل صورة أحد أشهر العلماء في التاريخ، يثبته بحرص وعناية في عروة ياقته. يتذكر ذلك اليوم الذي قُبل فيه عضواً في أكاديمية العلوم الروسية، يتذكر وقوفه بفخر وهو يوقع إسمه باعتزاز في سجلٍ يحوي الأسماء اللامعة التي جعلت الإتحاد السوفييتي بجمهورياته المختلفة سباقاً في مجال العلوم

يتأمل الدبوس ويمسحه ليزيد من لمعانه. لماذا إختارت الأكاديمية ألبرت آينشتاين رمزاً لأعضائها؟ لِم لَم تختار روسياً؟ لماذا لم تختار منديلييف مثلاً، واضع أسس الجدول الدوري للعناصر؟ يتذكر بعضاً من سيرة عملاق الكيمياء السيبيري المولد، وكيف أنه كان هذا العملاق تلميذاً متواضعاً ولولا جهود والدته الحثيثة لتعليمه لما تذكر العالم إسمه

يتذكر كيف كان منديلييف ينتقد الحكومة القيصرية، وكيف كان نصيراً للمستضعفين إلا أنه في المقابل كان وطنياً إلى أخر حياته وخير شاهد دعمه بقوة حرب بلاده ضد اليابان. حتى عندما حاول المغرضون إثارة حنق القيصر ضده بعد أن كشفوا أنه تزوج زوجة أخرى، حيث الكنيسة الشرقية لا تعترف بالطلاق، أجابهم القيصر بأن منديلييف قد يكون له زوجتان، إلا أن روسيا وقيصرها لديهم منديلييف واحد فقط

تمر الفكرة الساخرة بمخيلة بوريس، حتى بعدما يقرب من قرن ونصف، روسيا عاجزةً عن غفران منديلييف لليبراليته

نعم، روسيا أنجبت علماء عظام، إلا أنها الآن تعيش على أمجادها الماضية. فها هو مثلاً كان يعمل على دراسة الإتزان البيئي في حقول دول الإتحاد السوفييتي السابق، وله أبحاث في زيادة فعالية إنتاج الأراضي الزراعية. كل هذا تغير بعد إنحلال الإتحاد، لمدة سنوات عمل بالمجال الأكاديمي قبل أن يقبل العمل بالوكالة

الكثير من أقرانه في دول الإتحاد السابقة دفعتهم الحاجة للعمل بأعمال بسيطة لزيادة موارد أرزاقهم من العمل الأكاديمي التي لا تزيد بكثير من الأحيان على ما يعادل بضعه دولارات شهرياً. الكثيرون إنتهى بهم المطاف إلى الهجرة لدول كانت بالأمس القريب من دولٍ يكنون لها العداء، بعضهم للعمل بوظائف مربحة، وآخرون إعتنقوا النظام الرأسمالي وبدأوا أعمالهم وشركاتهم الخاصة

يتذكر الكثيرين منهم ممن هاجروا لينتهي بهم المطاف بالعمل بأعمال شبيهة بالأعمال البسيطة التي إمتهونها ببلادهم قبل الهجرة مع إختلاف المدخول؛ فقائد سيارة الأجره في نيويورك يحصل على أضعاف ما يحصل عليه قائد سيارة الأجره في موسكو

لكم يشعر بالمرارة

إنني الآن مجرد إداري أعمل تحت إمرة إمرأه من ألمانيا. يتذكر قصص والده الذي حارب النازيين إلي عقر دارهم

وها أنا أعمل كمدرس لزملاء الوكالة ممن يلتحقون بها وأغلبهم من دول العالم الثالث. يحدث نفسه، لكن على الأقل لم أتنازل عن مكانتي أمام هؤلاء وأنسى إنني من دولة كان العالم ينحني لها إحتراماً، قبل أن تصبح ألعوبة بأيدي الغرب وتحكم من قبل الرعاع والمخمورين وأرباب العاهرات. تباً للأميريكيين، فهم كانوا السبب وخصوصاً سباق التسلح

ينتهي من تعديل هندامه فيترك المكتب ذاهباً للكافيتيريا


إنتهى الجزء الثامن عشر
ويتبع في الجزء القادم



3 Comments:

Blogger forzaq8 said...

هذا روسى حاقد
مصيبه هذول
مثل الانجليز الى عبالهم الى الحين امبرطوريه

8:13 AM  
Blogger جنة الحواس said...

ما شاء الله عليك

This part is really informative .

9:32 AM  
Blogger esetch said...

forza

يا معود كل البشر جذي، يعني ربعنا العرب مقصرين

بس شوف كبار السن منهم فيهم مرارة

broke
Iam so glad you are enjoying it.

12:37 PM  

Post a Comment

<< Home