رواية الدانوب الأحمر – الجزء السادس والأربعون
هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية
في مكان آخر من العالم
"حسناً، سأكون بإنتظارك في الخارج. حالما تخرج توقف عند إشارة عبور المشاة وإتجه ناحية اليسار وإنتظر، هناك مكان يتسنى لي إيقاف السيارة لأخذك وأمتعتك" يغلق الهاتف النقال وينظر لساعته الرولكس، دقيقتان حتى الخامسة مساءً، لقد وصل القطار في موعده تماما
يشغل محرك السيارة، لقد كان ينتظر في المواقف القريبة من المحطة. حركة السير غير مزدحمة كثيراً في هذا الوقت، وسيكون عند المكان الموعود خلال دقائق قليلة وسيتسنى لمن أتى من أجله أن يترك محطة القطار.
سرعان ما وصل للمكان ليجد ضالته بإنتظاره. لقد تعرف علية فوراً من الوصف ومن اللفافة ذات اللونين الأصفر والأزرق والتي كانت حول عنقه حسب الإتفاق. يوقف السيارة على الرصيف بجواره فيفتح الأخير الباب الخلفي على يمين السيارة ليضع حقيبة الأمتعة. يغلق الباب الخلفي ويفتح الباب الأمامي يجلس داخل السيارة السيارة واضعاً حقيبة اليدوية الكبيرة أمامه. تنطلق سيارة السكودا الخضراء من أمام محطة سودبانهوف
يتمعن أناتولي بالشاب بعض الشيء. لا يختلف كثيراً عمن يشاهدهم متسكعين سواءاً في موسكو أو أي مكان آخر في فيينا. فهو شاب نحيل عيناه جاحظتان بعض الشيء ويضع نظارة طبية سلكية مذهبة على عينيه اللتان تحيط بهما هالات سوداء. وجهه شاحب إلا أن بعض الإحمرار يبدو على وجنتيه وأنفه الطويل والذي أطول منه رقبته البارز منها تفاحة آدم
"سعيد برؤيتك يا أناتولي، لقد سمعت الكثير عنك" يبدأ الشاب بالحديث
"لقد أخبرني عنك بوبوف يا فاسيلي، ونقل لي إنك من شباب المنظمة اللامعين. أخبرني، كيف كانت رحلتك؟" يسأله
"لا يوجد الكثير، طرت بطائرة المنظمة في رحلتها الصباحية إلى براتيسلاف حيث قضيت بعض الوقت هناك قبل أن أستقل القطار قبل ساعة تقريباً، و ها أنا ذا" يبتسم
"أرجو أن تكون مستعدآً لمهمتك هنا؟" يأمل أناتولي
"لا مشكلة لدي إن كانت لديكم كل المعلومات" يشير إلى حقيبته ويكمل، "لقد جئت جاهزاً بالجهاز البديل وكل ما علي فعله هو زرع ما لديكم من معلومات به. كيف ستقومون بإستبداله مع الجهاز الأصلي؟" يسأل
"لم نقرر ذلك بعد، إلا أنه لا مشكلة في أن يكتشف الأمر من قبل صاحب الجهاز" يلتفت أناتولي إلى فاسيلي ويربت على ركبته اليسرى وهو يمسك بمقود السيارة بيساره ويقهقه بشدة، "فليست هذة بمشكلة إن كنت تفهم مقصدي" يسايره فاسيلي بالضحك والسيارة منطلقة في شوارع فيينا
+++++
يكمل الدكتور ماربيرغر حديثه للرئيس وباقي الحضور
"تذكر سيدي الرئيس حديثنا بهذا الخصوص والمتضمن لإستنتاجات فرق الإستخبارات العاملة بهذا المجال. لم يختلف الأمر كثيراً عن ما أعلنه المنشق الإيراني علي رضا جعفرزاده عن نوايا إيران في مجال التسلح النووي قبل عدة سنوات. ففي ساغند بالقرب من يزد يتم التنقيب عن اليورانيوم وإستخلاصه. في آراك، حيث تتمركز عدة مصانع للمعادن هناك معمل لإنتاج المياه الثقيلة، في مدينة أصفهان هناك أيضاً معمل لإنتاج غاز اليورانيوم هيكسوفلورايد إضافة لمفاعل نووي يعمل على المياه الثقيلة وفي مدينة نطنـز يتم تخصيب اليورانيوم بإستخدام تكنولوجيا صهاريج قوة الطرد المركزية
أما العاصمة طهران، ففيها مقر لمراكز البحث العلمي في المجال النووي، وفي مدينة بوشهر على شواطيء الخليج، فهناك المفاعل الذي أعد بالتعاون مع روسيا والمفترض أنه يعمل على الماء الخفيف. على الرغم من أن الإيرانيون قد تعهدوا بإرسال الوقود المستنفذ لذلك المفاعل إلى روسيا، إلا أنه بإمكانهم معالجتها وإستخلاص البلوتونيوم منها بغرض التسلح" ينتهي ماربيرغر من الحديث
يتأمل الرئيس شرائح العرض وهو يتذكر الموجز الذي تقدم به وكيل وزارة الخارجية لشؤون التسلح والأمن الدولي روبرت بولتن في الصيف الماضي عن إمكانية إيران لتطوير السلاح النووي خلال ٣ سنوات
يلتفت الرئيس نحو رئيس الأركان الجنرال ريتشارد ميرز، المستشار الأعلى للشؤون العسكرية، "إن أقتضى الأمر، ماهي الخيارات العسكرية؟" يسأله الرئيس
يبدو أن الجنرال كان يتوقع من الرئيس هذا الإستفسار قبل أن يسعى لمعرفة الخيارات الأخرى، فيرد
"سيدي الرئيس، إن كانت النية هي تعطيل إمكانية الإيرانيين عن متابعة العمل بالمجال النووي، يمكننا الرد عسكرياً بالعمل على تدمير البنية التحتية لمنشآتهم الذرية. مبدئياً يمكنني القول بأنه - إن إقتضى الأمر – يمكننا مهاجمة المراكز المعنية في مدينتي أصفهان ونطنـز، ولقد أوكلت للجنرال روس تيمنـز مهمة صياغة الخطط العسكرية لمثل هذه الإحتمالات" يصمت الجنرال منتظراً أي إستفسار آخر
يتجه الرئيس لكونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي السابقة ووزيرة الخارجية الجديدة. كانت تهز رأسها بالإيجاب على ما تقدم به الجنرال ميرز، وتضيف، "تعاملنا مع هذه القضية يجب أن يتم بالكثير من الحذر والحرص السياسي، فأسوأ ما يمكننا عمله هو أن نضع أنفسنا بوضع دولي وإعلامي سيء إن تسببنا بكارثة بيئية في مياه الخليج. كما أنه لا فائدة تذكر من تدمير مصادر التنقيب أو معامل المياه الثقيلة أو مراكز البحث العلمي والمعرفة
يجب علينا أولاً إستنفاذ الطرق الدبلوماسية، علينا أن نثبت للعالم أن نوايا النظام الإيراني في المجال النووي ليست بنوايا سلمية، ذلك سيبرر اللجوء لأي خيارات أخرى مستقبلاً، بعد أن نضعهم في زاوية الرافضين واللامبالين للإرادة الدولية
وقبل كل شيء، علينا التيقن من صحة ما لدينا من معلومات حول الوضع الحالي والفعلي للبرنامج النووي الإيراني. لا نريد التورط في أمور عسكرية مبنية على تقارير إستخبارات خاطئة أو مغلوطة. لقد أوكلت لمساعدتي جينيفر أوكونر أن تفتح ملفاً كاملاً يشمل كيفة تعاملنا مع القضية عن طريق حلفائنا والدول الأخرى المعنية
يفكر الرئيس بتمعن متذكراً الأوضاع التي سبقت حرب تحرير العراق
"وماذا عن معلوماتنا الإستخباراتية في هذا المجال؟" يوجه الرئيس سؤاله لستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي
"سيدي الرئيس، بالحقيقة تعاملنا مع الملف يعتمد على كافة الوسائل المتاحة في مجال الإستخبارات، ولكننا نعاني من نقص في الوسائل البشرية لتقصي المعلومات. إلا أنه هناك طرق للحصول على المعلومات عن طريق الحصول على عينات بيئية من المناطق الرئيسة للبرنامج الإيراني. الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أرسلت مفتشيها لإيران للحصول على عينات من المناطق المذكورة. بالطبع لا سلطة لنا على أداء الوكالة ولا سبيل للحصول على معلومات منهم مالم يقوموا بالإعلان عنها رسمياً. إلا أننا قد نحصل على نتائج من بحوث الوكالة بشكل غير رسمي. يسكت قليلا ثم يضيف، السيد المستشار العلمي يعلم بأن لدينا الآن أستاذ من مختبرات سانديا الوطنية، الدكتور هنري ستيفنسن، يزور حاليا مختبرات الوكالة حسب ما يقتضيه عمله في متابعة وسائل تنظيم ومراقبة الكفاءة بمختبرات الوكالة في سايبرسدورف بالنمسا. ألا أنه أيضاً مرسل من قبلنا بمهمة خاصة، فهو سيزودنا بمعلومات حديثة حول المحتوى الإشعاعي للعينات الإيرانية" يبتسم ثم يكمل، "طبعاً لا علم للوكالة بمهمته هذه، فزيارته علمية بحتة. إلا أن للدكتور ستيفنسن موهبة في إستدراج المعلومات من الناس
ينظر للدكتور ماربيرغر، الذي يجلس بمحاذاته ثم يعيد توجيه الحديث للرئيس، "ولكننا نحصل على المعلومات بشكل آخر. فمنذ فترة ونحن نهم بتوظيف عناصر إستخباراتية محلية لجمع عينات من التربة من الأماكن ذات الأهمية داخل إيران وتهريب هذه العينات لنا لفحص محتواها من النظائر الإشعاعية وذلك في مختبراتنا" يسهب ويتناول مؤشر الليزر ويشير لخريطة إيران على الشاشة
"مدن أصفهان و نطنـز داخل إيران حيث تتركز عمليات تخصيب اليورانيوم يصعب علينا أن نستخلص العديد من العينات المطلوبة" يتوقف قليلاً ليرى إن كانت هناك إستفسارات ثم يكمل، "إلا أنه على شواطيء الخليج ومفاعل بوشهر، فالوضع مختلف. لقد قمنا بتجنيد العديد من العناصر المحلية هناك وقمنا بتدريبهم لإستخلاص عينات شاطئية تؤخذ بالقرب من موقع المفاعل. زود هؤلاء بأدوات بسيطة لأخذ عينات التربة، التي توضع بعبوات خاصة يلقونها بالبحر بالقرب من حدود المياه الإقليمية الإيرانية بوسط الخليج وعند نقط متفق عليها. ومن ثم تقوم فرق خاصة من رجال الفرق الخاصة التابعة للبحرية بإستخلاص العينات المذكورة وإرسالها لمختبراتنا، حيث يقوم فريق يقوده الدكتور هاريس دركر بفحص المحتوى الإشعاعي فيها ومقارنته بما نحصل عليه من المعلومات بالطرق الأخرى" وقبل أن يكمل
يقاطعه الرئيس، "هولاء الذين يجمعون العينات، ألا يوجد خطر من أن يكون بعضهم قد جند من قبل السلطات الإيرانية لزرع معلومات مغلوطة لنا، أو على الأقل للكشف عن المجندين الآخرين؟" يستفسر
"سيدي الرئيس، لقد جندنا عدد كبير منهم بغرض تحاشي المعلومات المغلوطة، ويتم الدفع لهم بسخاء لا يمكن مجاراته من قبل وحدات الإستخبارات الإيرانية. لقد تم إنتقائهم بناءاً على حبهم للمال أكثر من تعلقهم بأيديولوجة وسياسة دولتهم. كما أنهم أنفسهم لا يعلمون من المستفيد من الاعمال التي يقومون بها، فقد أوهموا بأنهم يجمعون العينات لهدف بحثي تقوم به جهات بيئية متطرفة كمنظمة السلام الأخضر - الغرينبيس مثلاً" يشرح ستيفن هادلي
"وبناءاً على ما نعرفه الآن ، ما هي إمكانيات إيران النووية؟ هل وصلت نسبة إخصاب اليورانيوم إلى حد يمكنهم فيه إنتاج القنبلة؟" يقاطعه الرئيس متسائلاً وهو السؤال الذي يدور بخلد جميع الحاضرين
+++++
في الناحية الاخري من العالم
كان عباس ومجيد يقضيان المساء في المقهى الذي إعتادا على إرتياده، دون أن يدور بخلد أي منهما أن ثمرة أعمالهما السرية بهدف الإثراء أصبحت محور للحوار بداخل مكتب رئيس أقوى دولة بالعالم
إنتهى الجزء السادس والأربعون
ويتبع في الجزء القادم