إغتيال (16)
الزمان: أواخر شهر مارس 1990
المكان: حدائق البوتانك - كامبردج - بريطانيا
حرارة القاء المرتقب تطغي على برودة جو كامبردج في هذا الوقت من السنة. غوردن يحتمي بإحدى البيوت الزجاجية في الحديقة، وينتظر ظهور سمحان البطايخة. لطالما كانت هذه الحدائق المكان المفضل لديه للإلتقاء بالعملاء بعيداً عن أعين المتطفلين.
"لا تحاول التفكير بالتسلل خلفي يا سمحان. المرة الأخيرة كان الزحام والإزعاج كبيرين، أما الآن، فأنت مكشوف، لِمَ تظن أنّي إخترت هذا المكان" يحدث غوردن سمحان. من خلفه، يطلق سمحان قهقهه مدوية.
"خَطَر ببالي أن أعيد الكرّه مرة أخرى كالمرّة السابقة. ألا يستطيع التلميذ التغلب على أستاذه؟" يخاطبه سمحان.
"شهر بأكمله ولم تردنا أخبار منك توضح مدى التقدم. سمحان، إن الموضوع يهمنا، فسلامة الأردن لها أولوية كباقي أصدقاءنا" يرد غوردن.
"في الحقيقة لا توجد أخبار مهمة أو مثيرة. لقد أعطَيْتُ الملك صورة واضحة عن الوضع مع التقارير الإستخباراتية. والرسائل الدبلوماسية التي حملها السفيرجيري مورس للملك فعلت فعل السحر معه. فتم إستدعاء المستشارين لدراسة الوضع وغُيِّرت بعض قيادات الجيش، هذا كل ما حصل، أليس هذا ما تريدونه؟" يسأل سمحان.
"ماذا تقصد؟" غوردن يشعر بقليل من القلق من حديث سمحان.
"أقصد إنكم تريدونه أن يقلق، فبدأَ يقلق" يجاوبه سمحان.
يفكر غوردن ويحدث نفسه، نحن لم نقل أبدأً نريده أن يقلق، ماذا يحصل بالضبط ؟
"ماذا عن رحلات الملك السرية إلى العراق واليمن ومصر؟" يسأله غوردن.
"أي رحلات سرية؟ أنا لا أعلم عن أي رحلات للملك، فما بالك بالسرية، أنت تعلم بأن الأردن مرتبط بمجلس التعاون العربي وهذه الدول هي الأعضاء، ...." يرد سمحان.
"آه بحق السماء سمحان، ما هذا اللف والدوران؟" يصرخ فيه غوردن.
"أأنا من يلف ويدور يا غوردن؟" ينفعل سمحان، "أَمْ أنت؟، أنت لم تكن صادقاً معي منذ البداية. أعطيتني تقارير مفبركة عن تحركات عراقية متوقعه ضد الأردن، وعن تحالف فلسطيني عراقي لزعزعة النظام، وكل ذاك الهراء حول ضرورة حماية عرش الملك. كدت أسقط في فخك.
في البداية إستغربت من الأمر برمته، وفي وسط اللقاء كوّنت مفهوم حول ما تريده ولكني لم أعرف الدقة، فألقيت لك بالطعم، السعوديون أم الكويتيون، وكدت أن أمسكك متلبسا يا عزيزي، بدوت لي في لحظتها بأنك قد أصبحت عجوزاً وأصبحت الأمور تفلت من أصابعك، ولكنك راوغت ببراعة وبإجابة مبهمة، وإضطررت الإنتظار حتى أنهيت حديثك وقلت لي مبتغاك صراحةً، الإتجاه جنوباً، ها ، ... ، الكويت".
يُصدَم غوردن مما سمع ولا يعرف بماذا يرد، عليه التفكير سريعاً، يا إلهي ما هذا الصداع المفاجئ.
"لا تفكر يا غوردن، سأقول لك، ... ، لقد إستخففت بي، إياك والإستخفاف بي. لقد قلت لنفسك لنَرمِ لهذا العربي بقطعة من العظم، سرعان ما سيلتقطها. لا يا غوردن، هذا العربي يريد قطعه سميكة من اللحم، نخب أول، ولن يرضيه شيء غير ذلك، هذا إن كنت تريد تعاونه الكامل".
يكمل سمحان، "أنا لا أعلم ما تحضرون على وجه الدقه، ولكني أعلم إنكم تحضرون شيئاً كبيراً ضد العراقيين أو الكويتيين، وإلا لم يتدخل سفيركم في الأمر. هذا معناه وزارة الخارجية البريطانية، أي رئاسة الوزراء. كل ذلك لا يهمني، ولكنكم بحاجة إلى الملك والمعلومات الدقيقة حول إتصالاتة السرية وما يجري في اللقاءات، وأنا، ... المفتاح لذلك كله".
يفكر غوردن ، لقد كشفنا ولا فائدة من الإنكار ولكن لأراوغه قليلاً لأخرج بأقل الخسائر الممكنة.
"لستَ المفتاح الوحيد، يمكننا الإستعانة بشخص آخر" يقول له غوردن.
"ولكنه لا يحمل مؤهلاتي وإلا ما إستعنتم بي من البداية، ثم سيكون من الصعب عليكم إخبارهذا الشخص الجديد ما أخبرتموني به. الملك يعرف المعلومات التي أعطيتوني إياها، وهذا الشخص الجديد سيثير الشكوك أكثر من تأكيدها إذا عرضها مرة أخرى على الملك" يرد سمحان.
اللعنة، إنه على حق، كم أكره أن أكون مكشوفاً بهذه الطريقة، لا فائدة، يفكر لنفسه غوردن.
"ما هي طلباتك يا سمحان؟".
مائتا وخمسون ألف جنيه إسترليني، توضع في حساب رقم 0001121968 ، بنك كريدي سويس بجنيف، غير قابل للمساومة" يجيبه سمحان.
"ربع مليون جنيه،لابد أنك فقدت عقلك!!!" غوردن مستغرباً.
"عليّ تأمين مستقبلي يا غوردن، ثم إعتبروا المبلغ هدية نظير خدماتي السابقة و ... المستقبلية".
"لا بد أن يوافق رؤسائي أولاً، فالمبلغ ليس بهيِّن" يحدثه غوردن.
"لا عليك فالمبلغ موجود، فمشروعكم حيوي على ما أظن وإلا ما طلبتم التدخل من سفيركم. إطمئن المبلغ موجود، سأنتظر ردك، أنت تعرف أين تجدني". يمشي سمحان خارجاً ويبتعد.
يطبق صمت هائل على البيت الزجاجي، ويزداد صداع، "اللعنة" يصيح غوردن.
إنتهى الجزء السادس عشر
ويتبع في الجزء القادم
0 Comments:
Post a Comment
<< Home