رواية الدانوب الأحمر – الجزء السادس والثلاثون
هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية
الرّبُّ راعيَ فلا يُعوِزُني شيءٌ
في مَراعِ خضُرٍ يُريحُني
ومياهًا هادِئةً يُورِدُني
يُنعِشُ نفْسي، يَهدِيني سُبُلَ الحَقِّ
مِنْ أجلِ اَسمِهِ لو سِرتُ في وادي ظِلِّ الموتِ
لا أخافُ شَرُا، لأنَّكَ أنتَ معي
عَصاكَ وعُكازُكَ هُما يُعَزِّيانِني
تُهَيِّئْ قُدَّامي مائِدةً تُجاهَ خصومي
وتدهَنُ بالطِّيبِ رأسي، وكأسي رَويَّةٌ
الخيرُ والرَّحمةُ يَتبعانِني كُلَ أيّامِ حياتي
وأسكنُ في بَيتِ الرّبِّ إلى مدَى الأيّامِ
يستند الرجل على كرسيه المجاور للسرير، يغلق الكتاب المقدس وهو ينظر لزوجته. كان مديراً ظهره للباب، فلا يشعر بالدكتور هاوس الذي كان واقفاً خلفه متكئاً على عكازه وهو يستمع إليه وهو يقرأ من كتاب المزامير. يفكر في التحدث إليه، إلا أنه شعر بأن الرجل يحتاج للخلوة مع أفكاره وزوجته، ينصرف بهدوء
+++++
يعود تاريخ الدير إلى القرن الحادي عشر، وخلال تاريخه الطويل تعرض للعديد من عمليات التوسعة، لعل أبرزها كان في القرن الثامن عشر عندما تمت إضافة النمط الباروكي إليه. تعلو الدير قبة عظيمة يتقدمها برجين بكل منهما ساعة
كانت المجموعة تنصت إلى المرشدة السياحية التي كانت تبدأ تعليقها بالألمانية، ثم تتبعها بالأنجليزية وأخيراً بالإيطالية لكون جمع السياح ينتمي لعدة جنسيات من ضمنهم مجموعة المتدربين بالوكالة. كانوا يتنقلون بين ردهات الدير أولها كان بداية بغرفة تحتوي على تماثيل مذهبة للمسيح ومريم العذراء ويوسف الأرمثي. يبع ذلك حجرة تحوي أيقونات وملابس تعود لعدد من الرهبان والملوك الذين بسطوا رعايتهم على الدير الذي كان يقطنه على مر القرون نساك البندكتين
تشير لهم المرشدة إلى نظام ميكانيكي قديم
"ما تروه هنا هو نظام الأقفال الذي كانوا يحمون به غلق المدخل الرئيسي للدير، وإن أحب أحدكم تجربته وإختبار القوة اللازمة لتحريكه، فعلى الرحب والسعة!" تحدثهم المرشدة السياحية
يتقدم دعدوش ويحاول تحريك القفل ولكن بلا جدوى، "لا بد أن النساك كانوا يتمتعون بقوة شديدة تلك الأيام!" يعلق
تشير إندرا لسامي بإتجاه طرف أخر من القاعة، حيث كان هناك صندوق كبير وقديم تم تغطية أعلاه بالزجاج، وخصص لجمع التبرعات من السياح. يعاين سامي محتويات الصندوق والتي كانت عبارة عن أوراق مالية من دول عده، فيبتسم ويخرج محفظته بحثاً عن أوراق عملة كويتية ليلقيها بالصندوق
بغرفة أخرى تشير المرشدة إلى الزجاج الملون على النوافذ، وتعلمهم بأن الزجاج في أحد الأطراف يقارب عمره على الألف سنة، أما على الطرف الآخر فهو أكثر حداثة و يعود إلى قرنين من الزمان
يواصلون تقدمهم إلى حيث الكنيسة التابعة للدير، والتي كانت متخمة برسوم الفرسكو البديعة على السقف والتماثيل المذهبة، أبرزها تمثالين للقديسين بول وبيتر مصوراً إياهما وهما يودع أحدهما الآخر قبل إعدامهما، ويعلو التمثالين تاج هائل يماثل الثريا. قرب ختام الجولة، تقودهم المرشدة إلى المكتبة الضخمة، فيلاحظ سامي وجود كرة تشبه الكرة الأرضية في أحد الزوايا، يتقدم منها ليكتشف أنها كرة سماوية فيخرج منظاره الصغير لتفحص سطحها فيفاجأ بأنها تحتوي على كتابات بخط عربي
خلف المكتبة كانت هناك الغرف التي يستخدمها النساك للداسة وخط المخطوطات. على مدى القرون، كان نساك البندكتين يعدون أنفسهم من المؤرخين، ولازال عدد منهم يقطنون الدير ويمارسون دراساتهم وتوفير خبراتهم ومخطوطاتهم للدارسين حتى الزمن الحاضر
"حسناً، قبل أن نعاود التنقل بالسيارة إلى وجهتنا القادمة، أنصح الجميع بالتوجه لدورات المياه" تقول لهم إليزابيث بعد نهاية الجولة
+++++
كانت المحطة القادمة في جولة المتدربين هي زيارة لأطلال قلعة أغستين، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر والتي دمرت بالقرن السادس عشر إبان الحروب مع الأتراك
"أنصح الجميع بمحاولة الصعود للقمة للإستمتاع بالمنظر من الأعلى. الصعود يتطلب تسلق ما يعادل ٧٠٠ درجة، يمكنكم خلالها التوقف للإستراحة في بعض الأماكن المخصصة لذلك، ولكن عليكم توخي الحذر فالثلوج قد تجعل الدرجات زلقة. أولائك الذين لايرغبون بالصعود بإستطاعتهم الإنتظار في المقهى القريب، حيث سنلتقي ونتناول المشروبات أو وجبة سريعة لمن يبغي ذلك قبل الرجوع لفيينا" توجه إليزابيث التعليمات لهم
يقرر سامي الصعود وترافقه إندرا. وكما أوصتهم إليزابيث التي كانت تتقدم المجموعة فإن الصعود كان يتطلب الحرص بسبب الثلوج المتجمعة على الدرجات
"تذكروا أن الهبوط سيكون أسهل، إذ أننا سنأخذ طريقا آخر للنزول" تحثهم إليزابيث على التقدم
سرعان ما يصل الجميع للقمة، حيث وجدوا أنفسهم أمام منظر خلاب للدانوب متعرجاً بين التلال. أمسك سامي بيد إندرا وقادها لنقطة بعيدة عن باقي المجموعة ليتأملا المنظر بعيداً عن المقاطعة
"أليس المنظر بغاية الجمال" يقول لها وهو يلتقط صور لها وللمناظر البديعة حولهم
"نعم، كم أود قضاء وقت أكثر لننتظر غروب الشمس كما كان الأمر بالأمس" ترد عليه وهي تلتقط الصور بالكاميرا التي أعطاها إياها ذلك الصباح
"ماذا تفعلان هنا وحديكما؟" يوجه لهما القادري جاطو الحديث، "تعالا فإننا نود أخذ صور جماعية للمجموعة" ييطلب منهما
يتوجهان لحيث تجمع باقي الزملاء بمقربة من الحافة، فيوجه لهم يولا الحديث، "حسناً، أرجوا أن يكون الجميع بغاية الحرص ولا يعود أحد بخطواته للوراء. سأبدأ أولاً ثم أنضم للمجموعة فيتقدم كل من يود أخذ صورة للمجموعة، على أن نتشارك فيما بعد بالصور الملتقطة" يحدثهم
+++++
"عملية النزول فعلاً سهلة" تعلق إندرا
"نعم، ولكننا نسير بسرعة أكثر مما يجب عليه أن نتقدم" يرد سامي
"لا تقلق، فإننا لم نسقط في النهر من علو مثلاً ..." قبل أن تنهي إندرا حديثها، تتعثر قدمها فتحاول الحفاظ على إتزانها. يسرع سامي فيمسك بيدها اليمنى، فتقوم إندرا بمد يدها اليسرى بإتجاه الأرض لتحمي نفسها منالسقوط كليا"
تصرخ من الألم عندما تسقط على يدها فينحني سامي بقربها ويسألها بقلق، "يا إلهي، أأنت بخير؟" يأخذ بيدها ويعاينها
"إني بخير، إلا أنني قد سقطت على غصن جاف على ما أعتقد، فجرحت طرف راحة يدي" ترد عليه ونبرة ألم بصوتها
"هل أنتما بخير؟" يأتيهما صوت إليزابيث
يعاين سامي راحة يد إندرا الناعمة، تبدو سليمة إلا من بعض الجروح الخفيفة. يمسح يدها فتطلق صرخة خفيفة
"ما الأمر؟" يسرع بسؤالها
"شعرت بألم خفيف عندما مسحت على يدي، أظن أن هناك شظية من الغصن قد إنغرست بيدي" ترد
بلا تردد يسأل سامي إليزابيث أن تأتيه ببعض الثلج النظيف من الأرض القريبة من طريق النزول بينما يمد يده لخلف حزامه، حيث يخرج سكين الجيش السويسرية التي يحملها معه دائماً من قرابها
"لا تقلقي يا إندرا، فأنت بخير وهذا لن يؤلمك" يوجه حديثه لها بعد أن ضغط بالثلج على راحة يدها
"حسنا، لنرى أين تلك الشظية" يقول لها وهو يعاين مكان الجرح بإستخدام العدسة المكبرة الصغيرة التي أخرجها من السكين. بالمعاينة يكتشف فعلاً وجود قطعة صغيرة من الخشب مغروسة بالجلد، فيقوم بإخراج الملقط الصغير من السكين، ويشير لإندرا أن تضغط بيدها الأخري بالقرب من مكان الشظية
بإستخدام العدسة والملقط يقوم سامي بإنتزاع الشظية بسرعة من يدها، ثم يمسح على راحتها ويسألها، "أتشتعرن بخير الآن؟ هل تحسين بأي شظايا أخرى؟" تهز رأسها بالنفي
تناولها إليزابيث محرماً مبللاً معطراً
"خذي هذا يا عزيزتي، وإمسحي يدك حتى نصل للسيارة. فسرعان ما سنصل للأسفل، وحينها سأعطيك ضماداً طبياً من علبة الإسعافات الأولية بالسيارة" يقف سامي ويمد لها بيده ليساعدها على النهوض
"أأنت على ما يرام الآن؟" يسألها، فتهز رأسها إلا أنه لا يقتنع، "حسناً إذا، دعيني أمسك بيدك باقي الطريق، ولنسر بحرص معا" يحدثها، فتنظر إلية مبتسمة، وتهز رأسها بالإيجاب
إنتهى الجزء السادس والثلاثون
ويتبع في الجزء القادم
0 Comments:
Post a Comment
<< Home