Monday, December 05, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثاني والثلاثون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



"أناتولي؟ المعذرة على إتصالي بوقت باكر، ولكن لدي بعض التعليمات من أعلى المستويات أحببت أن أعلمك عنها قبل سفري إلى دبي" يحدثه الصوت

"بالطبع يا بوبوف" يرد أناتولي و هو يعلم أن المقصود بأعلى المستويات هو الزعيم بنفسه

"لقد تباحثنا في الإجتماع الأخير حول المسألة النمساوية برمتها حقيقةً، لديك الضوء الأخضر لإسكات ذلك الجشع بأية إسلوب تراه مناسب شريطة ألا يثير الشبهات حول عملياتنا" يحدثه بوبوف

"تقصد الأحمر؟ لك ما تريد" يرد أناتولي و نبرة الرضا تغمر حديثه، لم أستسيغ ذلك الوغد قط

"أرجو أن تفهمني جيداً يا أناتولي، لا مكان لوجود أية علامات إستفهام حول العملية، و أنا أقصد جميع الأطراف المشاركة" يحذره بوبوف بجدية

"حسناً، فهمت ما تقصد. الأحمر والأزرق معاً" يرد أناتولي

"بالضبط، أترك لك خيارات إنهاء إتصالاتنا معهم" يرد ويغلق الهاتف

+++++

"ماذا أعددت لنا اليوم؟" تسأله إندرا وهما في طريقهما لمحطة القطار

"نهار هذا السبت شتوي جميل جداً على الرغم من برودته الشديدة. لقد أعددت برنامجاً سياحياً متكاملاً يغطي اليوم بأكمله" يرد سامي

"حسناً، سنري" تجيبه إندرا ضاحكةً. "لا أدري من أين سمعت بأن فيينا مدينة بنيت حول مجموعة من المتاحف" تكمل

"في محطتنا الأولي سنتعرف على بعض من تاريخ النمسا، ولابد لنا أن نستقل خط قطار (U-4)" يحدثها سامي

+++++

يغادران محطة شونبرون، و يعاين سامي خريطته

"هناك العديد من الأماكن السياحية القريبة منا الآن. هناك المتحف التقني وحديقة الحيوان والبيت الأخضر ودار سينما الآي-ماكس التي أظن أنها تعرض الأفلام بالألمانية. جميع هذه الأماكن جديرة بالزيارة، ولكن اليوم سنزور قصر شونبرون والحدائق المحيطة به" يحدثها سامي مغتبطاً

سرعان ما يصلان لبوابة مدخل القصر ليجدا ساحة كبيرة تحيط بها مبان من ثلاث جهات وتوجد بعض النوافير المغطاة بالثلوج

"أتصور هذا المكان أيام الربيع حيث الأشجار الخضراء و الزهور تغطي المكان بأكمله" تعلق إندرا

"المكان الآن جميل جداً وهو مغطى بالثلوج" يجيبها سامي

"آه، نسيت أنك من المعجبين بكآبة الشتاء!" تجيبه إندرا بمداعبة

يسيران نحو الكشك الواقع أمام الواجهة الرئيسية حيث مبنى القصر الذي كان يتميز كمباني المدينة الأخري بالتصميم المعماري البديع

يشتري سامي تذكرتان للدخول و يمضيان إلى داخل القصر

"أظن أن التصوير ممنوع في الداخل، ما رأيك أن نسلم حقائبنا ومعاطفنا لقسم الأمانات، حيث سنتمكن من التجول براحة أكثر" يحدثها سامي

"لا مشكلة لدي، أنا أحتفظ بمقتنياتي الثمينة في جيبي على أية حال" ترد
"لا أعتقد أن قصر أباطرة النمسا سابقاً سيكون معرضاً للسرقة ونحن نتجول بداخله يا عزيزتي، يرد عليها ضاحكا

بعد أن يسلما مقتنياتهما لموظفة قسم الأمانات يستأجران سماعتين لسرد معالم القصر التي سيمران عليها

كان قصر الشونبرون هو المسكن الصيفي لقياصرة النمسا، ومسقط رأس العديد منهم ومن بناتهم ممن تزوجوا من ملوك و أمراء أوروبا

أخذا يتجولان في غرف القصر وهم يستمعان للتعليقات على كل من غرفه. في هذا القصر وضعت ماريا تيريزا أبنائها التي كانت أشهرهن، إبنتها الحادية عشر، ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا التي قطع رأسها إبان الثورة الفرنسية

"أتعلم يا سامي أنه لا يوجد دليل تاريخي يثبت أن ماري أنطوانيت قد ذكرت المقولة الشهيرة التي تنسب إليها عادة، حيث قالت دعهم يأكلون الكعك" تحدثه إندرا

"أهذا صحيح؟" يرد سامي و هو يحاول تذكر دروسه في التاريخ أيام صباه

"على الرغم من كونها ملكة متعجرفة، إلا أنها لم تكن بهذا القدر من الخلو بشخصيتها. في أواخر أيام حكمه، حاول الملك لويس السادس الفرار معها من فرنسا إلى النمسا لطلب المعونة من عائلتها وأخيها الملك ليوبولد وشن الحرب ضد الثوريين، إلا أنه تم إيقافهم قبل أن يصلوا للحدود و إرجعهم الثوار لباريس، حيث حوكم الملك وأعدم بالمقصلة. لقد أوغل الثوريون بعدها في إذلالها حتى أنه حين أعدمت أخذوها للمقصلة على عربة مكشوفة لكي يتم للحشود المنتظرة إذلالها لآخر لحظات حياتها. لم يكتف الثوريون بذلك و إنما تركوا إبنها الصغير يتعرض للإهمال حتي مات بعدها بحوالي العامين" تسرد إندرا مع بعض التعاطف

يمضيان الوقت في التجول بغرف القصر، حتى يأتيان لغرفة ذكر المعلق أنها الغرفة الشخصية للقيصر فرانز جوزيف

"أتعلم أنه آخر قياصرة النمسا وقد كان أيضا ملك هنغاريا؟" يومئ سامي برأسه

"في عهده تم ما عرف بالتنازل الهنغاري وأصبحت هناك مملكتين مزدوجتين لما كان يعرف بالإمبراطورية الأستراهنغارية. وهو أيضا الملك الذي تحالف مع المانيا أو بالأحرى بروسيا، وعلى أثر هذا التحالف وجه الإنذار الشهير لصربيا عام 1918 ، الأمر الذي جر العالم للحرب العالمية الأولى" تسرد

ينظر إليها سامي مبتسماً، فقد أعجبته معرفتها بهذه الحيثيات من التاريخ

"على الرغم من أنه كان يتمتع بشخصية جذابة، وكان يعشق زوجته الملكة إليزابيث، والتي كانت تربطه معها صلة قرابة، إلا أنه كان صارماً مع أفراد أسرته وبالأخص إبنه الأمير رودولف، الأمر الذي دفع الإبن في النهاية للإنتحار بمشاركة عشيقته في نزل في إحدى الغابات المحيطة بفيينا، بعدما رفض مباركة زواجهما" تكمل السرد
"أعتقد أني على علم بهذا الحدث، أتذكر أني شاهدت فيلماً سينمائياً قام فيه الممثل عمر الشريف بتمثيل دور الأمير، وقامت بدور العشيقه الممثلة الفرنسية الجميلة كاثرين دينوف

"الفيلم هو مايرلينج" تضحك إندرا، "وقد مثل فيه دور فرانز جوزيف جيمس مايسون، أما الملكة إليزابيث، أو سيسي كما كانت تسمى، فقد قامت بدورها إفا غاردنر" تكمل إندرا

"لا داعي لأن أنصت إلى جهاز السرد الإلكتروني وأنت معي!" يضحك سامي ، "بالمناسبة، الآن عرفت معنى إسم مكان إقامتي، فندق سيسي، لا بد أنه قد سمي على إسم الملكة" يكمل

"تزوجها فرانز جوزيف عن حب وكانت فعلاً من أجمل أميرات أوروبا. كان يعشقها، رغم غرابة أطوارها، عشقاً حرياً به أن يسجل في سجل العاشقين، والمشاكل التي كانت تتسبب بها أحياناً مع نبلاء النمسا

لقد كانت تبالغ في إفراطها على المحافظة على جمالها وقوامها، وحين أغتيلت في سويسرا أواخر القرن التاسع عشر كان حزن القيصر عليها شديداً لم يفارقه طوال ما يقارب من العقدين حتى وفاته أيام الحرب العالمية الأولى، التي تحولت النمسا عقبها إلى جمهورية" تحدثه إندرا

"الغرفة لا تماثل ما بمخيلتي لملك، إنها تبدو صغيرة متواضعة. أنظري هناك إلى إحدى أطراف الغرفة ، هناك سرير صغير يقابله كرسي، ومنضدة تعلوها أدوات الحلاقة. مكتب صغير يجري فيه الملك أمور يومه على ما أعتقد، وقد ترك على منضدته ما يماثل الصحيفة اليومية" يحدثها سامي

يأتان على قاعة كبيرة ذكر المعلق نبذة عنها، و كيف أن موزارت ذو الستة أعوام قام فيها بإستعراض مقدرته الفذه بالعزف أمام الإمبراطور. كما أن قصر الشونبرون كان المحل الذي إلتقى فيه الرئيس الأمريكي جون كينيدي مع العاهل السوفييتي خروتشوف عام ١٩٦١. أثناء ذلك اللقاء كان كينيدي يقضي الساعات الطوال في التحدث مع نظيره السوفييتي و بما أنه كان يعاني من آلام في ظهره ألزمت أطبائه بحقنه بالكورتيزون والمسكنات التي كان يتلاشى مفعولها مع الوقت. الأمر الذي كان يجعل بوادر الرهاق تبدو على الرئيس الأمريكي، مما جعل خروتشوف يقر بعد عودته لموسكو أن الولايات الأمريكية يحكمها رجل ضعيف. هذا الإعتقاد جر السوفييت إلى محاولات لتحقيق بعض الإنتصارات في المواجهة الباردة مع الغرب مواجهات مع الغرب، إنتهت إلى إقامة حائط برلين، والمواجة التي أوشكت بجر العالم للحرب عبدما حاول السوفييت نصب صواريخ ملغمة برؤوس نووية في كوبا

"بغض النظر عن البلاد التي أتينا منها، فلا مفر لنا من التاريخ. يعلق سامي وهما يغادران القصر. يتجولان في الحدائق الخلفية متجهين نحو تل يعلوه ما بدا لهم نصب كبير. على يمينهم كان مدخل لحديقة الحيوان، وعلى مقربة منه متاهة خضراء

"كم أود الدخول للمتاهه" يقول سامي

"إنها مغلقة" ترد إندرا وهما يقتربان من اللوحة المعلقة

"آه ستكون مغلقة حتى شهر أبريل". يقول لها سامي و هو يتذكر متاهات شبيهه شاهدها في أماكن أخرى من أوروبا وعلى الأخص ببلجيكا

"هيا يا سامي، علينا أن نعتلي التل" تحدثه إندرا وهي تشعل سيجارتها

كانت الرحلة نحو أعلى التل مضنية بسبب الثلوج الكثيفة المتراكمة، إلا أنهما كانا مستمتعين بصحبة كل منهما للآخر و يتبادلان أطراف الحديث

ما أن وصلا للقمة حتى وجدا نفسيهما أمام بركة صغيرة متجمدة، أمام محطة إستراحة تم تحويلها لمقهى

"هل تودين بالإستراحة هنا؟" يحدثها سامي

"ولماذا؟ الوقت لم يتجاوز الظهر و أنا لست بمتعبة. لاتقل أن السير قد أضناك؟" تقول له بسخريتها المعتادة

"أهذا جزائي لأني أريد راحتك؟ حسناً إذاً، لنأخذ الطريق الأسهل في الخروج من منطقة القصر. يقول لها و هو يتفحص الخريطة

"لنبحث عن مكان نتناول فيه غداءاً سريعاً، ثم علينا العودة لمحطة القطار للتوجه لزيارتنا التالية" يحدثها

+++++

كانت محطتهم التاليه هو متحف الألبيرتينا العريق الذي مر عليه سامي أثناء تجواله بوسط المدينة منذ أيام. هذه الأيام كان المتحف يحتوي على ثلاثة معارض رئيسية. أولها و أكبرها هو معرض لأعمال الفنان مارك شاغال المتعلقة بشخصيات وأحداث إستوحاها من أسفار الإنجيل

المعرض الثاني كان للمصور الأمريكي ويليم إيجلستون الذي أشتهر بتصوير الحاجيات الإعتيادية بألوان فاقعه فذة

أما المعرض الثالث فكان لفان البوب أليكس كاتز والذي تقارن أعماله بعملاق فن البوب أندي وارهول

إحدى قاعات المتحف كانت تضم تماثيل تصور إله الفنون أبوللو مع بنات أفكاره التسعة، كليو (ملهمة التاريخ)، كاليوبي (الشعر الملحمي)، إراتو (الشعر العاطفي)، يوتيربي (النثر)، ميلبوميني (التراجيديا)، بوليهيمنيا (الشعر المقدس)، ثاليا (الكوميديا)، تيربسيكوري (الرقص) و أخيرا يورانيا التي يتوقف سامي عندها طويلا

"ما الأمر؟ ماالذي إستوقفك أمام هذا التمثال؟" تسأله إندرا
يبتسم سامي، "كم آتمنى لو أن أحد أصدقائي في الكويت كان معنا الآن. ياللأسف، فإني لا أستطيع إلتقاط صورة للتمثال. التصوير ممنوع داخل المتحف وكمثل زيارتهم للقصر سلموا أمتعتهم لقسم الأمانات" و يجيبها

"وماذا عن هذا الصديق؟ وما علاقته بهذا التمثال بالضبط؟" تسأله

"صديقي من هواة الفلك، وهذا التمثال ليورانيا، ملهمة علم الفلك الذي كان يعتبر فناً في القدم" يحيبها ضاحكاً

+++++

بعد أن تناولا المشروبات في مقهى المتحف. لا زال هناك ساعة قبل غروب الشمس

"حسناً، و ماذا عن الآن؟" تسأل إندرا

"لقد أوسعنا مداركنا بالأمور التاريخية والفنية، ما رأيك الآن أن نوسع ثقافتنا السينمائية؟ يجيبها سامي

"أتقصد متحف الأفلام المجاور لنا؟" تسأله

"لا يا عزيزتي. سنذهب لإحدى المعالم الخالدة في تاريخ السينما!" يرد عليها بإبتسامة


إنتهى الجزء الثاني والثلاثون
ويتبع في الجزء القادم

0 Comments:

Post a Comment

<< Home