Saturday, November 19, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء التاسع والعشرون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



ينظر لساعته، إنها الآن السابعة وخمساً وعشرين دقيقة صباحاً ولم يأتي باص المعمل إلى الآن. ينظر سامي حوله إلى الأرض المغطاة بالثلوج، إثر العاصفة الثلجية التي بدأت بعد منتصف الليل ولا زالت الثلوج تتساقط بغزارة. لقد منعته حالة الطقس من ممارسه رياضة العدو التي يمارسها كل نهار قبل عودته للسكن للإستحمام والتحضير ليومه في المعمل. لا عليه، سأكتفي اليوم بالتمارين الرياضية في الجيم التابع للفندق عندما أرجع هذا المساء، يفكر لنفسه

يلتفت ليساره ليرى الباص قادماً متأخراً عن موعده المعتاد بعشرين دقيقه

+++++

لم يبالغ المتنبيء الجوي حينما قال بأن اليوم سيكون شتوياً قارساً، تدور الفكرة في رأس هنري الذي إستيقظ من النوم لتوه. ينظر من نافذة الفندق بإتجاه مركز فيينا العالمي، أو الأونو سيتي حيث مقر الوكالة

في الأيام العادية، كان بإمكانه السير والوصول للمركز خلال دقائق معدودة. إلا أن الظروف الجوية اليوم تحول دون ذلك، سيسأل الموظف إن كان الفندق يوفر خدمة الإيصال السريع للمركز

حسنا، فعليه الإستعداد للذهاب إلى هناك

+++++

"يبدو أن هناك من سبقك بوضع الحل" تقول له إندرا حال الدخول للمختبر

"نعم، فمصطفى شلبي كان هنا منذ دقيقتين ليكتب الحل" يعقب يولا

يتجهان للسبورة لقراءة الجواب والذي كان مكونا من كلمتين، القطب الشمالي

"هذا هو الحل الذي إقترحته بالأمس" تعلق إندرا بشيء من خيبة الأمل

"سبقك مصطفى اليوم يا سامي" يعقب يولا بلهجة لا تخلو من السخرية، "ولكن لا عليك، فيوم لك و آخر عليك" يكمل

يبتسم لهم سامي بخبث قبل أن يرد عليهم، "إني آسف، ولكن هذا ليس هو الحل، أو على الأقل فهو ليس الحل المتكامل. هذا هو ما قصدته بالأمس حين ذكرت أن هذه المسألة تعطى كمثال في علم الهندسة غير المستوية لتوضيح أن مجموع الزوايا في المثلثات هو ١٨٠ درجة فقط عندما يرسم المثلث على سطح مستوي. أما على الأسطح اللا مستوية مثل الكرة، فإن مجموع الزوايا سيكون مختلفا" يشرح لهم سامي

"أتعني أن هناك نقطة أخرى؟" تسأله إندرا

"يا عزيزتي، هذا الحل هو حالة خاصة للحل الكلي والمكون من عدد كبير جداً من النقاط" يرد سامي

"أين تقع هذه النقاط؟" يقاطعه يولا وقد بدأ يشعر بالضيق منه، "ولماذا لا تضع الحل الآن؟"

"سأنتظر لنهاية اليوم" يجيبهم بإبتسامته المعتادة

+++++

"بول، هل لي بأن أحدثك لدقيقة؟ إني أحتاج لمساعدتك" يحدثه ميريك

"بالتأكيد يا ميريك، كيف لي أن أخدمك؟" يرد عليه بول ويروب، فني مختبر الجاما

"سأكون بحاجة للتواجد خارج المختبر، و بما إني مسؤول عن المتدربين فإني أتسائل إن كان بمقدورك إن ..." يطلب منه ميريك

"لا عليك يا صديقي، سأتولى مسؤولية الإشراف عليهم" يقاطعه بول قبل أن يكمل

"شكرا لك يا صديقي، فهذا يعني لي الكثير" يشكره ميريك

يهز بول رأسه مبتسماً. هذا أقل ما يمكنني أن أقدمه لك يا صديقي، يفكر مع نفسه

+++++

بعد إستراحة الغداء لذلك اليوم

المجموعة منهمكة في حل بعض التمارين الرياضية المتعلقة بالحسابات الإحصائية ذات الصلة بتقادير معايير الجودة التي وزها عليهم البلجيكي بول ويروب. يفتح باب المختبر و تدخل غابي هولتهاوزن مديرة المختبر و إليزابيث زايلر، وبصحبتهما رجل يحمل حقيبة ضخمة

"أرجو من الجميع الإنتباه. أود أن أقدم لكم السيد هنري ستيفنسن، زائر علمي من مختبرات سانديا الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية. سيقضي السيد ستيفنسن بعض الوقت معنا" تحدثهم غابي

إتجه الجميع لتحية الزائر الجديد الذي أخذ بمصافحتهم بشيء من الجفاء وهو ينظر لكل منهم من أسفل إطار نظارته والتي كانت متمركزة على طرف أنفه

"سيكون هناك متسع من الوقت لديكم للتعارف مع السيد ستيفنسن في الأيام القادمة،” تعقب غابي"إننا الآن هنا في زيارة سريعة للمختبرات. أين إينزيو؟" تسألهم

"لقد غادر مباشرة بعد الغداء" يجيبها يولا

"فعلا، لقد ذكر لي ذلك صباحا" ترد مسترجعه الموقف بينها وبين إينزيو

"ميريك إضطر أيضا للمغادرة صباحا" يضيف بول

"من إينزيو وميريك؟” يوجه هنري السؤال لغابي

"إينزيو مسؤول عن وحدة التحاليل الكيميائية و قياسات إشعاعات الالفا و البيتا، أما ميريك فهو مسؤول قياسات أشعه الغاما" تجيبه غابي

"وهل من عادة مسؤولي الوحدات التغيب كثيراً عن المختبر؟" يرد هنري بلهجة جافة

"لكل منا الحاجة لقضاء مهامه الخاصة أحياناً" ترد عليه غابي بجفاء مماثل وتوجه حديثها للمجموعة بطريقة أكثر ودية، "حسناً، سنترككم الآن لتعاودوا عملكم" وتحاول الرحيل

"ما هذه اللوحه هناك؟" يسأل هنري وهو يتجه للوحة المختبر، فيشرح له يولا عن عادة إنزيو في وضع الأحاجي لطاقم المختبر

"هذا شيء مثير للإهتمام، و لكني أرى أن أحدهم قد وضع الحل ناقصاً لهذه الأحجية، أو لنقل حلاً تافهاً أو سخيفاً كما يسميه الرياضيين" يقهقه هنري بتهكم قبل أن يضع حقيبته على الطاولة ليتناول قلما و يبدأ الكتابه

"وبهذا يكون الحل مكتملا" يلقي هنري بالقلم قبل أن يرمق الحضور بنظرة إستعلائية ويأخذ حقيبته متجهاً للباب بصحبة غابي و إليزابيث

حال خروجهم يتجه الجميع للسبورة لقراءة الإجابة

South Pole + (1/2Pi)+1

"أتفهم ما المقصود؟ أهذا هو الحل؟" ينظر يولا لسامي ويسأله

يومئ سامي برأسه مشيرا بالإيجاب

"أيمكن أن تشرحه لنا إذا" يطلب منه يولا

"الحل بسيط جداً، ويتطلب إفتراض مثالية كروية الأرض عند القطب الجنوبي. فإذا بدأنا الرحلة من نقطة تبعد عن القطب الجنوبي مسافة واحد مقسوماً على إثنان ضرب باي، مضافاً إليه كيلومتر واحد وهو المسافة المراد مشيها أولاً، وباي كما تعلمون هي علاقة محيط الدائرة إلى قطرها، وتذكروا بأننا إفترضنا كروية مثالية للأرض، علماً بأن باي تساوي تقريباً 3.14

هكذا

1 + (1 / 2Pi)


لذا، فإن هذه النقطة هي واحدة من عدد لا متناهي من النقط المثيلة ذات نفس البعد عن نقطة القطب

فلنتجه الآن جنوباً مسافة كيلوميتر واحد فسنصل لنقطة تبعد عن القطب الجنوبي مسافة تعادل واحد مقسوماً على إثنان باي

1 / 2Pi


لنتجه شرقاً الآن، فإننا سنقطع مسافة تعادل محيط دائرة ذات نصف قطر يعادل المقدار الذي ذكرته، والمحيط سيكون مقداره كالآتي

2Pi * R

و R هو نصف القطر ويساوي

1 / 2Pi

إذاً، فالمعادلة هي

2 Pi / 2 Pi

وبالإختصار يبقى لدينا كيلومتراً واحد


وأخيرا نتجه شمالاً لمسافة الكيلومتر الثالث و بهذا نكون قد وصلنا إلى النقطة التي بدأنا رحلتنا منها، بديهي، أليس كذلك؟" يضع القلم بعد الشرح

يتجاوب الجميع معه، بهز رؤوسهم

"الحقيقة أن هذا اللغز كناية عن الحالات والمواقف التي تحتوي على حلول من عدة طبقات

الكثير منا يتوقف عن محاولة الحل عندما يصل لأول الحلول والذي عادة ما يكون أسهلها. وهذا يذكرني بالفرضيات المقدمة حول مقابر الفراعنة

فمقبرة توت عنخ آمون مثلاً والتي يخيل للكثير من الناس أنها تمثل كنزاً فريداً كانت صغيرة جداً لكون الفرعون قد مات في سن صغيرة ولم يعرف عنه أنه قائد لمملكة عظيمة كغيره من الفراعنة

وعندما فتحت المقبرة كانت محتوياتها مبعثرة غير مرتبة ولم تحتوي على أية برديات لكتاب الموتى كما هي العادة مع باقي الفراعنة. علاوة على أن هناك دلائل على أن المقبرة قد فتحت مرات عدة في الأزمنة القديمة

هذا ما يدفع بالعديد من المختصين بالقول أن المقبرة وضعت بمكانها المكتشف من قبل فرعون أكثر عظمة، ربما كان سيتي الثاني، بمقربة من مقبرته لخداع لصوص الأثار الذين سيغادرون المكان بمجرد أن يعثروا على المقبرة الصغيرة ونهبها، تاركين المقبرة الكبرى سليمة من السرقه" يشرح سامي

"مصطفى، أهذا صحيح؟" يسأل الزميل السنغالي، عبدو أمودا

"يا عزيزي، يبدو بأن سامي ضليع بهذا الأمر أكثر مني" يرد مصطفى شلبي

"كان عليك أن تكتب حل اللغز صباحا قبل أن يأتي هذا الأمريكي المتعجرف ليتباهى بحلها أمامنا" يقول له يولا بلهجة لا تخلو من اللوم

"لا أدري ما السبب في طريقة تعامله الجافة هذه؟" تتسائل إندرا

"قد يعود ذلك للمهمة التي قدم من أجلها" يرد يولا و هو يهز رأسه، "فهناك بعض الجهات ممن يتصيد الأخطاء على أعمال الوكالة" يكمل





إنتهى الجزء التاسع والعشرون
ويتبع في الجزء القادم

0 Comments:

Post a Comment

<< Home