Tuesday, November 08, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء السادس والعشرون




هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية



في طريق العودة كان كلاهما مرهقاً من العمل طوال اليوم

"لقد أعد إينزيو أحجية جديدة" يحدث سامي إندرا

"هل هي صعبة؟" تسأله

"لا في الحقيقة، أنا أعرف الحل ولكني إرتأيت أن أنتظر لعل أحدهم يحلها" يجيبها

"وما هي الأحجية؟" تسأله

يشرح سامي الأحجية، ويضحك عندما تقع إندرا في الفخ الذي نصبه إينزيو.

وبعد مرور بعض الوقت

"لا أصدق كم هي مضنية هذه الدورة و ذلك على الرغم من أن العمل المخبري هو تخصصي إلا أننا نغطي الكثير خلال أيام العمل" تبدأ إندرا بالحديث

"نعم، وأعتقد أن السبب هو الفترة المخصصة لهذه الدورة تحتم الطبيعة المركزة لمحتواها الفني. إلا أنه لدي العلاج المناسب للإرهاق بعد يوم مجهد، فالموسيقى هي غذاء الروح" يقول ذلك و هو يخرج جهاز الآي بود ويناولها إحدى السماعتين فتضعها في أذنها مبتسمة

"بشرط أن لا تكون الموسيقى من الأنماط المزعجة أو العنيفة كالراب أو الهيفي ميتال" تقول

يضحك، "لن تجدي مثل هذه الموسيقى لدي! سأضع الجهاز على منتقي الإختيار العشوائي ليختار لنا ما سنستمع إليه في طريق العودة" يجيبها

يبدأ الإثنان بالإستماع للموسيقى

+++++

توقفت الطائرة و فتحت الأبواب. بدأ بجمع أمتعته وأخذ يخطو طريقه ببطء نحو المخرج

كم يكره السفر في مثل هذه المهام. لم لا يستعينون بمن هم أدنى منه مرتبة لمثل هذه الأعمال، يتسائل مع نفسه

أمامه الآن مدخل منطقة الجوازات. هنا شباك مخصص لحملة الجوازات من الدول الأوروبية، وشبابيك أخرى لغيرهم

و ماذا عن المسافرين من شاكلتي؟ يا لهم من مغرورين هؤلاء الأوروبيون. أيعقل أن يشركوا حملة الجوازات الأمريكية مع حملة الجوازات من دول العالم الأخرى؟ يتسائل مع نفسه وهو يأخذ دوره في الطابور

+++++

لا يزال الباص بمنتصف الطريق المؤدي إلى مدينة فيينا. جهاز الآي بود يبدأ بالمقطع الموسيقي التالي

"آه، إن هذه المقطوعة ملائمة لطبيعة عملنا، هل تعرفينها؟" يسأل سامي بينما تهز إندرا رأسها بالنفي

"إنها لأحد الموسيقيين الحديثين المفضلين لدي" يجيب سامي

تبدأ القطعة بإيقاعات سريعة رتيبة على آلات إليكترونية تتردد بشكل منتظم مع بعض التحور، يعقبها بشكل فجائي صوت سوبرانو بترديد أرقام بشكل هادر. تنظر إليه إندرا بإستغراب. سرعان ما تبدأ الأصوات في المقطوعة بترديد النوتات الموسيقية بدلا من الأرقام. بعد بضعة دقائق تهز رأسها

"ما هذه المقطوعة بالضبط؟ تسأله

"إنها جزء من خاتمة أوبرا المسماة آينشتاين على الشاطيء ، للموسيقار الأمريكي فيليب غلاس" يجيبها

"لم اسمعها من قبل" تحدثه

"المقطوعة تمثل تصورين لمستقبل البشرية. أولهما تصور متفائل يصور الإنسانية في مرحلة إستكشاف الفضاء، إلا أن المقطوعة تنتهي بالإشارة لإنفجار نووي، و في نهايتها تظهر على المسرح معادلة آينشتاين الشهيرة الموضحة للعلاقة بين المادة والطاقة. لهذا ذكرت أنها قطعة ملائمة لعملنا. تلك الأوبرا كانت ولا تزال فريدة في أنها تخلو من حبكة واضحة والحوار فيها يحتوي على الأرقام و ترديد النوتات الموسيقية. العامل المشترك خلالها هو وجود آينشتاين كعازف للكمان طوال الأوبرا" يشرح

"وما أدراك بكل هذا، أرأيتها من قبل؟" تسأله

"لقد حضرت عرضاً لهذه الأوبرا عندما أحيته أكاديمية بروكلين للموسيقى أثناء وجودي في الولايات المتحدة للدراسة" يسهب سامي

"كنت أنوي سؤالك، لقد أتممت دراستك في الولايات المتحدة الأمريكيه، أليس كذلك؟" تسأل

"نعم، لقد أتممت جزءاً من دراستي هناك" يرد عليها

"هذا يفسر تمكنك من الحديث بالإنكليزية بلهجة أميريكية" تنظر إليه بإبتسامتها العذبة، "فطريقة حديثك تذكرني بنجوم السينما الكلاسيكية" تكمل

"أحقا تظنين ذلك؟ من من النجوم بالضبط، كلارك غيبل أم كاري غرانت؟" يسأل

تنظر إليه بمكر، "بل جيري لويس!" تجيبه ضاحكة ويشاركها الضحك

"أنني آسفة، فأنا لا أشاركك الإعجاب بهذه المقطوعة. فهي شديدة الغرابة و لا أستسيغها" تحدثه

"حسناً إذا، لنرى مالمقطوعة التالية" يضغط الزر الأيمن على عجلة الآي بود

وبشكل خافت تبدأ مقطوعة موسيقية تعرف عليها الإثنان لحظياً

"نعم، هذه الموسيقى ملائمة أكثر وخصوصا أننا الآن بفيينا" تحدثه

يستمعان للقطعة الموسيقية العظيمة والتي تعد من أشهر المؤلفات الموسيقية على الإطلاق. فقد استمع كلاهما إليها مراراً من قبل، إلا أنها تظل محببة إلى الأنفس مهما تعددت مرات الإستماع إليها

تمر الدقائق وهما يتبادلان النظرات الصامتة. بينما تعزف الموسيقى ينتبه أنه قد أمضى الدقائق وهو يتأمل عيناها الجميلتان اللتان كانتا تشاركانه النظرات بصمت طوال هذه الفترة. لا داعي لأي كلمات ما دامت الأعين تتبادل الحوار و الآذان أسيرة لوقع الموسيقى الساحرة

وعند وصول القطعة الموسيقية لنهايتها تبادره إندرا بالحديث

"هذه المقطوعة تظهر عبقرية يوهان شتراوس وبراعته في التعبير الموسيقي. فبدايتها يتصور المستمع وكأنه يرى بعيناه تساقط قطرات الندى بينما تستيقظ الحياة فجراً. ثم يأتي الشروق وتنشط الحياة والحركة حول النهر، وأخيراً يحين الغروب لتخبو الحياة نحو السكينة قبل أن تنتهي القطعة بوعد أن تتكرر الدائرة في الغد. لكم أعشق هذه المقطوعة، لكم أعشق موسيقى الدانوب الأزرق" تشرح إندرا

كان الباص يسير على مشارف فيينا، على اليسار فندق هيلتون الدانوب، بينما على يمينهم كان يجري النهر موضوع القطعة الموسيقية التي إنتهيا من الإستماع إليها تواً

يشير من النافذة على يمينه إلى النهر، "في الحقيقة إني لا أراه أزرقاً" يتابع بلهجة دعابة، "كما إنني عندما أستمع للمقطوعة فإنني أتصور بمخيلتي سفناً فضائية و محطات مدارية!" يرد عليها

تسأله، "أأنت من عشاق كيوبرك؟" تنظر إليه بطرف عينيها

"نعم إلا أنني من محبي الغموض و الرومانسية لدى فيليني أيضاً" يجيبها ضاحكاً

تبتسم له وتبدأ بهمهمة نغمة تعرف عليها في الحال، فهي من مؤلفات الموسيقار الإيطالي نينو روتا و التي إستخدما المخرج الإيطالي الفذ في رائعته ثمانٍ ونصف

يا إلهي! يفكر لنفسه. إننا نتشارك بالعديد من الإهتمامات

شارف الباص على المحطة، فتناوله إندرا السماعة و تتأهب لجمع أغراضها للنزول

"شكراً لك، فإني فعلا أشعر بإرتياح الآن" تحدثه

"إن هذا من دواعي سروري يا إندرا. و لكن هل لي أن أسألك شيئاً؟" يسأل سامي

"نعم، بالتأكيد" ترد

"ما هي مخططاتك لهذه الليلة؟" يسألها





إنتهى الجزء السادس والعشرون
ويتبع في الجزء القادم

1 Comments:

Blogger q80_demon said...

ما هي مخططاتك لهذه الليلة؟" يسألها
إي هذا إلي قاعد يخطط له من ما وصل!
على قولة عبد الحسين عبد الرضا في "باي باي لندن": بدال ما تخطط إشلون تقعد وياها، سو لنا راديو يشتغل على الغبار، ولا سيارة تمشي على الرطوبه!

11:38 AM  

Post a Comment

<< Home