Saturday, December 17, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الرابع والثلاثون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية




"ها، وأخيراً قررت شراء الفيلا" تجيبه بمرح

"لم يكن القرار سهلاً، وكما تعلمين، فإن تأمين الموارد المالية كان العقبة في طريقي" يرد عليها

"وهل أمنتها الآن؟" تسأله مع بعض الفضول

"نعم يا كارميلا. إنني على وشك الإنتهاء من مشروع سيأمن لي كل المبلغ" يرد عليها

"أتمنى لك كل الحظ. هل تريد مني إرسال كافة المعلومات لك مباشرة أم لمحاميك؟"

"لا إرسليها لي على نفس العنوان السابق. وكما أخبرتك سابقاً، أريد الموضوع أن يظل بيننا لبعض الوقت" يطلب منها

"سيكون هذا صعباً. وخصوصاً لفيلا من تصميم مايلو لامباردي" ترد عليه

"لنحاول على أي حال. سأحول لك الدفعة الأولى من المبلغ الإسبوع القادم، سأتصل بك قبل التحويل" يحدثها

"حسناً، سأعمل على أوراق البيع حالاً، ...، مع السلامة" تنهي سمسارة العقار المكالمة

+++++

يتوقف القطار عند محطة كايسرمولن، ويعلن المذياع أنها محطة مركز فيينا العالمي.
كانت العربة مزدحمة بعض الشيء، إلا أنهما لم يهتما كثيراً، فالمسافة بين محطة البراتيرشتيرن وهذة المحطة محطتان فقط، ولم يمانعا في إمضاء الدقائق القليلة وقوفاً

"لقد كان فعلاً يوماً ممتعاً، من القصور والحدائق الجميلة، إلى المتحف ثم الدولاب والمناظر البديعة للمدينة" تحدثه إندرا

"ولكننا لم ننته بعد يا إندرا" يجيبها سامي وهو يلحق بها خارج القطار. ينظر لساعته التي شارفت على السادسة و النصف مساءاً

يتركان المحطة إلى هواء المساء البارد، لا تزال بقايا أشعة الشمس ظاهرة في السماء الخالية من الغيوم. يعبران الشارع بإتجاه مركز فيينا العالمي أو الأونو سيتي. على الرغم من وجود باص متخصص لوجهتهم القادمة إلا إنهما قد آثرا السير على الأقدام

"أظن أننا كمتدربين لوكالة الطاقة الدولية يمكننا دخول المركز في كل الأيام بإستثناء أيام العطل، إلا إذا كنا بصحبة أحد العاملين بالوكالة" تعلق إندرا ويجيبها سامي بالإيجاب

يتخطيان بوابة الأمن متجهين شمالاً عبر عتبات مدرجة، على يسارهم كان مبني ناطحة سحاب هائلة يسبقها أحد أفرع بنك النمسا الأول، أما على اليمين فهناك مبنى ذو تصميم فريد، فقد كان أسود اللون ذو نوافذ دائرية صغيرة. ما أن يتعدانه إلى الخلف حتى يشاهدا مجموعة من الأجراس المعلقة بهيكل معدني، فالمبنى كان عبارة عن كنيسة ذات تصميم حديث

يتابعان السير سريعاً، على يمينهم مدخل لمبنى المركز النمساوي الذي يتقدمه مدخل ذو مظلة وضعت قبالته ثلاثة جلاميد صخرية هائلة. المركز معروف عنه إقامة الحفلات والعروض الموسيقية طوال العام. إسترعى إنتباهه إعلان للمطرب رود ستيوارت سيقام في شهر يونيو سيفوتنا هذا العرض، يعلق بسخرية

قبلتهما تكون بإتجاه مجمع سكني هائل حيث كان هناك ممر أدى لمجموعة من السلالم التي تخطوها لتصبح أمامهم حديقة هائلة بدت موحشة بعض الشيء في ظلام المساء، إلا أنها لم تكن خالية من المشاة الذي كان بعضهم يتمشى بصحبة كلابهم

يكملان سيرهم حيث الهدف الذي أتيا من أجله والذي كان قائما أمامهم. أغلب أشجار الحديقة كانت جرداء يغطيها الجليد، إلا أن هناك قطع من الأرض كانت تخلوا من الثلوج ويبدو من خلالها العشب. يتابعان السير والحديث أثناء السير السريع بهذا الجو البارد. كانا مستمتعين بصحبة كلا منهم للآخر في هذا المكان الذي يتميز بالبداعة كغيره من الأماكن التي زاروها هذا اليوم

يلمح سامي بوسط الحديقة ما بدا له كسقالة ضخمة يتوسطها صليب هائل، ومن بعيد بدت ناطحة السحاب المتاخمة لمجمع الميلينيوم سيتي الذي زاروه قبل يومين. إلا أن المبنى الذي كانا يتقدمان منه قد طغى على كل ما حولهم من من معالم. يمران بمقربة من نصب تتقدمها لوحة عليها كتابة يابانية قبل أن يصلا للمدخل. يتوقفا برهة لينظرا للأعلى

"ياله من برج شاهق" تعلق إندرا

"نعم، وهو يماثل برج للإتصالات في بلدي" يرد سامي وهو يفتح الباب لها ويتبعها بالدخول متذكراً برج التحرير بالكويت

يتقدم سامي لشباك التذاكر ويشتري تذكرتين للدخول، بلغت التعرفة عشرة يوروات وستين سنتاً. يعبران من البوابة الإلكترونية حيث إستوقفهما المصور عارضا أخذ صورهما

"هنا أيضا؟" تسأله إندرا وهي تشير للكيس الذي تحمله والذي كان يحوي الصورة التي إلتقطاها معا في الدولاب
"ولم لا، إنها للذكرى" يشير سامي للمصور إنه يريد نسختين من الصورة. يعبران الممر إلى حيث مدخل المصعد الآلي و ينتظران دورهما للصعود

في هذه الأثناء يعاينان اللوحة المقابلة للمصعد والتي تحتوي على نبذة عن البرج.
برج الدوناوتورم، أي برج الدانوب، قد تم بناؤه في أواسط الستينات من القرن العشرين إبان الإحتفالات بمعرض فيينا العالمي للمزروعات عام 1964 ويقع بوسط حديقة الدانوب. يبلغ أقصى إرتفاع للبرج 252 متراً عن سطح الأرض. إرتفاع شرفة الرصد هو 150 متراً، أما المطعم العلوي فهو على إرتفاع 170 متراً عن سطح الأرض. هذا يقل بقليل عن إرتفاع أعلى برج من أبراج الكويت، يتذكر سامي

يصل المصعد ويشير لها سامي بالدخول أولاً حيث يحييهم موظف المصعد، وما أن يضغط عل زر الصعود حتى يطفيء الأنوار ويشير لهم بالنظر للأعلى. كانت هناك نافذة أعلى العربة بدت من خلالها أسلاك المصعد الممتدة خلال النفق العلوي. بأعلى العربة كانت لوحة إلكترونية تعرض المسافة المقطوعة والسرعة اللحظية للمصعد. خلال نصف دقيقة توقف المصعد وفتح باب العربة من الناحية الأخرى المقابلة للباب الذي دخلا منه

يخرجان من عربة المصعد إلى بهو غرفة البرج حيث كان بعض الجمهور متجمعين حول النوافذ الصغيرة لرؤية المدينة. تشير إندرا إلى لوحات التوجيه

"هناك درج للنزول إلى شرفة البرج يا سامي" تحدثه
ينزلان الدرج جيث كان البهو الدائري والنوافذ الكبيرة تكشف المنظر الخارجي. يشير سامي لها بإتجاه مدخل الشرفة

"أتودين بالخروج لرؤية المدينة بالهواء الطلق؟" يحدثها

"بالطبع، فالمنظر يبدو خلاباً جداً" تجيبه وصوتها لا يخلو من الترقب المرح

ما أن خرجا للشرفة حتى تفاجآ بالريح الشديدة التي كانت تهب عليهم عبر الحاجز المعدني الذي كان يغطي الشرفة كليا. أخذا بالسير حول الشرفة الدائرية، و أخرج سام منظاره الثانوي إستعداداً لرصد معالم المدينة

حتى في ظلام المساء بدت المدينة غاية في الجمال تحت السماء الصافية. أنوار المدينة من هذا العلو كانت تبرق كعدد لا متناهي من الدرر، إلا أنه لم يكن من الصعب التعرف على معالم المدينة المغطاة بالثلوج. فتحتهم كانت حديقة الدانوب، وقريباً من ناحية الجنوب كانت الأونوسيتي. عبر الدانوب كان معلم آخر للمدينة، فببساطة تمكنا من رؤية الدولاب حيث كانا قبل ساعة مضت. وبدا واضحاً أيضا الدخان الأبيض المتصاعد من قمة فوهة مدخنة محطة الطاقة في شبيتيلاو

هناك بالطبع نهر الدانوب بقنواته المتعددة، والجسور العديدة التي كانت تعبرها. أثناء تمعنهم بأحد الجسور بناحية الشمال، كان هناك قطار يعبر الجسر متباطئاً إستعداداً للتوقف في المحطة القادمة. أخذ سامي المنظار لرؤية القطار والمحطة عن كثب، إلا أن المبنى القريب من المحطة قد جذب إنتباهه. فمباشرة قرب المحطة كان هناك مسجد كبير متميز بقبته ومنارته. يراجع سامي خريطته ليتعرف على المسجد، فيكتشف أنه المركز الإسلامي المتاخم لمحطة نيودوناو، أي على بعد محطة واحدة من محطة هاندلسكي حيث مجمع الميلينيوم سيتي

يقضيان بعض الوقت في التمتع بمناظر المدينة الخلابة، قبل أن يعاودا الدخول للبرج

"بما أنه يوم السبت وعطلة نهاية الأسبوع، فقد قمت مسبقاً بحجز مكان لنا في المقهى" يقول لها وهما يصعدان الدرج الدائري للأعلى

"ها، لا أصدق إنك قد خططت مسبقا لهذا أيضا!" تجيبة إندرا

"يا عزيزتي، إن وقتنا في العطل محدود وعلينا إغتنام كل فترة فيه مهما قصرت. لهذا فالتخطيط المسبق مهم جداً" يرد عليها

يتقدمان للمدخل حيث تحييهما المضيفة وتشير لهما لأحد الطاولات مناولة إياهما قائمة الطعام. كمثل العديد من الأبراج حول العالم كان المطعم يدور ببطء شديد ليعطي الزبائن مشهدا كليا للمدينة

ينظر سامي للقائمة قبل أن يختار فطيرة الجبنة البيضاء مع القهوة

"لدينا متسع من الوقت" يقول لها وهو يعاين ساعته

"وماذا خططت لنا بعد العشاء؟" تسأله

"الحقيقة حاولت أن أجد حجزاً لأحد العروض الموسيقية اليوم، إلا أنه لم يكن هناك شيء ملائم لهذه الليلة. فما رأيك بالذهاب للسينما الليلة لنشاهد فيلم الملاح، الآفييتور، لمارتن سكورسيزي؟"

"فكرة صائبة" تجيبه إندرا، "كما أنه ينبغي علينا الإستعداد للغد، فكما تذكر هناك دعوة ليزا لنا للفسحة والعشاء بمنزلها" تكمل

"أنت على حق، أعتقد بأن غداً سيكون يوماً حافلاً" يرد سامي وهو يتوق ليوم غد




إنتهى الجزء الرابع والثلاثون
ويتبع في الجزء القادم

0 Comments:

Post a Comment

<< Home