Wednesday, December 28, 2005

رواية الدانوب الأحمر – الجزء السابع والثلاثون



هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية


الساعة تقترب من الخامسة مساءاً، والشمس تقترب من الغروب. تتوقف السيارتان في مواقف المجمع القريب من محطة ألت إرلا ويترجل الجميع ويتبعون إليزابيث نحو أحد المداخل. المجمع السكني ذو مظهر مختلف عن المجمعات الشققية الأخرى الواقعة في فيينا، فضخامته ولونه الرمادي الداكن كانا يعطيان شعور بالكآبة، كما أن المدخل كان يؤدي إلى متاهة من الممرات الأخرى قبل الوصول إلى المصاعد التي تتناوب المجموعة في إستعمالها للوصول لشقة إليزابيث في الطابق الثالث. عند الوصول للشقة فوجيء سامي بصغر حجمها، فقد إكتضت بعدد الزوار المتواجدين فيها

"هناك أماكن كافية لكل منكم لأن يعلق معطفه ويترك أمتعته، سواءاً عند المدخل أو الممر الملاصق له. أرجو من الكل أن يأخذ راحته، لقد أعددت كل شيء للعشاء باكراً، وليس هناك من شيء إلا تسخين الطعام وإعداد السلطة وقلي السمكة المخصصة للعشاء" تخاطبهم إليزابيث

تتجه إندرا لإليزابيث "سيدة زايلر، أود أن أشاركك في إعداد العشاء" تحدثها

"ناديني بإليزابيث ، أو ليزا يا عزيزتي، وعلى الرغم من أنه باستطاعتي العمل بمفردي إلا أنه من دواعي سروري أن تشاركيني العمل بالمطبخ" ترد عليها

ترغب الفتيات الأخريات في مشاركتهما والتوجه للمطبخ

"لا داعي لأن تتعبوا أنفسكن، علاوة على أن المطبخ صغير على أية حال" تخاطبهن ليزا مبتسمة

"سنتشارك جميعاً على مراحل إذاً" ترد عليها روزا لوبيز ضاحكةً

"كما تشائين يا عزيزتي، هل لك بأن تساعديني إذا بإحضار المكونات من الثلاجة؟ ستجدينها في الخارج في البلكونة" تطلب منها إليزابيث

تسترعي العبارة الأخيرة إنتباه سامي، فيبدو أن المطبخ صغير جداً لدرجة أنه لا مكان للثلاجة بداخله. يتذكر ضاحكاً مقطع من مسرحية كوميدية لعادل إمام!

"سأعد القهوة وآتي ببعض المشروبات لكم. يمكنكم التفرج على التلفزيون أو الإستماع للموسيقى، فلدي بعض التسجيلات المختلفة لعدد من المطربين بعدة لغات" تحدث إليزابيث الرجال من الرفقة

يتجه سامي ليعاين جهاز الستيريو، ثم يوجه حديثه لإليزابيث، "إن سمحت لي يا ليزا، ما رأيك بأن أشغل بعض التسجيلات من جهاز الآي-بود عبر الجهاز، فلدي الآلاف من التسجيلات المختلفة والتي تشمل أنماط موسيقية عديدة وبلغات عدة" ويخرج جهازه من حقيبته

"بالتأكيد يا سامي، ولكن كيف ستوصل الآي-بود بالستيريو؟" تسأله

يبتسم سامي وهو يفتح حقيبته، "لدي ما يفي بالغرض" يقول ذلك ويخرج سلك خاص يقوم بتثبيته بالستيريو

يقترب منه مصطفى شلبي "أحقيقة أن هناك آلاف من المقطوعات الموسيقية بهذا الجهاز؟" يستفسر مصطفى

"نعم" يرد سامي

"حقا؟ هل لديك أغاني مصرية ..." يسأله

قبل أن يكمل مصطفى كلامه يضغط سامي على عجلة الجهاز فتنطلق من السماعات مطلع أغنية "على قد الشوق" لعبد الحليم حافظ

يلتفت للمجموعة الذين إستوقفهم النمط الموسيقي الذي كان غريبا عنهم، "أتمنى أن تعجكم الأغنية الأولى، وسأترك مصطفى يحدثكم عن كلماتها ومغنيها الراحل" يحدثهم

يبتسم لمصطفى ويتجه نحو المطبخ، حيث الفتيات كن مشغولات بتجهيز العشاء

"عفواً يا ليزا، أيمكنني إستخدام دورة المياه؟" يسألها

"بالتأكيد ياعزيزي سامي، ستجدها بآخر الممر" تحدثه وهي ترتدي المريلة ومنهمكة بتقطيع الخضار للسلطة

"شكرا لك!" يشكرها

+++++

يخرج سامي من الحمام، فيلمح مجموعة من البراويز على الحائط المقابل تحتوي على مجموعة من الصور. يتجه نحو الحائط و يبدأ بتفحص الصور

بعض الصور كانت باللونين الأبيض والأسود وأخرى كانت بالألوان. أغلب الصور كانت تضم إليزابيث، والتي بدت بمراحل مختلفة من حياتها. بعض الصور القديمة كانت تبدو قديمة، ولأشخاص خمن أن يكونوا أفراد من عائلة إليزابيث ووالديها. إسترعى إنتباهه ببعض الصور التي كانت إليزابيث تبدو فيها وجود فتاه بمراحل عمرية مختلفة. لاحظ أن الفتاة تحمل كثيرا من سمات إليزابيث. يتتبع الصور ويلاحظ أن أخر صورة تجمع الفتاة مع إليزابيث كانت الفتاة تبدو فيها بسن المراهقة، ولكن إليزابيث كانت تبدو أصغر سناً من الوقت الحاضر. هناك صور أخرى للفتاة بعمر متقدم، كانت تبدو فيها منفردة

من تكون هذه الفتاة؟ ولماذا لا توجد صور حديثة لها مع إليزابيث؟ يتساءل مع نفسه

"يبدو أنك من محبي الوحده!" يأته الصوت من الخلف

يلتفت سامي فيري يولا واقفا خلفه، فيبتسم له، "إني آسف، فقد كنت على وشك أن أنظم إليكم" يرد عليه

يقترب منه يولا ويقف على يساره ويبدأ بتأمل الصور معه

"هل لي بأن أسألك شيئاً؟" يبادره سامي وهو يشير للصور

"بالتأكيد" يرد عليه يولا

"هذه الفتاة التي تشارك إليزابيث ببعض الصور، أهي إبنتها؟" يسأله ويهز يولا رأسه بالإيجاب

"وأين هي الآن؟" يسأله

يهز يولا رأسه، "إنها قصة طويلة" يرد عليه يولا بلهجة تخلو من الحماس، "كما إني لم أقابلها قط، فقد كان ذلك منذ فترة طويلة وقبل أن آتي للعمل بالوكالة وأتعرف على ليزا" يضيف

يعاود سامي النظر للصور. يركز على الصورة التي تبدو فيها الفتاة بعمر متقدم. كانت تحمل الكثير من ملامح والدتها. يحاول ذهنياً تخمين الزمن الذي أخذت فيه تلك الصورة

في الخلفية يصدح صوت خوليو إغليسياس بالغناء. فلقد وضع الآي-بود على وضعية الإنتقاء العشوائي للموسيقى

"أعتقد أنه علينا معاودة مشاركة الزملاء" يحدثه يولا

"فعلاً، بالطبع" يرد عليه سامي

+++++

على العشاء، فضل سامي تناول الخضروات مع السلطة حيث أنه لا يحب تناول السمك، وداعبته ليزا بأنه يضيع متعة عظيمة في قراره هذا. أثناء العشاء كان الحديث يدور حول مواضيع شتى، وإن كان أغلبها يتعلق بالمتدربين وكيف يقضون أوقاتهم في فيينا. كان سامي جالساً على الطاولة المكتضة مقابلا إندرا، التي لم تنفك عن مبادلته النظرات طوال الليلة

بعد العشاء، قام البعض برفع الأطباق و بسرعة أحضرت القهوة وكعكة كان يولا قد جلبها معه منذ الصباح

"أنتم على وشك التمتع بتراث نمساوي عريق، وهذه فرصة لمن لم يتذوق هذا النوع من الكعك إلى الآن، فهي ألذ كعكة شوكولاته على الإطلاق" تحدثهم ليزا وهي تضع الكعكة على الطاولة

يعود تاريخ الساخرتورته إلى الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من إختلاف طرق تصنيعها، إلا أنها تتكون من طبقات من الكعك الإسفنجي المحلى بالشكولاته، بينها طبقات غنية من حلوى مربى المشمش، وتغطي الكعكة طبقة سميكة من الشكولاته الغنية

تبدأ ليزا بقطع وتقديم قطع الكعكة، وتضيف لكل منها بعض من الكريما المخفوقة. وبالفعل أبدى الجميع إعجابهم بلذة وحلاوة الكعكة

"إن تجولتم بفيينا ستجدون الكثير من المقاهي والمخابز التي تقدم هذا النوع من الكعك، والبعض منهم يقدمها بعلب فاخرة تشبة علب المجوهرات" يعلق يولا

"ينظر سامي نحو المائدة لإندرا وهي تتناول القهوة. يوميء لها بإشارة تفهم معناها بالحال، في المرة القادمة عندما نذهب للتجول بمقاهي المدينة، علينا أن نتناول هذا النوع من الكعك

+++++

بنهاية الليلة يودع الجميع إليزابيث ويولا على الرحلة الممتعة، ويعرض يولا عليهم توصيلهم بالسارة إلى مقار سكنهم، فيقبل البعض دعوته

يرافق سامي إندرا إلى محطة القطار

"ولكن لا داعي لأن تتعب نفسك، سأنزل في محطة ترايسنغاسه بينما تكمل أنت طريقك" تحدثه إندرا

"لا مشكلة على الإطلاق يا إندرا، سأرافقك لمحل سكناك ثم أعود لأخذ القطار لسكني" يرد عليها

كان القطار شبه خالي، فجلسا في المقاعد الوسطى التي كان يفضلها سامي لبعدها عن المقاعد التي تقع في أطراف العربات، حيث أن تلك المقاعد مخصصة للركاب الذين يصطحبون كلابهم معهم

تفتح إندرا حقيبتها لتخرج الكاميرا التي أعطاها إياها صباحاً وتردها له

"شكراً لك يا سامي، ولكن كل ما أتمناه أن تكون الصور التي إلتقطتها جيدة" تبتسم

"إني واثق بأنها ستكون كذلك يا إندرا. سآخذ الأفلام التي إلتقطناها لمحل التصوير المجاور من مسكني بعد يوم غد، فيوم الإثنين طويل ولا مجال للتسوق بعد عودتنا من المختبرات" يرد سامي

قبل أن تغلق إندرا حقيبتها، تخرج كاميرتها الرقمية "أتعلم، بعد هذه الأيام معاً، فإلى الآن ليس لدي صورة لك! أيمكنني على الأقل أن ألتقط لك صورة الآن؟" تخاطبه

"بكل تأكيد!" يقوم من مكانه بجوارها ويجلس على المقعد المقابل ليتسنى لها إلتقاط الصورة

"والآن إعطيني الكاميرا لأخذ صورة لك هنا!" تمد له يدها ويأخذ الكاميرا منها، يبدأ بالتعرف على طريقة عملها قبل أن يرفعها أمامه ليأخذ الصورة

"إبتسمي!" يقول لها قبل أن يضغط الزر ليشتعل الفلاش. ينظر للصورة المأخوذة، فيكتشف أنها عيناها كانتا شبه مغمضتين

"إني أسف يا إندرا، على أخذ الصورة مرة أخري لأنك لم تكوني متأهبة تماما. دعيني أمحي هذه الصورة أولاً. فعلى الأقل هذه أحدى محاسن التصوير الرقمي" يبدأ بالضغط على أزرة الكاميرا بحثا عن قائمة إمكانية المسح، ثم يبحث عن الصورة الأخيرة إلا أنه قد بدأ بصور قديمة. أخذ بالضغط السريع ليصل للصورة الأخيرة إلا أنه قد لاحظ شيئا إسترعى إنتباهه

الأمر قد إستغرق فترة لا تتعدى الثانية، إلا أن ما رآه كان كافيا. ولكن لماذا أخذت مثل هذه الصور؟ وما القصد؟ أفكار بدأت تشغل فكره

يتمالك نفسه من أن يظهر أي ردة فعل على ما رآه. فيتظاهر بأنه يواجه صعوبة في التعرف على طريقة عمل الكاميرا

"إنني لست ملماً بكيفية عمل هذه الكاميرا يا إندرا، فكيف يمكنني محو آخر صورة؟" يتقدم نحوها ويناولها الكاميرا، فتضحك "لا داعي لأن تمحوها، سأقوم بمحوها بعد أن أنزلها لجهاز الكمبيوتر" ترد عليه

يهز رأسه بالإيجاب فيلتقط لها صورة أخرى. إلا أن السؤال لازال يدور في رأسه. يعاود الجلوس بجوارها

"حسناً، ما رأيك بأن نأخذ صورة أخرى، ولكن هذه المرة نظهر فيها كلانا؟" يقترب منها حتى يلتصق كتفيهما معا وهو يحمل الكاميرا على أقصى إمتداد ليده ليأخذ الصورة. يعاينا الصورة فتعجبهما

ينطلق القطار في طريقه

+++++

" ها قد وصلنا لمسكني. ...، لقد كان يوماً ممتعاً، بل عطلة نهاية إسبوع رائعة لم أكن أتخيلها" تحدثه

"نعم، لقد إستمتعت بها وخصوصاَ بصحبتك" يرد وهو يهز رأسه موافقاً

"حسناً إذا، هل تود أن تصعد معي، أستطيع أن أعد لك مشروبا ساخنا قبل أن تتوجه لمسكنك؟" تحدثه

ينظر لساعته قبل أن يرد، "شكراً لك يا إندرا، ولكن على الذهاب الآن لأتمكن لي الإستيقاظ باكراً. لكني أعدك بتلبية دعوتك في المرة القادمة!" يرد

"حسناً إذا، طابت ليلتك وسأراك غداً" تقول له بشيء من خيبة الأمل

"خلال بضعة ساعات سنلتقي مرة أخرى يا إندرا. طابت ليلتك الآن" يرد مبتسماً

تلتفت لتفتح الباب، فيبدأ سامي بالتوجه ثانية نحو محطة القطار . يمشي بعض الخطوات

"سامي!" يسمع صوتها خلفه، فيستدير لها

تقترب من بخطى سريعة حتى تقف أمامه، تنظر إليه ملياً قبل أن تخاطبه

"لقد كان فعلا أسبوعاً ممتعاً" تقترب منه وتطبع قبلة على خده

"لقد كانت أيام سعيدة بالنسبة لي أيضا يا إندرا!" يجيبها وهو يمسح بيده على وجهها

يا إلهي لكم أبدو واضحة. تحدث إندرا نفسها. وكأنني فتاة مراهقة تواقة لفقدان عذريتها. لا أصدق ما يجري، أنا فعلاً استطيع الوقوع في حبه، ولكن هل يميل نحوي كما أميل نحوه؟ لم لم يرغب بالصعود معي؟ يا إلهي ما هذه الحيرة


تهز رأسها والذى كان يشع بإبتسامتها العذبة على رده، قبل أن تتوجه لباب السكن. تلتفت إليه مرة أخيرة فيحييها بيده، قبل أن تدخل ويغلق الباب خلفها

يعاود السير إلي المحطة، وبباله يعاود السؤال، ما هي الغاية من تلك الصور؟
يبدأ بالصفير وهو يفكر. كان يصفر نغمة فيلم الرجل الثالث

*** نهاية الأسبوع الأول ***

إنتهى الجزء السابع والثلاثون
ويتبع في الجزء القادم قريباً


2 Comments:

Blogger الأجنحة المتكسرة said...

شوقتني لمعرفة ماذا رأى في تلك الصور ، ألف قصة تدور في رأسي ، بإنتظار الإسبوع الثاني :)

1:05 PM  
Blogger esetch said...

الله يعينا على الإسبوع الثاني

سامي راح يكون ... لا ما راح أقول، لابد من المتابعة


أجنحة شكراً على المتابعة

11:10 AM  

Post a Comment

<< Home