Saturday, February 03, 2007

رواية الدانوب الأحمر – الجزء الثامن والأربعون


هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية

كان الجو منعشاً صباح الأربعاء في مختبرات الوكالة بسايبرسدورف . يدخلان للمختبر، حيث تضع إندرا حقيبتها على طاولتها، ثم تهم بتعليق معطفها وقبعتها على علاقة الملابس، " لا توجد أحجية جديدة اليوم من إينزيو ؟" تشير للوحة

"في الحقيقة لقد لاحظت ذلك، لقد كان مقلاً بتقديم الألغاز مؤخراً" يرد عليها سامي

يأتيهما الرد من الناحية الأخرى من المختبر

"لا أعتقد أن إينزيو يجد وقتاً هذه الأيام للألغاز والأحاجي التي إعتاد على تقديمها، فهو والطاقم العلمي بالمختبر مشغولون كثيراً هذه الأيام. إنهم يعدون تقرير فني مهم لتسليمه لإدارة الوكالة قبل نهاية هذا الأسبوع" يجيبهم يولا ضاحكاً وهو يستعد لإرتداء معطف المختبر الأبيض

"تقرير فنى !!! ما هذا التقرير الذي يشغل إينزيو عن إحدى متعاته؟" تستفسر إندرا من يولا

" كل ما أعلمه، أنه تقرير يتعلق بعينات بيئية من أحد المناطق التي قام طاقم من مفتشين الوكالة بزيارتها مؤخراً" يرد عليها يولا بإختصار وكأنه لايود الإسترسال في الحديث

+++++

في مكان آخر بالمعمل، وبالتحديد في مكتب إينزيو والذي كان مكتظاً بالجالسين في هذه اللحظة

"الوقت يمضي يا سادة ولازال لدينا العديد لننجزه من أجل إكمال التقرير" تحثهم إليزابيث زايلر على المضي في العمل

"حسناً، الموقع AE-35، لنبدأ بالعينة السطحية، محتويات العناصر حسب قياسات الألفا هي كالتالي ..." تسترسل إليزابيث بسرد أرقام مهينة

كان كل فرد من الطاقم العلمي بمختبرات الوكالة ممسكاً بملف يحتوي على النتائج الخاصة بالقياسات، كل حسب الأسلوب الخاص به. وكان الجميع يشرفون على تناسق رص نتائج القياسات المختلفة لكل عينة بيئية لتبيان محتويات العناصر المشعة المختلفة والتي قيست حسب الوسائط المختلفة من مقاييس الألفا والبيتا والغاما. كان إينزيو مسؤلاً على فحص سلامة تلخيص النتائج في الجداول المعدة مع التقرير، فكان يسأل كل مختص عن قياساته ويقارنها بالقيم الموضوعة بالجدول

"كثافة البلوتونيوم حسب قياسات البيتا بإستخدام العداد الرنيني للمحاليل هي كالتالي ..." يتلو كيم القيم التي تم قياسها للعينة

"مهلاً"، يقاطعه بول ويراب" أمتأكد أنت من أنك تتلو الأرقام لنفس الموقع؟ فهذه الكثافة للتتطابق مع قياسات الغاما لهذه العينة". يميل بول نحو كيم، والذي يدفع نحوه بالملف المحتوى على قائمة النتائج

كان سطح المكتب مزدحما بالأوراق والملفات وبعض من الأحاجي والتي كان إينزيو مغرماً بجمعها وعرضها على مكتبه

"دعني أري ... أين النتيجة التي ذكرتها"، يجر بول الملف من أمام كيم نحوه بشدة مما أدى لإصطدام طرف الملف بأحد الأحاجي على طرف الطاولة، وهي منصوبة قطع البينتومينوز، الأمر الذي أدي لسقوط القطع والتي كانت منسقة بشكل مستطيل من على الطاولة

"المعذرة يا إينزيو ، لم أقصد أن أفعل ذلك و أفسد ترتيبك للأحجية" يبادر بول بالحديث معتذراً من إينزيو ، إلا أن الأخير يشير له بأن الآمر لا يستدعي الإعتذار

"لا عليك يا صديقي" يرد عليه إينزيو وهو يميل ناحية الأرض ملتقطاً قطع البينتومينوز بيمينه ويضعها على الطاولة برتابة سرعان ما أوضحت بأنه يرتب القطع الإثنا عشر من ذاكرته حسب أحد الحلين المتوفرين لترتيب الأحجية لخلق مستطيل ذو أضلاع تعادل20 × 3 وحدة مكعبة، بينما يلتقط القلم بيده الأخرى ويعود للجدول متتبعاً القراءة للقيمة التي توقفوا عندها

"العينة السطحية من الموقع، أمتفقون أنتم على سلامة القياسات المختلفة حسب ما سننشره في الجدول النهائي؟" يسألهم إينزيو

يجيب الحاضرين بالإيجاب

"حسناً، لنتابع مع العينة التالية" ينظر لساعته ويتابع، "علينا الإنتهاء من تبيان سلامة الجداول اليوم حتى لانتأخر بتقديم التقرير، فقد وَعَدت غابي إدارة الوكالة بأن التقرير سيكون جاهزاً لديهم يوم الجمعة" يحدثهم

"هيا يا زملائي، فلا تنسوا أن بعضنا ملتزم بمواعيد أخرى نهاية هذا الاسبوع"، يعلق بوريس ماركوف مبتسماً

ينتقل الجميع للعينة التالية على الجدول

+++++

في مكان آخر في أوروبا

"أمتأكد أنت مما تقول؟" يسأله

ينظر الدكتور هاوس للرجل الواقف أمامه ملياً قبل أن يجيب "نعم يا سيدي، إن جسمها ضعيف جداً، وذلك يعود لطبيعة مرضها أولاً، وأيضا لإنخفاض قابليتها لمقاومة الإنهيارات الجسمانية نتيجة لسمية عقاقير العلاج الكيميائي مثل الدوكسوروبيسين والآيفوسفمايد وغيرهما، مع الأسف لم تكن العقاقير فعالة وتأثيرهما الآن هو ..." يتوقف قليلا قبل أن يكمل

"يجب أن تعلم يا سيدي إننا نتقبل عادة ضرر مثل هذه العقاقير في مقابل علاج المريض، إلا أننا في حالة زوجتك كنا نواجه حالة متطورة من المرض وتزاوج الأورام مع المفعول الهدام للأدوية قد أدى إلي تلف في بعض وظائف جسمها الحيوية... يتوقف الدكتور هاوس عن الكلام معطياً الفرصة للزوج لتقبل ما يود أن يوصله إليه

ينتظر قليلا ثم يهز رأسه مكملاً "إني شديد الأسف يا سيدي، ولكن أعضاء جسدها قد بدأت بالتوقف فعلا، وسرعان ما ... كل ما أود قوله هو على الأقل إنها لم تعد تشعر بما حولها، حينما تأتي لحظة النهاية ، فلن تعاني من آية آلام" يبدو الإضطراب على وجه الدكتور هاوس. فطوال مهنته لم يستطع التغلب على لحظات الحقيقة مع أقارب مرضاه الذين لم يعد لهم أمل بالإستمرار بالحياة

+++++

ينظر سامي لساعته، الوقت شارف على العشرون دقيقة بعد الثانية عشر ظهرا. لقد تأخرت إندرا في القدوم لغرفة المتدربين حيث كان ينتظرها لكي يذهبا للكافتيريا لتناول الغداء. كان يمضي الوقت بتصفح الإنترنت

عندما شعر بتأخرها قرر أن يذهب للمختبر للبحث عنها، حيث كانت مهامها لهذا اليوم مختلفة عن جدول عمله

يسرع سامي خطاه في ممرات المختبر والتي كانت خالية لإنشغال الجميع بالغداء أو بالراحة في مكاتبهم، وعلى عجالة يأخذ مدخلاً لممر ناحية اليسار بإتجاه المختبر إلا أنه يفاجأ بشخص ضخم أمامه كاد أن يرتطم به. يتوقف الإثنان ويبتسم سامي معتذراً لموظف الأمن جوزف هاغنهوفر أو بيغ جو كما يناديه موظفو المختبرات، يضحك الأخير ويفسح له الطريق فيشكره سامي ويتوجه نحو المختبر. يتوقف قليلا ويفتح الباب بهدوء.

+++++

"آه، كيم ... كنت ابحث عنك يا صديقي" يبدأ هنري ستيفنسون الكلام بقهقهته التي إعتاد على تصنعها، "أمستعد أنت للذهاب للغداء؟" يسأل

"نعم يا هنري، وإني آسف لتأخري بالإجتماع" يرد عليه كيم

"علمت أنكم مشغولون بتقرير مهم لتقديمه لإدارة الوكالة قبل نهاية هذا الإسبوع" يحدثه هنري

"نعم" يجيبه كيم "علينا الإنتهاء من وضع ملخص للنتائج التي توصلت لها المختبرات في قياسات عينات بيئية" يجيبه

"من أي المناطق أتت هذه العينات؟" يسأله هنري ضاحكاً. لا تقل لي إنها من ناحية جيرانكم من الشمال!" قاصداً كورياً الشمالية

"لا، بل إنها عينات من الشرق الأوسط" يجيبه كيم

"أتعني بأنها عينات من إيران؟" يسأله هنري

"نعم" يجيب كيم

"ذلك كان تخميني الثاني" يجيب هنري ضاحكاً

+++++

"إنه لازال مصراً على الحصول مبالغ إضافية لكي يسكت. إنه لا زال يهدد بأنه سيكشف ما قام به إن لم نحقق له مايريد" يحدِث أناتولي والحسرة بنبرة صوته وجل ما يخشاه هو ما يعتقد ما سيقوله أناتولي

"حسناً إذا، علينا المضي بنا إتفقنا عليه. وعلى كل حال فدوره قد إنتهى، او سينتهي حالما تسلم النتائج الفنية لإدارة الوكالة، وهذا ماسيحدث قبل نهاية هذا الاسبوع، أليس كذلك؟" يرد عليه أناتولي

"نعم، ولكنه مصر على ان ننفذ مطالبه سريعاً" يأتيه الرد

"حسناً إذا، أخبره أنني سأناقشه بالأمر شخصياً" يرد أناتولي آملاً أن يحصل على المزيد من الوقت

"أوتعني أنك ستتصل به؟" يسأله

"سأتحدث معه، نعم" يجيبه

"ومتى تنوى عمل ذلك؟" يسأله

"لا موعد محدد لذلك. كل ما عليك الآن فعله هو أن تخبره بأنني سأحدثه بشأن ما يطلب قريباً يرد

"هل ستطلب منه القدوم لمكان معين للقائك؟" يسأله

"لا" يرد أناتولي بجفاء. "قل له بأنني سأقوم بالإتصال به لتحديد مكان اللقاء. ولكي يتعرف علي أبلغه بكلمة السر التالية" ويردد أناتولي الكلام على مسامعه

+++++

في مساء ذلك اليوم، كان سامي جالساً في القطار متجهاً للقاء إندرا كما إعتاد. إلا أن فكره كان مشغولاً بما شاهده ظهر ذلك اليوم

لقد قام بزيارة محل التصوير حال وصوله من المختبر، وإستلم شرائح الصور التي إلتقطاها معاً في عطلة نهاية الأسبوع الفائت ومعها كان قرص مدمج يحتوى على نسخ رقمية من الصور كما أوصى موظفة المحل بالأمس. سيشاهد مع إندرا الصور على شاشة جهازه المحمول

إنه لا يستطيع كبت مشاعره وإنه يقضي وقتاً جميلاً معها، إلا أن ما شاهده اليوم يدعوه للتساؤل والحيرة

يتذكر مساء يوم الأحد حينما كانا في القطار سويا بعد عودتهما من زيارة إليزابيث مع باقي الزملاء، حين طلبت منه إندرا أخذ صورة له. على شاشة الكاميرا الرقمية شاهد مجموعة من الصور السابقة، وعلى الرغم من قصر الوقت فقد كان محتواها مألوفا

لقد بدت كصوراً لمحتويات كراسة العمل بالمختبر، والمدون بها عادة نتائج القياسات المختلفة. مثل هذه النتائج لا يسمح للمتدربين والملتحقين بدورات الزمالة أخذها لخارج أماكن العمل وذلك حسب الإتفاق المسبق للإلتحاق بالدورات وورقة الإلتزام بسرية التعامل مع جزئيات العمل بالوكالة والتي يوقعها جميع الملتحقون قبل تسلمهم للمهمات التي قدموا للإلتحاق بالوكالة من أجلها

يعود بذاكرته لظهر ذلك اليوم، بعد أن أوشك على الإصطدام بـبيغ جو في الممر، أخذ يسير بتمهل نحو المختبر. حال ما وصل توقف قليلا ليلتقط أنفاسه ثم فتح الباب بهدوء دون الطرق عليه. دخل المختبر فلم يشاهد إندرا على طاولة العمل، إلتفت يمينا ثم يساراً، فشاهدها تقف أمام النافذة وظهرها للباب. كان يبدو عليها وكأنها تحمل شيئا بيديها على مستوى صدرها، فقدم بهدوء نحوها دون أن يصدر أية صوت حتى تمكن من مشاهدة ما تفعله. على إفريز النافذة كانت إحدى كراسات المختبر مفتوحة على إحدى الصفحات التي كانت إندرا تصورها بكاميرتها الرقمية. ما رآه كان كافياً ليثبت ما شاهده قبل أيام قليلة

بكل هدوء رجع سامي لمدخل المختبر وأغلق الباب دون أن يصدر منه أية صوت. إنتظر للحظات ثم نقر باب المختبر بقوة عدة مرات قبل أن يفتح الباب لينادي عليها "إندرا؟ أأنت هنا؟" ينادي بصوت مبتهج حتى يخفي عنها شعوره بالمفاجأة بما رأى

ينظر لها ناحية اليسار، فيبدو عليها العجالة في ردة فعلها رغم الإبتسامة على وجهها. شاهدها تضع يدها اليمنى بمعطف المختبر الأبيض وكأنها تخفي شيئا ... كاميرتها الرقمية. بيدها اليسرى كانت تحمل كراسة المختبر من غلافها وكأنها قد سارعت بحمله للتو. تسارعه بالحديث بطريقة من يريد أن يخفي شيئاً

"إني آسفة يا سامي، لقد أخذني العمل دون أن أنتبه للوقت" تنظر لساعتها والتي كانت معلقة بحزام معطف المختبر من الناحية اليسرى كما إعتادت أن تفعل، "أعطني بضعة ثوان لأعلق معطفي وأرجع هذه الكراسة مكانها. سآخذ حقيبتي وألحق بك سريعاً" تتجه سريعاً لأخذ حقيبتها

يبتسم لها سامي ويخرج من المختبر بخطوات متباطئة. لم يبدو عليها أنها قد أحست بقدومه أو بأنه قد شاهدها تلتقط الصور لكراسة المختبر. وخلال لحظات خرجت من المختبر ليذهبا معا للكافيتريا

يتوقف القطار في محطة ترايسنغاسه، حيث يترجل سامي من العربة ليخرج من المحطة في طريقه لشقة إندرا

يعود للتساؤل عن هدف إندرا وما تفعله بنتائج المختبرات التي تصورها. تتصادم الأفكار في رأسه الأمر الذي بدأ يسبب له الصداع والأهم من ذلك الحيرة في فكرة. إلا أنه على يقين من أن المواجهة معها شر لا بد منه

إنتهى الجزء الثامن والأربعون
ويتبع في الجزء القادم

0 Comments:

Post a Comment

<< Home