Sunday, November 26, 2006

رواية الدانوب الأحمر – الجزء السابع والأربعون

هذه الرواية خيالية. جميع الشخصيات فيها من وحي خيال الكاتب ولكنها قد تحتوي على شخصيات حقيقية تم إدخالها بالرواية من أجل الحبكة الدرامية

كان الطقس في ليلة الثلاثاء بارداً الأمر الذي إستغله أهل فيينا للإكتظاظ داخل المقاهي. ولم يكن الأمر مختلفاً داخل مجمع الميلينيوم سيتي حيث الزحام. أخذ تجوال سامي بالمجمع الوقت الغير قليل ولكن هذا تعلمه. التأني في أوقات معينة والسرعة في أوقات أخرى. "لا تتسرع في الحكم على الأشياء. خذ وقتك الكافي في دراسة الأمور من أغلب إن لم يكن من جميع النواحي" يتردد كلام معلمه في ذهنه. "ولكن ألا نحتاج إلى إتخاذ قرارات سريعة في بعض الأحيان؟" يتذكر سامي الجدل ذاك في تلك اللحظة. ولكن الرد الواضح هو أن بالممارسة، يستطيع الشخص التخلص من التردد وحساب الخطوة الصحيحة المتعقلة بسرعة أثناء ضيق الوقت

يتوقف سامي أمام محل الساتورن المتخصص بالأدوات الكهربائية والإلكترونية والذي زارة مع إندرا قبل أسبوع. الساعة تقارب السابعة، والمحل سيغلق بعد حوالي النصف ساعة. قبل أن يأتي للتسوق هنا قام بزيارة سريعة لمحل التصوير المجاور لفندقه ليطلب تحميض الأفلام التي إلتقطاها في عطلة الأسبوع الفائت، وكعادته مع التعامل مع الصور، فقد طلب من موظفة المحل بأن يتم تحميض الفلم وتحويل الصور إلى شرائح ووضعها على إطارات العرض، إضافة لمسح الصور رقمياً وتخزينها على قرص مدمج، فوعدته بأن يكون طلبه جاهزاً للتسليم في الوقت غداً

يفكر سامي لنفسه. "أما زلت دقة قديمة" كما يقول المصريون. هل حقاً التصوير المبلل، من تحميض ومواد كيماوية أصبح شيء من الماضي. ولم لا كل شيء يتطور من حولنا

يندفع سامي داخل محل الساتورن تلقائياً وكأن مغناطيس جذب بشري يسحبه رغماً عن أنفه. لقد كان بباله شراء أقراص الدي-في-دي. ربما كان هذا هو الأمر. ففي عقله الباطن، هو بحاجة لهذه الأقراص. بعد أن تجول سريعاً في ركن التصوير في الطابق السفلي، إستقل السلم المتحرك للطابق العلوي حيث تعرض أجهزة الكمبيوتر ومستلزماتها، بالإضافة إلى البرمجيات والتسجيلات المسموعة والمرئية. حال وصوله للطابق للأعلى لفتت إنتباهه كومة من علب خضراء وضعت بشكل واضح للفت إنتباه الزبائن من على يمين السلم وبدا تجمهر لبعض المتسوقين حولها، فإقترب منهم سامي مستطلعاً الأمر

"آه!" يفكر سامي في نفسه ... إذاً فقد أصبح متوفر هنا الآن ، يا لحسن الحظ! يلتقط سامي احد العلب الخضراء وأخذ بمعاينتها. الثمن 149 يورو. بدون تردد يضع سامي العلبة في سلة تسوقه ويتبعها بعلبة أخرى. الهدايا متنوعة، ولكن هذه ستكون مميزة، يفكر مع نفسه مبتسماً

+++++

كان الجو صاخباً من حوله. فالإثنان بجانبه يتناقشان بالإجراءات والطرق الممكنه والبديلة للعملية. ولكن على الرغم من ذلك يتابع فاسيلي عمله مع التركيز على ما بين يديه. لقد أكد له أناتولي أن المعلومات التي يزرعها في الجهاز المحمول قد تم أخذها من جهاز العمل للشخص الذي ينوون عقابه، وهو الجهاز الخاص به ولا يملك غيره. اللعنة، يفكر مع نفسه، كم هو بخيل ورخيص هذا التعس. لا بد وأنه يتلقى الكثير من الأموال لقاء ما يقوم به، على الأقل هذا ما عرفته من أناتولي، وبرغم ذلك، فالجهاز قديم نوعاً ما والحصول على جهاز شبيه تطلب منه بعض الوقت من التسوق في محلات موسكو للخردوات التي تباع بأضعاف قيمتها الفعلية

وبعد مدة، ينظر للجالسين بقربه ويرفع يده بإستحياء محاولاً لفت أنظارهما نحوه، فيتوقف الأثنين عن الجدال

"حسناً، جهاز الكمبيوتر الآن جاهز تماماً وهو يحتوي على معلومات مماثلة لجهازه في مكان العمل، بالإضافة للمعلومات الأخرى التي دسسناها بداخله. بالمناسبة، لقد أضفت صور الأماكن والمنازل التي وجدناها بداخل ملفاته كما أوصيتني، وكل ما علينا فعله الآن هو إنتظار التحديث الذي سيأتي به صديقك لاحقاً هذا الأسبوع". يشير فاسيلي للشخص الجالس بجوار أناتولي، والذي كانت تبدو عليه علامات التوتر وشيء من الغضب، والذي يعاود التحدث بحدة، "ولكننا لم نتفق على شيء كهذا. ألا يمكننا تهديدة بطرق أخرى؟" يستفسر

"وهل تعتقد بأنه سيستمع لنا مرة أخرى؟ لقد قرر ما في ذهنه ولن يتراجع. ردنا سيكون بسيطاً بقدر كونه حازماً وقاسياً. لا يمكننا أن نترك أي من كان يعتقد أن بإمكانه تهديدنا أو حتى محاولة إبتزازنا" يرد عليه أناتولي بصرامة

يقاطعه الآخر، "ولكنه ليس وحيداً، مثلاً ماذا سيكون موقف الآخرين إن قمت بما تنوي فعله مع ..." ولا يكمل جملته

يصرخ أناتولي بجفاء، "لا تقاطعني وانا أتحدث! إن كان يقلقك أمر أي منهم فإنك تعلم ما يمكننا أن نفعله بالآخرين ... وبك أنت أيضاً" يرى أناتولي علامات الرهبة على وجه صاحبه فيحاول التخفيف من حدة الحديث وطمأنة الشخص في نفس اللحظة

"إسمع يا صديقي، أنا وأنت وغيرنا، أجزاء مهمة في منظمة كبيرة. هناك أدوار محددة لكل منا مطلوب أن نؤديها كل حسب عمله والخطة الموضوعة. والمكافأة دوماً كانت سخية للجميع دون طمع. والطمع ضر لن ينفع بل يجلب الويلات على صاحبه وخصوصاً في مجال عملنا حيث لا مكان للأخطاء والعمل الفردي والتهور

وصديقنا المشترك أصبح وغداً جشع وعلينا التعامل مع ذلك كي لا نعطى أفكار للآخرين قد يحذون حذوة الآن أو مستقبلاً. ومهمتنا الآن هي التعامل مع هذا الشخص، أما الآخرين فهم مسؤولية زملاء آخرين في المنظمة" ينهي أناتولي حديثه

في وسط هذا الجو المشوب بالغضب وعدم الثقة والرهبة، يتنحنح فاسيلي ليلفت إنتباه كل منهما له مرة أخرى ليكمل باقي حديثه

"يا سادة، دعونا نعود لموضوعنا. بالإضافة لجهاز الكمبيوتر المحمول، هناك الهاتف النقال. سنستخدم أحد الخطوط المسبقة الدفع والتي كان أحد عملاء المنظمة يستخدمه للإتصال في شؤون أعمالنا مع عملاء لنا في دول الإتحاد الأوروبي وخاصة في سويسرا، حيث البنك الذي وضعنا فيه الحساب المزعوم بعد أن أخليناه تقريباً من كل ما يحتويه. وبالطبع لن يستطيع أي شخص تتبع ملكية هذا الرقم. ومن سيتفحص ذلك الحساب سيخال له بأنه يستخدم من قبل شخص يقوم بالإتجار بـ ..." ودون أن يكمل فاسيلي حديثه

"نعم، نعم. هذه هي الفكرة يا فاسيلي. عظيم جداً" يرد عليه أناتولي

+++++

ترفع الممرضة أنظارها من شاشات أجهزة المراقبة "أظن بأن حالتها قد عادت للإستقرار يا دكتور" تخاطب الدكتور هاوس

"هذا إن كان بالإمكان وصف حالتها بانها مستقرة" يرد عليها الدكتور هاوس والذي كان واقفا متكئاً على عكازه

"ألا يجب علينا إخطار زوجها؟" تسأله

"لا، دعيه يستريح بعض الشيء. لقد طلبت منه أن يتناول بعض الطعام ويستريح قليلاً، وبالفعل شاهدته يحاول النوم على إحدى كراسي الكافيتيريا. لا فائدة من إقلاق راحته لنخبره بما نعرف أنه سيحدث" يرد عليها الدكتور هاوس ويكمل في مخيلته، فما حدث سيتكرر ملياً من الآن وحتى تنتهي حياة هذه المسكينة

+++++

في مكان آخر وبالتحديد في حانة فلانغان الإيرلندية، حيث كانت موسيقى فرقة التشيفتانز تصدح من خلال السماعات لمرتادي الحانة المزدحمة

"لم أكن أعلم أنك لم تجرب هذا النوع من الشراب من قبل ياصديقي العزيز" يعلق هنري ستيفنسون، "أنت تعلم بأن السر في هذا النوع من الجعة الغنية في أنها تقدم للشرب من البراميل مباشرة، دون فلترة أو بسترة" يكمل

في هذه الأثناء تقدم لهم نادلة الحانة كأسين من الشراب، يبدأ كيم بتناول أحدهما ولكن هنري يستوقفه

"لحظة ياصديقي، عليك أولا بتفحص الكأس لتبيان صفاء المشروب، فلونه الداكن قد يجعل المبتدئين بتناول مثل هذه الجعة يقعون في خطأ شائع" يأخذ هنري القدح ويوجهه ناحية مصدر للضوء معلق على الجدار المواجه لهم

"عليك بتفحص الشراب بحثاً عن العوالق. فعدم تعرض هذا النوع من البيرة للفلترة قد يجعلك تتناول بعضا من بقايا الخميرة والتي تتعايش مع مستوى الكحول في السائل مع الشراب، هذا إن لم يكن النادل حريصاً في تعامله مع المشروب المخزن وأيضاً أثناء ضخه للبيرة للتقديم للزبون" يشرح هنري

"أتعني أننا نشرب الخميرة مع الجعة؟" يسأله كيم

"لا ياكيم، فإن هذا غير مستساغ. ولكن لضمان عدم وصول أية من شوائب الخميرة، يضاف ما يعرف بمادة الفينينغز للبرميل وهي تعمل على ترسيب الزوائد من محتوى الخميرة، ولكن يجب على النادل ان يتوقف عن تقديم البيرة من براميل ذات محتوى متدني من الشراب لضمان عدم تقديم جعة تغلب عليها الحموضة. يمكننا تقدير ذلك عن طريق النظر، فإن شاهدت شوائب بالكأس فإن ذلك يعني أن المشروب مصدره قعر البرميل، وهذا غير مستحب" يحدثه هنري

ينظر ملياً للكأس قبل أن يكمل: إلا أن هذا الكأس لايحتوى إلا على جعة صافية ولذيذ. ... تشيرز!" يشير لكيم بالكأس

يبدآن بتناول المشروب، ويبدو أن كيم قد أعجب بهذا الشراب الجديد، "إنها فعلاً مركزة ولذيذة" يعلق كيم

"آه، إنك تتعلم بسرعة ياصديقي" يرد هنري ضاحكاً

+++++

الهواء يحمل أصوات الموسيقى مختلطة بأصوات رواد حلقة التزحلق القريبة. ينظر سامي لساعته. لقد تأخر في الوصول، فالساعة تقارب الثامنة وأربعين دقيقة. لقد عاد للفندق حيث ترك مشترياته، ثم هبط سريعاً لمحطة أوبردوبلنغ ليبدأ رحلته لوسط المدينة والتي أضطر بأن يأخذ طريقاً ملتوياً للوصول لبلدية المدينة بسبب تعطل خط القطار رقم 2U عن الخدمة حتى آخر شهر مارس بسبب أعمال الصيانة. لقد شارف على الوصول وخطواته المتسارعة على الأرض الجليدية بدأت تتحول للركض، فهو يكره التأخير، خاصة وأنها قد تكون بإنتظاره

سرعان ما لمحها تنتظر أمام الواجهة الزجاجية للمخبز المتاخم للمقهى. كانت متدثرة بمعطف أسود طويل وعلى رأسها قبعة فرائية سوداء، بدت من أسفلها خصلات شعرها الذهبية. وجنتيها كانت حمراوتين من شدة البرد. يسرع إليها معتذراً

"إني شديد الأسف يا إندرا، لقد تأخرت عن موعدنا" يعتذر لها

"لا تقلق يا سامي" ، ترد علية، "إنها بضعة دقائق فقط" وتبتسم

"لقد تأخرت عن الموعد عشرة دقائق وعلى الأرجح أنك كنت هنا قبل الموعد بدقائق أخرى. ذلك زمن طويل يا إندرا، كان يجب علي مخاطبتك هاتفياً لأوصيك بإنتظاري في الداخل بعيدا عن البرد" يرد وما زال الذنب يكتنفه لتأخره

"يا إبن الصحراء، إلى الآن لا تعلم أن هذا الطقس طبيعي بالنسبة لفتاة من ريغا مثلي!" تجيبه ضاحكة

"حسناً، هللا توقفنا عن الجدال ودخلنا المقهي" يرد عليها مبتسماً. لقد إتفقا على قضاء وقت من المساء في مقهى آينشتين الذي إرتاداه في الأسبوع الماضي وأعجبا به

"لقد جئت بجهاز الكمبيوتر المحمول لأريك بعض المواقع على الإنترنت، وخاصة هناك موقع لمدون يقطن في فيينا ويعلق عليها. ربما نستفيد من بعض مقالاته في التخطيط لزياراتنا حول المدينة" يحدثها

"أتعرف هذا المدون؟" تسأله إندرا وهما يهمان بالدخول للمقهى

"لا، لقد تعرفت على الموقع مؤخراً أثناء تصفح مواقع بعض المدونيين الكويتيين. آه بالمناسبة، لدي مفاجئة سأقدمها لكِ بعد بضع أيام" يرد سامي

تبتسم وترد عليه، "مفاجأة؟ همم، هذا شيء مثير! وما هي؟" تسأله إندرا

"لن تكون مفاجأة إن حدثتك عنها الآن، سأفسد الإثارة" يرد عليها

"آه، ...، إثارة وغموض" تغمز له بعينها وهي مبتسمة وتفكر إندرا بنوعية المفاجأة

إنتهى الجزء السابع والأربعون

ويتبع في الجزء القادم

1 Comments:

Blogger q80_demon said...

الجزئية داخل البار وايد عجيبة، وتذكرني ببعض الناس
:-D

3:03 PM  

Post a Comment

<< Home